وجهة نظر

المقاطعة وسيناريو التعامل مع الأزمة السياسية

تظهر المعطيات الاعلامية الجديدة، التي ركزت على توجيه الرأي العام لتحميل حكومة العدالة والتنمية مسؤولية اﻷزمة السياسية، أن دوائر الحكم تتوجه إلى مكافئة شركاتها المهيمنة على القرار السياسي، وعدم محاسبة أي رمز من رموزها المتورطين في تغرير الدولة ونهب المال العام.

اتفقت عدد من مواقع التواصل اﻻجتماعي المرتبطة بدوائر الحكم على التلويح بزلزال سياسي يخرج من الدولة أثقالها لتنصيب حكومة تكنوقراط في أفق استعادة دور حزب اﻷصالة والمعاصرة، الخصم اللدود لحزب العدالة والتنمية والحركة الاسلامية بصفة عامة،؛ لكن بقيادة وجوه جديدة قديمة.

التضحية بحزب العدالة والتنمية وحكومته هو الحل المحتمل لخروج الدولة من اﻷزمة السياسية التي خلقتها المقاطعة والخانقة والمحرجة لعلاقة النظام برموزه المستهدفين بالمقاطعة وللخروج منها بأقل الخسائر المحتملة، حتى ﻻ تتحول المقاطعة إلى سلوك شعبي معتاد قد يطال شيئا فشيئا دوائر الحكم نفسها.

لقد أتقنت بالفعل الجهات المعروفة بمناهضتها للمقاطعة والدوائر المتضررة من المقاطعة لعبة تغيير وجهتها وتغيير سياقها وصرف النظر عن أخطر تقرير للجنة استطلاع برلمانية يرأسها حزب العدالة والتنمية حول الفساد في قطاع المحروقات؛ أتقنت اللعبة بمساندتها الشكلية للمقاطعة ودعمها وتبنيها، قصد تحميل حكومة العدالة والتنمية وحدها مسؤولية اﻷزمة السياسة ونتائجها.

لقد توقعنا ونبهنا إلى خلط أوراق المقاطعة، وقلنا إنه لم يأت (أي خلط الأوراق) عبثا وﻻ عشوائيا. لقد جاء بعد تأكيد جميع المراقبين أن مشروع أخنوش السياسي، الذي قد عولت عليه دوائر الحكم وصرفت عليه أموالا طائلة، وقامت له المساعدة العلنية من العمال والوﻻة في جميع الجهات واﻷقاليم، قد دُمِّر تماما واحترق كتابه “مسار الثقة” احتراقا مهوﻻ، وأن العدالة والتنمية هو الذي خرج نظيفا من حملة المقاطعة وهو المستفيد منها بسقوط منافسه الجديد في الساحة بعد سقوط المنافس الأول حزب الأصالة والمعاصرة رمز الاستبداد ومدلل الدولة كما يقال.

توقعنا بمقتضى قواعد العلاقة العامة في مواجهة اﻷزمات أن دوائر الحكم – عكس دوائر الحكومة التي دلت مواقفها أنها ﻻ تفقه شيئا في علم العلاقة العامة- ستستشير مبكرا مراكز العلاقات العامة الكبرى في فرنسا والمتخصصين في العلاقات العامة، لتأتي توصياتها ب”سيناريوهات” محبوكة، كهدف رئيسي لخلط الأوراق، يشارك فيه الإعلام العمومي والكتاب التابعين والمواقع التابعة والأحزاب؛ وذلك بإخراج رئاسة الحكومة ووزراء العدالة والتنمية من الحياد، وتوريطهم في المقاطعة بإدانة تدبيرهم الحكومي الأول والثاني في أسبابها وبواعثها؛ كل ذلك لغاية تهدئة الأوضاع من جهة، ترهيبا وترغيبا، كما جاء في التصريح الحكومي اﻷول عكس الثاني، ومن جهة أخرى ليبقى الخيار مفتوحا لمهندسي الخريطة السياسية بين إرجاع “البام” إلى الواجهة مرة أخرى، أو الإختيار بين الأحزاب الأخرى وحزب الاستقلال خصوصا الذي أعلن المعارضة مؤخرا واستعداده التحالف مع “البام”، وهذا اﻷخير اختيار ضعيف وبعيد المنال.

اختبار الحلول المحتملة وردود فعل المواطنين عبر وسائل الاعلام ما زال مستمرا وقائما بكثافة. وإلى حد اﻵن ليس هناك دليل قاطع على احتمال نجاح أي “سيناريو” من “السيناريوهات” المحبوكة إﻻ توريط متردد للحكومة باسم العدالة والتنمية، لم يحقق بعد أهدافه كاملة.

العائق اﻷكبر الذي يخضع اﻵن للدراسة والتمحيص والعناية المركزة هو كيف يمكن اختراق وسائل التواصل اﻻجتماعي ﻹبطال مفعولها وتأثيرها الفعال في المواطنين.
لقد أثبتت وسائل التواصل اﻻجتماعي والفايسبوك خصوصا قدرتها على المقاومة، وأثبتت تفوقها على وسائل الاعلام التقليدية وحتى على المواقع الالكترونية الحاملة لسيناريو تحريف مسار المقاطعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *