وجهة نظر

المقاطعة وتصريح رئيس الحكومة من منظور العلاقات العامة

بعد صمت طويل وفي غاية الحكمة، خرج كل من رئيس الحكومة بتصريح للصحافة، ووزير الحكامة بتصريح في مجلس المستشارين احترما فيه إرادة المواطنين في المقاطعة؛ إن لم يؤيداها ضمنيا فهما لم يعارضاها ولا رموها بسوء. مفاد تصريحهما هو توجههما نحو النظر في مصلحة آلاف العمال والمستخدمين؛ وخصوصا مصلحة الفلاحين الصغار الذينيشكلون 80 في المائة من المرتبطين بشركة سنترال، والذين قد يتضرروا من المقاطعة، إلى حد أن وزير الحكامة الحسن الداودي عبر عن تخوفه من احتمال إغلاق شركة سنترال الفرنسية لفرعها في المغرب بسبب المقاطعة.

هناك احتمالات من التصريح نحللها كالتالي:

الأول هو أن التصريح مبادرة حرة عشوائية من المسؤولين الحكوميين، لا علاقة لها بأية جهة لا في الدولة ولا في الشركات المعنية بالمقاطعة. انطلاقا من هذا الاحتمال ووفق قواعد العلاقات العامة، فإنه سيكون التصريح بمثابة صب الزيت في النار، لأنه اتهام للشركة بنيتها وعزمها على إغلاق الأبواب في وجه عمالها، ومن جهة ثانية هو إثارة لعمال الشركة واستنهاضهم للدفاع عن حقوقهم، ومن جهةثالثة هو تحريض للفلاحين الصغار ليدافعوا عن حقوقهم، وليتضامن معهم جميع الفلاحين من الشركات الأخرى الموزعة للحليب. وأمام هذا التصريح لن يكون أمام شركة سنترال الدولية إلا النهوضسريعا للحفاظ على سمعتها وإصدار بلاغ تكذيب نيتها إغلاق فرعها بالمغرب مهما كانت الظروف، وإعلان قدرتها على حل مشاكلها وتفهمها لمشاعر زبنائها أينما كانوا في العالم.

الثاني الأقرب لمنهجية التعامل مع مثل هذه الأزمات لتهدئة الأوضاع والخروج منها بأقل الخسائر،أن هذا التصريح لم يُدلَ به عشوائيا وعبثا؛وإنما هو ثمرة لقاءات الذهول والاستغراب من نجاح المقاطعة وثمرة نقاشات طويلة حول سوء تقدير آثارها وأبعادها؛ وهي نقاشات في غاية السرية والكتمان، انتهت بإلزام الرؤوس الكبار،المستهزئين بالمقاطعين أمام الكاميرات بشرب حليب سنترال والطعن في المقاطعين وتحدّيهم وتخوينهم و”تدويخهم”، للتواري عن أنظار الشعب وابتلاع ألستنهم بسوء ما بُشّروا به بعد النجاح المخيف للمقاطعة في أسبوعها الأول. وإن مضمون هذا التصريح هوما خلصت إليه الدولة برؤوسها المتحكمين، بعد أسبوعين من انتظار مخيف لفشل المقاطعة.لقد أمَرت بهالدولةُ الحكومة، للبحث في حل وسط، لإرضاء المقاطعين دون الإضرار بسمعة شركتي الماء والحليب؛ قد يتمثل هذا الحل “الوسط” في الضغط على الحكومةوالبرلمان للتدخل وسن قانون تخفيض الضرائب على الشركتين لتعويضهما الخسائر المؤكدة.

إن تسريب هذا الحل “الوسط” لمعارضة الحكومة هو الذي جعل الصحفيين الموالين للتحكم والأحزاب المشككة في نوايا المقاطعة ينقلبون فجأة رأسا على عقب ليدافعوا عنها وبصخب في البرلمان، وليحملوا الحكومة مسؤوليتها بمزايدات سياسية وبسياقات ملفتة للنظر.

الثالث،إن ما يثير الانتباه هو الصمت المطبق لرئيس الحكومة والوزير عن مقاطعة المحروقات، وهي الأهم والأساس بالنسبة للمقاطعين؛لأن الزيادة الصاروخية وغير المسبوقة هذه السنة في المحروقات هي أم الزيادات المرتقبة في المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، خصوصا في المناطق البعيدة عن مركز التوزيع.

هذا الصمت عن شركة أفريقيا لتوزيع المحروقاتإما هو ناتج عن حسابات سياسية مع صاحبها أخنوش، وهذا مستبعد جدا،ولن يصدر من أي وزير من وزراء هذه الحكومة؛ خصوصا مع “دينامو” الدولة، وبحكم التحالف الحكومي، وبحكم ما قد يترتب عنه من تداعيات سياسية خانقة للدولة وللأحزاب المشكلة للحكومة؛ وإما هو ناتج عن غياب رؤية واضحة وعدم التوصل إلى حل يرضي الشركة؛ وإما لأن الحل يحمله تقرير لجنة تقصي الحقيقة الذي فرضَ المقاطعون على البرلمان إخراجَه للوجود ومناقشَته الأسبوع القادم، وهذا الأخير هو الاحتمال المعوَّل عليه.

غالبُ الظن أن المقاطعين لن ينخدعوا ويرضَوا أو يكتفوا بتحميل الحكومة مسؤولية غلاء هذه المواد وحتى غيرها؛ لأن الجميع قد أدرك واستوعب ظروف وسياقات تكوينها، وإن تخفيض الضريبة على الشركتين لن يعتبروه إلا تمييزا ودليلا آخر على تحكم أصحاب المال في قرارات الدولة.

تكمن خطورة هذا الحل في احتمال نقلِ المعركة إلى الحكومة، كما يشتهي المتحكمون، لتختلطَ الأوراقُ ويختلط َمعها المقاطعون؛ وماذا لو زاد خلْط الأوراق الطينَ بلة ولن يسهلَ تنظيفه؟!

* دكتوراه في العلاقات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *