وجهة نظر

دولة الحق والقانون

الصلح خير…تصالح صاحب التريبورتور مع الشرطي. تصالح الصافع و المصفوع، عقب استقبال المدير العام للأمن الوطني المواطن معبرا عن اعتذاره باسم جهاز الشرطة المغربية عن سوء المعاملة الذي لحق “طالب معاشه”.

الحموشي، قدم اعتذارا لصاحب الدراجة النارية مرفقا بعبارات من نوع “تخليق المؤسسة الأمنية، التزامات دستورية، آليات الشفافية و النزاهة، الحريات الفردية و الجماعية”… جمل قد لا يفهم منها المواطن البسيط إلا اللَّمم، تبدو وجهتها منظمات التنقيط الدولية التي “تُجبد للمغرب أذناه على مدار الساعة”.

تصالح الشرطي و المواطن إذن بعد بلاغ للأمن يقول بتوقيف الضابط و إحالته للتحقيق بموازاة مع بحث قضائي تحت إشراف الجهات المختصة.
الاعتذار فضيلة و الصلح خير، لكن الحادثة تخرج للأذهان إشكالية التعامل بين المواطن و المسئول، الحاكم و المحكوم.

ماذا لو لم يتم توثيق الاعتداء صوتا و صورة؟ هل كان التحقيق سيُفتح؟ هل كان صوت المواطن سيكون مسموعا أمام صوت الضابط على قدم المساواة أمام العدالة؟ منذ صغري أسمع أسطورة رجل السلطة =12 شاهدا، و تمزيق شرطي لأزرار بدلته كفيل بأن يذهب بك وراء الشمس. فهل هي حقيقة أم أسطورة من أساطير الأولين؟!

في فرنسا خاطب مزارع رئيس البلاد «ماكرون”:تكلم معي بأدب! تنبيه وثقته كمرات القنوات الدولية و لم توثق إهانة ماكرون للمواطن أو سبه. لو فعل لوجد نفسه خارج قصر الإليزيه، عكس وزراء تُشتم من تاريخهم روائح الفساد، يسبون و يشتمون بل و يتورطون في فضائح فيترقون من منصب لآخر مطبقين حكمة “في زيته قليه على شعب المداويخ”: وزير الفُلوس و الحَبة كان واليا على أكادير،”مزوار-أوفيتش” أضحى كبير “باطرونات” المغرب، أما صاحبة نظرية “جوج فرانك ” فتصدرت نتائج المكتب السياسي لحزب “التأخر و الشباكية”. دون الحديث عن صاحب فضيحة 22 مليار خرج من نافدة الوزارة، و عاد بلباس يشبه لباس “الخِتان” نائبا لرئيس برمت لمان. بروبليم!

في المغرب يكثر الحديث عن حكومة صاحب الجلالة و معارضة صاحب الجلالة. عبارات يُرادفها منطق أن “صاحب الشيء” فقط من يحق له محاسبة “خاصته” . المسؤولين فرحين بنسبهم لملك البلاد، فيلعبون بكل فخر دور “المُسخر” الذي إن لم يعجب “مول الشي” تخلى عنه. لم نصل بعد للمسؤولية المرتبطة بالمحاسبة أمام الشعب، و ليس فقط أمام رئيس الدولة و التاريخ و الجغرافيا….و الله.

دولة المحاسبة تفترض مؤسسات قوية تعتمد قوانين صلبة و ليس فقط شخصيات “قوية” مرتبط بالمؤسسات التي تديرها: الأمن أصبح مرادفا للحموشي و الفلاحة لأخنوش، و نموذج المغرب متمركز حول شخص الملك، ما دفع المعهد الملكي الإسباني للدراسات الإستراتيجية (إلكانو) لوصف استقرار المغرب، إلى جانب أمريكا اللاتينية، بالنسبي.

“و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم”. منذ 14 قرنا حذر الله من اعتماد نموذج الأمة القائمة و المعتمدة على الفرد، مؤكدا أن عصر معجزات الأفراد قد ولى، و أن وقت السنن و القوانين قد حل. سُنن و قوانين تنظم الدول و الجماعات، فتضمن سيرها بغض النظر عن من يتولى القيادة.

دولة المؤسسات لن تقوم سوى بمواطن قادر على محاسبة مسئوليه دون الخوف أو التفكير في حاجياته الأولية من أكل و شرب و مأوى و تزاوج. السياسة بنية فوقية لا يهتم بها الإنسان ما لم يُحقق حاجاته “البدائية”. معدة فارغة ليست أفضل استشارة سياسية! (ألبرت أينشتاين).

مواطن معافى في جسده آمن في سربه عنده قوت يومه. ثلاثية على ما تبدو من بساطة تستوجب توزيعا عادلا للثروة (نموذج تنموي جديد)، جهاز أمن فعال و قضاء مستقل مبادر لا يخشى الأسماء الكبرى الرنانة و لا يقف عند (رون بوان) يلمح الأضواء خضراء أم حمراء. إضافة لقطاع صحة بدنية و نفسية فعال و كفؤ، و صحة ثقافية تطور و تسمو بالإنسان (تعليم و إعلام). و حنا للأسف مزال “لخوت” ما بغاو يقادو حتى وحدة فيهم!

*باحث في الجغرافية السياسية و كاتب رأي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *