وجهة نظر

حملة المقاطعة وهول أزمة تواصل الأزمات بالمغرب

فضحت “المقاطعة ” لبعض المنتوجات أزمة تواصل الأزمات عند بعض الوزراء والبرلمانيين وكبار المسؤولين بالمغرب ،الأمر الذي يؤكد عدم وعي نخبنا بالمتغيرات المجتمعية التي يعرفها مغرب القرن 21 لكونها تعيش خارج زمن مجتمعات المعرفة والإعلام ،اعتقادا منها ان عملية التواصل في لحظات الأزمات هو لغو وسب وقذف وتحقير وإطلاق أحكام قيمة وقمع لحرية التعبير لمجرد تعبير المواطن عن موقف بمقاطعة بعض المنتجات قد نختلف في عملية تقييم أسبابها وأبعادها ومن يكون من ورائها وتركيزها على منتجات دون أخرى.

وسياق هذا المقال هو تفوه بعض الوزراء والبرلمانيات والمسؤولين بألفاظ قاسية: “الخيانة” و”المداويخ” و”الجعانين” و”القطيع” في حق المقاطعين لبعض المنتوجات ، ألفاظ غير لائقة ان تصدر بجلسة عمومية وبمؤسسة دستورية او من طرف برلمانيين دستوريا يمثلون الأمة او من بعض مديري مؤسسات كبرى ، الأمر الذي أعاد علاقات تواصل الأزمات بالسياسة وبالفاعلين السياسيين للواجهة. والأكيد أن ضبط الجسر الرابط بين الفاعل السياسي والمؤسساتي والتواصل المؤسساتي للازمات من شأنه تحديد نوعية الثقافة السياسية السائدة ومستوى الفاعلين السياسيين ومستوى ثقافتهم التواصلية لكون تواصل الأزمات كينونة سياسية تتحول مع الفاعل السياسي الى آليات تحد من تأثير الأزمة القائمة وتداعياتها وليس تأزيم واقعها القائم .

ويشهد تاريخ تواصل الأزمات بالمغرب أن تدبير الأزمات من طرف الوزراء او البرلمانيين او المؤسسات او الفاعلين السياسيين- حتى في أحلك المراحل- لم تصل الى مستوى اتهام بعض المغاربة “الخيانة” و”المداويخ” و”الجعانين” و”القطيع” مما يجسد المستوى الذي وصل إليه تواصل الأزمات اليوم من انحطاط ومن ورداءة وكلام غير أخلاقي وغير مسؤول مما جعل المواطن يتساءل: من المسؤول عن هذا الانحطاط وهذه الرداءة ؟ أين هو دور المستشارين في التواصل؟ اين هي مكاتب الاستشارات في تواصل الأزمات؟ كيف لوزراء وبرلمانيين ورؤساء مؤسسات ان يتواصلون مع الرأي العام بهذه الألفاظ ما بعد دستور 2011؟ كيف ولماذا غابت الأناقة اللغوية وحلت معها اللغة الجارحة؟ وهل رداءة تواصل الأزمات الحالي من رداءة الزمن السياسي المغربي الراهن ذاته.؟ ومن رداءة مؤسساته ونخبه؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة لا اخفي سرا للاعتراف أنني أشعر بالصدمة من ان تصدر هذه الألفاظ عن وزراء وبرلمانيين ومسؤولين كبار بالبلاد في فترة دقيقة يمر بها المغرب خصوصا في ظل التطورات التي تعرفها قضية الوحدة الترابية وو اتساع دائرة الاحتجاجات التي تعرفها البلاد واقتراب شهر رمضان.ألفاظ فاقدة لكل مرجعية سياسية او إنسانية او أخلاقية، لغة غارقة في مأزق الاستهزاء بالقيم الانسانية وبلغة التواصل وعدم الوعي بخطورتها ، لغة بعيدة كل البعد عن اللباقة واللطف والأناقة والموضوعية، لغة فقدت معها النخب كل مصداقيتها وفقدت معها لغة تواصل الأزمات رقي علاقاتها الجدلية الرابط بين اللفظ وبين الأخلاق والتواصل والمسؤولية.

ولا يختلف اثنان على أن الأزمة التي تعاني منها السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية هي العنوان الأبرز للتواصل المؤسساتي عموما وتواصل تدبير الأزمات خصوصا بالمغرب،وهذا ما عشناه ونعيشه اليوم على اكبر من مستوى ومن مجال .فتواصل الأزمات عند هاته المؤسسات الدستورية يولد الكثير من الخيبات والصدمات والنكسات لدى المواطن ويسيئ الى المؤسسات ذاتها. ويبرهن هذا النمط من التواصل على عدم وعي الفاعل سواء كان وزيرا أو برلمانيا أو مسئولا او مؤسسات بأهمية التواصل مع المواطن في زمن الأزمات كيف ما نوعها، بل ان هذا الفاعل وهذه المؤسسات لم يقتنعوا – بعد- بأن تواصل الأزمات هو تواصل راق وأنيق ومسؤول لكن له مخاطره اما الحد من تأثير الأزمة او المزيد من تأزيمها.

نقول هذا الكلام لاقتناعنا على ان عالم المؤسسات هو التواصل،هذا التواصل الذي يتفاعل مع سياق عملية التواصل التي تحتم على المسؤول الاستثمار الجيد في اختيار الألفاظ والكلمات والرسائل التي يريد تمريرها وعلى هذا الأساس ليس من المنطقي ان تعلو عملية التواصل عن سياقها خصوصا اذا كان مأزوما.اكيد، لن يحذق في تواصل الأزمات ويمارس سلطاته بمهنية وبأخلاق من لم يتقن قواعد التواصل المؤسساتي وسلطاته.

وعليه، ففي الوقت كان المواطن ينتظر فيه من الوزير والبرلمانية والمسؤول عن الشركة الحديث عن المقاطعة بكثير من الأناقة واللياقة اللفظية مع الرأي العام ، فإذا بهم يستعملون ألفاظا قدحية ونابية بمؤسسة تشريعية هي مجلس المستشارين، وهنا لا بد من توضيح بعض الأمور

اولا ليس الوزير وحده هو المسؤول عن وصف المقاطعين بالمداويخ بل حتى رئيس الجلسة بصفته المسؤول قانونا عن تسيير الجلسة لانه كان عليه التدخل في حينه ودعوة الوزير سحب كلمة المداويخ والاعتذار في نفس الوقت لكن مع الأسف السيد رئيس الجلسة كان في عالم آخر.

ثانيا ليس ليس الوزير وحده هو المسؤول عن وصف المقاطعين بالمداويخ بل حتى الفرق البرلمانية التابعة للمعارضة – والتي هي ياحسرة ممثلة للأمة- لم تتدخل وتطلب من الوزير سحب كلمة المداويخ ودعوة الوزير سحب كلمة المداويخ والاعتذار في نفس الوقت لكن فرق المعارضة – مع الأسف- كانت في عالم آخر.

ثالثا ليس الوزير وحده هو المسؤول عن وصف المقاطعين بالمداويخ بل حتى الفرق البرلمانية التابعة للأغلبية الحكومية – والتي هي ياحسرة ممثلة للأمة- لم تتدخل وتطلب من الوزير سحب كلمة المداويخ ودعوة الوزير سحب كلمة المداويخ والاعتذار في نفس الوقت لمن فراق المعارضة – مع الأسف- كانت في عالم آخر.

رابعا إننا امام وزير ورئيس جلسة ومستشاري فرق الأغلبية والمعارضىة بمجلس المستشارين يستهينون جميعا من دلالة كلمة المداويخ اما عن وعي او غير وعي والاكيد لو تدخل رئيس الجلسة او احد أعضاء من فرق المعارضة او الأغلبية بمجلس المستشارين وسحب الوزير كلمة المداويخ واعتذر في الوقت ذاته لاتخذت الأمور منحى آخر لكن ما وقع كان هو العكس حيث استهان الكل باطلاق هذا اللفظ دون الوعي بخطورة الأوصاف في زمن الأزمات خصوصا اذا كانت مرتبطة بالمجال الاجتماعي .

ونشير – في نفس السياق- أن استمرار المؤسسات والفاعلين السياسيين في إنتاج تواصل مليء بالتهم المجانية والتشكيك والتخوين والتجريح والضرب -خصوصا في زمن الأزمات- يعد من المخاطر التي تهدد مستقبل مجتمعات المعرفة والإعلام، ويهدد مسار كل الاوراش الإصلاحية الكبرى التي يعيشها المغرب.

وعلى الوزارء والبرلمانيين ومديري الشركات والفاعلين السياسيين ان يعلموا ان التواصل المؤسساتي هو علم لغته جد حساسة في لحظات الأزمات،لذلك فالوعي بتأثير اللغة في مجال تواصل الأزمات، والتسلح بضوابطه وقوانينه تحمي الفاعلين ولمؤسسات من اي انزلاق قد تكون تكلفته باهظة لكون التواصل المؤسساتي المسؤول هو صانع الحدث والفاعل والموجه للراي العام والمهذب للذوق اللغوي العام .

وبصفة عامة يتفق علماء التواصل بان زمن الازمات بحاجة الى تواصل مهني بسبب ارتباطه بظروف استثنائية،لكن هذا التواصل يكون سيفا ذي حدين، فإما أن يزيد من تفاقم الأزمات أو يخفف من وطأتها.

والكارثة التواصلية الاخيرة التي عرفها مجلس المستشارين ومدير الشركة المعلومة اكد ازمة تواصل تدبير الأزمات لدى الكثير من المؤسسات والفاعلين بالمغرب.فاوصاف الخيانة” و”المداويخ” و”الجعانين” و”القطيع” التي أطلقها وزراء وبرلمانيون على المقاطعين لا تليق بهم ولا تليق بمواطن القرن 21 في سياق انهارت فيه الوسائط التقليدية من احزاب وجامعات ونقابات في تأطير المواطن وتوجيهه .

انها أوصاف تعكس هول ازمة التواصل عند عدد من المؤسسات التي لا تتوفر على إستراتيجية واضحة المعالم من أجل التواصل مع الرأي العام والحيلولة دون تطور”الأزمة إلى أزمة أخرى” ،ولو تواصلت المقاولات التي تمت مقاطعة علاماتها التجارية،بكيفية مهنية مع المقاطعة لما دخلت البلاد في ازمة اجتماعية واقتصادية تحولت من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع لذلك نقول ،.صحيح الكل يعرف كيف انطلقت المقاطعة لكن لا احد يعرف الى متى ستستمر ومتى وكيف ستوقف هاته المقاطعة وما هي تكلفتها وتداعياتها على الاقتصاد الوطني وعلى التماسك الاجتماعي.

*استاذ التعليم العالي جامعة محمد الخامس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *