وجهة نظر

مفاوضات كوريا الشمالية وواشنطن

تنعقد حسب المعلن مفاوضات الولايات المتحدة الأمريكية و كوريا الشمالية في اجتماع رئاسي بين رئيسي البلدين دونالد ترامب وكيم جونغ أون في سنغافورة في 12-06-2018 وذلك من أجل:

– إزالة السلاح النووي الكوري الشمالي بمقابل مالي.
– إلغاء الحصار المفروض على كوريا الشمالية منذ 1953.
– إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي و الجيوش الأجنبية.

وتعود الأزمة الكورية تاريخيا منذ الحرب في شبه الجزيرة الكورية ما بين 1950-1953 عندما حاولت كوريا الشمالية توحيد شبه الجزيرة الكورية بالقوة العسكرية، وتدخلت واشنطن لمساندة النظام الكوري الجنوبي، وتدخلت بكين لمساندة الجانب الكوري الشمالي. لقد فقد في هذه الحرب 9 ملايين شخص أرواحهم ضمنهم مليون صيني و 55 ألف جندي أمريكي، واتفق على هدنة على الحدود بين الكوريتين لم تتحول إلى سلام فأكثر من 36000 جندي أمريكي يرابط في كوريا الجنوبية التي تحولت إلى دولة متقدمة تكنولوجيا لأسباب داخلية و بفضل الدعم الغربي ونظام الرئيس بارك شونك هي 1953-1979 والذي اغتيل من طرف رئيس المخابرات؛ وكان قد سيطر بيد من حديد على كوريا الجنوبية ولعب دورا هاما في تقدمها الاقتصادي، وهو في نفس الوقت والد الرئيسة بارك جينغ هي 2013-2017 التي اتهمت بالرشوة وعزلت من منصب الرئاسة .

كان برنامج مساعدة كوريا من طرف الغرب يهدف إلى:
– إبعاد كوريا الجنوبية عن الفكر الشيوعي في عز الحرب الباردة وكانت ساخنة في شبه الجزيرة الكورية.
– خلق منافس قوي برأسمال أمريكي للصناعة و التكنولوجيا اليابانية.

وشبه الجزيرة الكورية لا تتعدى مساحتها 220.760 ألف كلم مربع، 120.540 كلم 2 لدولة الشمال و 100.220 كلم 2 لدولة الجنوب، ويعيش فيها حوالي 80 مليون نسمة، حوالي 50 مليون نسمة في الجنوب و حوالي 28 مليون نسمة في الشمال، وكلا الدولتين في حرب منذ 1953 إذ لم تعقد اتفاقية سلام بين البلدين، فكوريا الشمالية ظلت تعتبر كوريا الجنوبية جزءا منها محتل من طرف حلف الشمال الأطلسي بقيادة واشنطن التي فرضت مع حلفائها حصارا و حرب مخابراتية واجهتها كوريا الشمالية بإغلاق البلد، إلا أن كوريا الشمالية عانت من تداعيات انهيار المعسكر الاشتراكي في التسعينيات من القرن الماضي، وفقدان حلفائها وتشديد الحصار مع سيطرة القطب الواحد على السياسة العالمية ومنعها من تصدير منتوجاتها سواء كانت سلاح أو سلع. وكانت الصين المساند الوحيد لها اقتصاديا وسياسيا خلال السنوات الأخيرة ، ومع ذلك ساندت الصين مواقف واشنطن فيما يتعلق بالسلاح النووي الكوري ذلك أن مجلس الأمن أصدر 12 قرارا ضد كوريا الشمالية وافقت عليها الصين، مما أدى إلى أزمة اقتصادية في كوريا الشمالية رغم أن الحزب العمالي الكوري الذي يحكم البلاد سن سياسة تقشفية مع مساواة صارمة إلا أن الحصار أثر على الاقتصاد بشدة.

كانت كوريا الشمالية قد انضمت إلى معاهدة عدم نشر السلاح النووي، ووافقت على الرقابة على برنامجها النووي مقابل دعم اقتصادي، إلا أن حرب الخليج واحتلال أفغانستان ثم العراق جعلها تنسحب من المعاهدة في 2003، وأقدمت على تجربة نووية في 2006 أتبعتها بعدة تجارب أخرى إلى أن فجرت قنبلتها الهيدروجينية . ويظهر أن الصين لم تك على وفاق مع كوريا ش في هذا المجال لذلك التزمت بحصار كوريا ش و عدم شراء عدة سلع منها باستثناء تزويدها بالنفط الذي أصرت عليه الصين قبل موافقتها على القرار الأخير لمجلس الأمن ضد كوريا ش و الذي شدد الحصار ضدها. ويجري منذ 2006 تقديم وعود وحزمة مساعدات مالية وغذائية و اقتصادية مقابل إلغاء البرنامج النووي، ومن ضمن المشاريع التي قدمت عرضا لشراء البرنامج النووي العسكري مقابل مليارات الدولارات ستمول دول الخليج العربية الجزء الأكبر منها، وهي التجربة التي سبق أن نفذت مع أوكرانيا. وهناك مشروع آخر هو قيام الدول الغربية بتحويل البرنامج النووي العسكري الكوري إلى برنامج نووي مدني لإنتاج الطاقة الكهربائية مع مساعدات مالية ضخمة و إلغاء الحصار، لكن تعقيدات البرنامج الباليستي الصاروخي الذي ظهر بقوة في السنوات الأخيرة زاد من تعقيد الملف الكوري إذ تطالب واشنطن بإلغاء البرنامج الصاروخي كذلك.

ولما كانت القيادة الكورية في “بيونغ يانغ” لا تصدق وعود واشنطن بالمطلق، فإنها ترفض التخلي عن برنامجها النووي و الصاروخي لأنه الذي يضمن سلامتها حتى لا يقع لها ما وقع للعراق وأفغانستان والدول العربية. ورغم أن الغرب يحاول إقناع كوريا الشمالية بجدوى ما تقدمه لها على أساس ضمانة الصين، لكن كوريا ش رغم العلاقة الجيدة مع بكين فلها قرارها السياسي المستقل فهي تطالب بالمحافظة على سلاحها ، الضمانة الوحيدة لبقاء نظامها. وقد قامت كوريا ش بتدمير منطقة التجارب النووية لإظهار حسن نيتها باعتبار أنها جادة في مشروعها لتجميد التجارب النووية وليس إزالتها بدون التأكد من مواقف حلف الشمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية و الذي لا يتسم بالاستقرار السياسي، فقد احتلت الولايات المتحدة أفغانستان و العراق ثم احتل حلف الشمال الأطلسي ليبيا والأراضي السورية، واغتال زعماء هذه الدول و قتل مئات الآلاف بعد أن وافقت العراق و ليبيا على إلغاء برنامجهما النووي، بالإضافة إلى التأثير المدمر على دول المنطقة بعد احتلال العراق الذي راح ضحيته أكثر من مليون نسمة.

ولا شك أن المباحثات الكورية / الأمريكية ستكون صعبة وأن اللاعب الأساسي فيها: الصين، فالضغط الصيني هو الذي أدى بكوريا ش إلى قبولها إزالة البرنامج النووي العسكري، فالحصار ضد كوريا الشمالية لا معنى له بدون الصين وضمانة الصين و مظلتها العسكرية و النووية قد تكون هي الأساس الذي جعل بيونغ يانغ توافق على الجلوس على مائدة التفاوض في سنغافورة، إذ تلوح أمريكا و الدول الغربية بمئات الملايير من الدولارات لشراء البرنامج العسكري النووي وستساهم الدول العربية في تمويل هذا الشراء، لكن الدورة النووية ستبقى جزءا من قدرة البرنامج الكوري ش النووي كدورة نووية مدنية، مع التأكيد على أن النظام الكوري الشمالي الذي يتميز بنظام جمهوري يرثه الابن عن الأب عن الجد سيفقد أهم مرتكزاته وأسباب وجوده وقد يتعرض الحزب العمالي الكوري والفرقة 220 وهي جهاز المخابرات الكوري الشمالي ذي التنظيم القوي إلى انهيار فور تطبيق الاتفاق وشراء البرنامج العسكري النووي، وكوريا الجنوبية أسست صندوق مالي و وزارة خاصة لتمويل الانهيار الوشيك في الشمال واستقبال ملايين اللاجئين وتحويل شبه الجزيرة الكورية لسيطرة سيول مع إرضاء الصين باتفاق ما، خصوصا أن بكين تهتم بتجارتها ونموها الاقتصادي أكثر مما تهتم بكوريا ش. إلا أن المفاوضات ستكون شرسة فقد تشترط بيونغ يانغ على واشنطن إزالة قواعدها العسكرية البرية و البحرية من شبه الجزيرة الكورية حيث يرابط أكثر من 36 ألف جندي أمريكي مسلح بالصواريخ و القوة النووية ، مع أداء تعويضات مالية ضخمة قبل بداية تفكيك السلاح النووي وهو أمر قد تعارضه واشنطن التي تؤكد أن المساعدات ستأتي بعد إزالة السلاح النووي. ومن المعروف سياسيا أن لا يُؤدّى أي ثمن مقابل موقف سبق التنازل عنه الشيء الذي يجعل المفاوضان تتميز بالشراسة و الارتياب العميق، لكن الصين ستكون العراب الخفي خلف الستار.

*باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *