وجهة نظر

“عيطوا على أخنوش”

لا شيء في هذه البلاد يدعو للقلق! فمهرجان موازين على الأبواب، ومنصاته مشيدة تنتظر من يعتليها، وشهر رمضان خرجنا من نصفه الأول، ومنتخبنا الوطني لكرة القدم في طريقه إلى روسيا، لكي يلاقي في أولى مبارياته بالمونديال منتخب البلد الذي قطعنا علاقاتنا الدبلوماسية معه مؤخرا.

لا شيء يدعو للقلق! فموسم الحصاد في بدايته، ورئيس الحكومة عبر خلال آخر جلسة شهرية تمت فيها مساءلته، عن ارتياحه للمحصول الفلاحي برسم هذه السنة، والذي من المتوقع أن يعرف زيادة قدرها 3 في المائة مقارنة بالموسم المنصرم.

ثم لا شيء يدعو للقلق، مادامت مقاطعة المواد الثلاث مستمرة، ووزراء “البيجيدي” وحدهم من يخرجون تباعا للدفاع عن “حليب فرنسا” دون غيرهم من وزراء الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية.

وحدهم من يطلون علينا من شاشات التلفاز العمومي لمطالبتنا بشرب الحليب، ليس لأنه مفيد لهشاشة العظام كما يقول أطباء التغذية والأطفال، ولكن لأنه يضر بمصلحة الفلاح المغربي واقتصاد الوطن كما يرددون…

حتى ابن كيران مُلهِم المقاطعين، الذي طالب المغاربة قبل سنوات عندما كان رئيسا للحكومة، بصنع “الرايب” لمواجهة قرار شركة “دانون” القاضي بالزيادة في ثمن “الياغورت”، خرج عن صمته هذه المرة، مُطالبا الشعب بوقف المقاطعة قائلا: “اللي غلب يعف”، وداعيا المغلوبين على أمرهم من مواطني هذا البلد، لأن ينفقوا مما في جيوبهم المثقوبة، وأن يشتروا حليب الشركة الفرنسية.

إذ يقول إن التي جعلته يقتنع بضرورة الدعوة إلى العدول عن مقاطعة حليب “سنطرال”، لم تكن سوى أخت امرأة تشتغل عنده في البيت، تعيش من ثلاثين درهما تحصل عليها يوميا عن طريق بيعها لحليب بقرة تربيها في البادية.

لكن لا أحد اقتنع بكلام ابن كيران، رغم أن فئات كبيرة من المغاربة تحترمه وتتعاطف معه، وتصدق حسن نواياه، إلا أن الغالبية هذه المرة قد تجاهلوا مضمون تصريحه، مكتفين بالسؤال عن السبب الذي جعل الرجل يخرج بهذا التصريح الذي لم يقنع به حتى شباب حزبه الذين يحبونه حد العشق، ومستغربين من المنطق الذي صار يحكم الرجل، علما أن أسهمه قد ارتفعت في بورصة السياسة، وصار كثير من معارضيه يتغزلون به، و”بمواقفه الرجولية” في مرحلة البلوكاج الشهير.

ابن كيران، الذي حذر من “زواج المال والسلطة”، في آخر خطاب له شهر فبراير الماضي، كان حريا به بدل مطالبة المواطنين بوقف المقاطعة، أن يخاطب وزراء حزبه أولا، وأن يدعوهم للكف عن الخرجات الإعلامية الغير موفقة، وأن يناشدهم كي يوقفوا الترافع عن قطاعات يتحمل مسؤوليتها أناس آخرون فضلوا الهروب والاختباء بدل مواجهة المواطنين والدفاع عن ما يعتبرونه صوابا.

كان عليه أن يمتلك الشجاعة التي تحلى بها ذات مرة في مدينة وجدة أمام الطلبة القاعديين، يوم أصر على مخاطبتهم رغم محاولتهم نسف نشاط كان يؤطره، وأن يقول لإخوانه من المسؤولين الحكوميين: “عيطوا على أخنوش” بدل عبارته الشهيرة “عيطوا على الدولة” التي طالب فيها بتوفير الأمن في القاعة التي اقتحمها الطلبة القاعديون .

كان على زعيم “البيجيدي” أن يتساءل عن مصير “السوبرمان” عزيز أخنوش، وعن سبب اختفاء الوزير الذي عهدنا ظهوره على أغلفة المجلات “الفرنكوفونية” والمواقع التي كانت مداومة على رسمه في صورة البطل والمُخَلص المنتظَر.. عن الرجل الذي تسبب في “البلوكاج” الذي انتهى بإعفاء ابن كيران نفسه.

فأخنوش هو المسؤول المباشر عن الفلاحين والحليب والبقر، والذي كان من المفروض أن تكون وزارته أول من يصدر البلاغات والتوضيحات حول معاناة الفلاحين المفترضة بفعل المقاطعة، وأن تخرج للناس بالكيفية التي كانت تخرج فيها من خلال بلاغاتها للتباهي بكمية المحاصيل وإشعاع المعارض الدولية ومخططات المغرب “المُلونة”.

كان على ابن كيران -مادام قرر الحديث- أن يُذَكر بأن “تَشوافْت” لا تنفع في السياسة، وأن حلم “الميلياردير” في تصدر الانتخابات القادمة بتلك الطريقة التي كان ماضيا فيها قد تبخر، وأن الثقة التي كان يمني نفسه في الحصول عليها من خلال أطروحة “مسار الثقة” قد فقدها في “مسار الثقة” نفسه.

كان على ابن كيران أن يقول لوزراء حزبه: “لا تحترقوا .. ولا تحرقوا حزبكم بتصريحات غير محسوبة بمبرر “مصلحة” الوطن، بينما الآخرون يهرولون مبتعدين عن “النار” مخافة الاحتراق.. فحب الوطن أبدا ما كان يعني الانتحار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *