رمضانيات

“من الوهابية إلى الإسلام” .. لشهب: هكذا دخلت مذهب بن عبد الوهاب (الحلقة السادسة)

ضمن هذا الشهر الكريم، نعرض عليكم متابعي جريدة “العمق” سلسلة جديدة مع الكاتب خالد لشهب. يروي فيها تجربته من “اعتناق” مذهب بن عبد الوهاب إلى مخاض الخروج إلى رحابة الإسلام، بما يبشر به من قيم الجمال والتسامح والرحمة …

السلسلة هي في الأصل مشروع كتاب عنونه مؤلفه بـ «من الوهابية إلى الإسلام»، حيث يُحاول من خلال عرض تجربته بأسلوب يزاوج بين السرد والاسترجاع والنقد.

جريدة “العمق” ستعرض طيلة هذا الشهر الفضيل، الكتاب منجما في حلقات، يحاول من خلالها الكاتب نثر الإشارات التي قد تكون دافعا ووازعا لكثير من الشباب للخروج من ظلمة الوهابية إلى رحابة الإسلام عملا وظنا.

الحلقة السادسة: دخولي في مذهب بن عبد الوهاب

كان التحاقي بالسلفية الوهابية في بداية الموسم الدراسي في مرحلة من المراحل الإعدادية. حين دخلت الفصل في أول حصة للتعارف أثار انتباهي فتى يدرس معي في الفصل نفسه، يرتدي قميصا بنيا شاحبا على طريقة السلفيين في مصر. كان يتحدث إلى الأستاذة وهو واثق من نفسه، كان يتحدث بفرنسية سهلة بمنطق دارج، وبما أن علاقتي بالمدرسة كانت قد ساءت لرواسب سنوات الابتدائي فإني لم أكن أفهم كثيرا مما يقول، كنت فقط أتساءل وأشغل نفسي عن ما يمنعني أنا أيضا من أن أرتدي قميصا وقلنسوة مادام أني أنا أولى بذلك لعلاقتي القريبة بالتدين، خاصة وأن تديني لن يكون مفاجئا لقرب معرفتي بالإخوة الذين كانوا يعرفون أسرتنا عن طريق أخي الممتد في مذهب ابن عبد الوهاب. وعندما خرج صديقي المتدين تحدثت إليه وتكلمنا مديدا، وفي الغد كانت أول مرة أحضر فيها للفصل بقميص بدلا من اللباس العصري الذي كانت أمي اقتنته لي بعناية.

كانت علاقتي بالمدرسة سيئة جدا، والتحاقي بمذهب ابن عبد الوهاب زادها سوء. كنت مشاغبا جدا، كثير اللعب في الفصل الدراسي، وكان أن وجدت في نفسي التبرير الكافي لمقت المدرسة واعتبارها أداة للميوعة والانحلال. كنت دائما أفكر في الجدوى من دراسة هذه العلوم الدنيوية مادام أن هذه الدنيا زائلة، وأننا فقط عابرو سبيل، وأن هدفنا من هذه الحياة هو أن نلقى الله بقلوب مؤمنة موحدة، لأننا حين سنحقق التوحيد ونكون مؤمنين حقا سوف ينصرنا الله تعالى لا محالة…

حاول يوما أحد الإخوة كبح بعض من حماستي الزائدة وبذل جهدا جهيدا في محاولة إقناعي بجدوى المدرسة، لأني كنت مصمما على الانقطاع، وقد حدث هذا وانقطعت شهرا ثم عدت من جديد. لقد كنت أمني نفسي دائما بدراسة العلوم الشرعية. كان الأخ يقول لي إن الأمة في حاجة إلى العلوم الدنيوية لتصد أعداءها، وكنت أحتج عليه بما أحفظه من الأثر في فضل التفقه في الدين وفضل علومه على علوم الدنيا. كنت أعزه في الخطاب فلا يدري بعدها ماذا يقول؛ لأن السلفي يتوقف عقله عندما يسمع الخبر والأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

في أحد المساجد الصفيحية التي بناها الإخوة، والتي أصبحت مقرا بعد كل صلاة لكل السلفيين قبل أن يستولي عليها أتباع الشيخ ياسين في تحالف مع العوام. كان هذا المسجد الخارج عن سلطة وزارة الأوقاف مركزا للنقاش والتعارف والاستقطاب، والذي فيه وبفضله استطعنا أن نكون تجمعا سلفيا داخل الإعدادية الوحيدة التي كانت في المنطقة. كنا نرتدي اللباس السلفي عنوة رغم أنف الإدارة التي عانت من تنطعنا كثيرا. كنا نقيم الصلاة وقت الاستراحة ونطيل سجودها وركوعها، وندخل الفصل متأخرين بحجة أننا كنا نصلي العصر، كان الأساتذة لا يجرؤون على قول شيء إما من جانب اقتناعهم بضرورة الصلاة أو خوفا من شرورنا. وكانت الحرب الضروس تقوم في الفصل الدراسي مع بعض الإخوة من جماعة الشيخ ياسين أو مع بعض من المراهقين الذين نفرض وصايتنا على سلوكاتهم المائعة.

التحاقي بالسلفية لم يكن يعجب أمي مطلقا، خاصة وأني تخليت عن ثيابي الأنيقة التي كانت اختارتها لي بعناية في بداية الموسم الدراسي، وكنت استبدلتها بلباس كانت أمي تطلق عليه لباس “الهداوة”. وكان من شدة تأثري بالحماسة للدين أن دخلت في قوقعة صوفية لم أعد أهتم فيها بمظهري بما ينبغي، فالمهم عندي هو ما يرضي الله وليس ما يرضي الخلق، والله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. وبما أن أمي استسلمت للاختياري مرغمة فقد كانت على الأقل تحاول أن تراني على قدر من الأناقة ولو بلباس تقليدي، فحاولت إقناعي باللباس المغربي لكني رفضت بدعوى أن اللباس المغربي ليس لباس السنة. ثم انتهى بها الأمر أن كانت تمنحني المال وأشتري ثوبا وأخيطه، ومن سوء حظها وحظي أن كنت أخيطه على الطريقة الأفغانية وأغطي رأسي بقبعة شيشانية مع وعود أراك وقنينة عطر وهابي رخيص.

كانت نهاية التسعينيات تشهد الحرب الروسية الشيشانية، وكنا ونحن هنا في المغرب نعيش بأرواحنا معهم ونمني النفس بالالتحاق بهم. كنت أنا وبعض من الإخوة نقصد مقهى النت وكان نادرا في تلك الفترة، كان أحد الإخوة يتكفل بالدخول إلى واحد من المواقع الإسلامية ليستخرج لنا الأخبار اليومية والدورية لحصيلة الانتصارات هناك. كانت صور المعارك والفيديوهات الحماسية المصحوبة بالأناشيد الموزونة الفصيحة تحدث في نفسي الرغبة في الموت في سبيل الله . كانت صور المجاهدين في الشيشان لا تفارق مخيلتي خاصة صورة البطل سامر صالح عبد الله الملقب بخطاب، كنا نحكي عن أحداثهم هناك وقصصهم بكثير من الدهشة والحماسة والقداسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *