منوعات

تأشيرات الحج للبرلمانيين.. ظلم للحجاج أم مجاملة مستحقة للمسؤولين

شهران من الزمان يفصلان المسلمين عن التَّوجه صوب الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج، إلا أن البرلمانيِّين المغاربة بمجلسي النواب والمستشارين تمكنوا من الحصول على بطاقات خاصة تمكنهم من الحصول على تأشيرات أداء المناسك، دون الحاجة إلى المشاركة في القرعة السنوية.

عادة ما ينتظر المغاربة القُرعة التي تجريها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية في مختلف مناطق المغرب مرة واحدة كل سنة، لاختيار أعداد محددة تتمكن من السفر نحو مكة والمدينة بالمملكة العربية السعودية، ولطالما جرَّب مغاربة حظوظهم مراراً وتكراراً إلى حين نيل الفرصة، إلا أن برلمانيِّين مغاربة شكَّلوا الاستثناء هذه السنة (2018).

تأشيرة مُجاملة

بتنسيق مع سفارة السعودية، سلَّمت وزارة الشؤون الإسلامية المغربية 500 بطاقة تسهِّل الحصول على التأشيرة، في حين أفادت مصادر إعلامية بأن أغلب نواب الأحزاب الممثَّلة في مجلسي النواب والمستشارين استفادوا، حيث كانت حصة الأسد من نصيب فريق “العدالة والتنمية” المتزعِّم للائتلاف الحكومي، وحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، في حين لم يستفد بعض النواب من أحزاب أخرى.

مخطئٌ من يظن أنها المرة الأولى التي يستفيد فيها النواب المغاربة من تأشيرة المجاملة هذه؛ إذ باتت هذه “الهدية” الممنوحة من طرف السلطات السعودية عُرفاً خلال السنوات الماضية، يستفيد منه الوزراء وكبار مسؤولي الإدارات العمومية وموظفو المؤسسات الكبرى، وفق مصدر مُطّلع تحدث لـ”عربي بوست”، مؤكداً أن حصة الأسد من هذه التأشيرات تذهب للمؤسسة البرلمانية.

المصدر ذاته أكد أن توزيع المقاعد المخصصة لمجلس النواب يتم بناء على التمثيلية النسبية للفِرق النيابية؛ إذ تنال كل واحدة منها حصتها بما يتناسب وتمثيليتها داخل قبة البرلمان بمجلسي النواب والمستشارين.

وجرت العادة أن تُسلم سفارة المملكة السعودية بطاقات التأشيرات للوزارة المشرفة على عملية الحج (الأوقاف والشؤون الإسلامية)، وهذه الأخيرة توزعها بمعرفتها، وتكون الأولوية للوزراء ممن يستفيد بعضهم من عدد تأشيرات ممنوحة يصل إلى عشر، في حين توزَّع البقية على باقي المؤسسات.

تأشيرة دون مصاريف

النائبة البرلمانية السابقة بحزب العدالة والتنمية خديجة أبلاضي، التي سبق لها الاستفادة من هذه التأشيرات رفقة بعض أقاربها، أكدت لـ”عربي بوست”، أن الامتياز الوحيد الذي تمنحه تأشيرات المجاملة هو عدم المرور عبر القرعة السنوية ككل المواطنين المغاربة، وإلا فإن النائب(ة) البرلماني(ة) يتحمل مصاريف سفره كاملة لأداء فريضة الحج، الأمر نفسه ينطبق على الأقارب في حال أراد النائب تمرير تأشيرته لأحد والديه أو للزوج أو الزوجة.

أبلاضي أوضحت أن العُرف داخل البرلمان المغربي يقضي باستفادة البرلمانيين من تأشيرتين اثنتين خلال ولايتهم النيابية الممتدة طيلة 5 سنوات، لافتة إلى أن تكاليف الحج كانت مدفوعة قبل عام 2010، إلا أن إثارة الفريق البرلماني لـ”العدالة والتنمية” للمسألة حينذاك عجَّلت بمنع استفادة البرلمانيِّين من مصاريف السفر والاكتفاء بالاستفادة من التأشيرة التي يؤدي المستفيد منها مبلغ 5000 درهم للحصول عليها، ما يعادل 526 دولاراً.

القيادي البارز والنائب البرلماني عبد الله بوانو، أكد أن فريق حزب العدالة والتنمية كان له دور كبير؛ بل حاسم في القطع مع عُرفٍ وجده قبله داخل المؤسسة التشريعية؛ وهو تأدية فريضة الحج ضمن وفد رسمي على نفقات المال العام، متابعاً: “اعتبرنا حينها أن الأمر لا يستقيم ما دام البرلمانيون قادرين على تأدية مناسك الحج من مالهم الخاص، وكانت وقفة الفريق سداً منيعاً أغلق باب تلك الاستفادة دون أي تدليس أو مواربة”.

منذ 2011، تقدَّم “العدالة والتنمية” بملتمس لمكتب المجلس لرفع الدعم المقدم لتحمُّل نفقات حج النواب، وقام بتطبيق هذا المقترح على جميع أعضائه، كما سبق أن أكد بلاغ له، أنه “يتفرد باعتماد مسطرة دقيقة لتوزيع المقاعد المخصصة له، تنتهي بتوقيع كل مستفيد، سواء كان من الفريق أو من خارجه، تصريحاً بأنه لم يسبق له أداء الحج طيلة حياته”.

ما بين الريع والأحقية؟

توصُّل النواب مع أقاربهم وذويهم بنحو 500 تذكرة مجاملة مؤخراً، أعاد من جديد النقاش حول مشروعية الاستفادة من هذه الخدمة من عدمها بالبلاد؛ إذ يرى الباحث الأكاديمي إدريس الكنبوري أن هذه الطريقة تجني على المئات من الحُجَّاج ذوي النيات الحسنة الذين ينتظرون على أحر من الجمر حظهم في القرعة، لكن النواب يأخذون حظوظهم باسم المُجاملة.

وتساءل الباحث والكاتب المغربي عما لو كان هؤلاء النُّواب المغاربة يملكون بصيصاً من الوعي الديني، لافتاً إلى أن التسيب وصل حتى إلى الحج وداخل البرلمان؛ إذ حين يبيح “ممثل” للأمة حقاً ليس له في الدين، فالأحرى أن يُبيح حقاً ليس له في أمور الدنيا.

من جانبه، اعتبر زكرياء العماري، الأستاذ الباحث في العلوم القانونية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أن تأشيرات المجاملة هي إعفاء من القرعة فقط ولا تُعفي من مصاريف الحج مهما كان حاملها، موضحاً أن السلطات السعودية بالمغرب، متمثلة في السفارة، هي التي توزع كل سنة ما يناهز 5000 تأشيرة للحج (من بينها تلك المخصصة للبرلمان)، خارج النصيب المُخصص للدولة في الحج.

وشرح العماري كيف أن هذه العملية تتم وفق اتفاق مبرم على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي، يقضي بتخصيص نسبة واحد في الألف من عدد سكان كل دولة، على غرار ما تقوم به جميع سفارات السعودية لدى باقي الدول؛ ومن ثم فهذه التأشيرة يؤدي حاملها مصاريف الحج مثله مثل من شارك في القرعة، أما الذين تتكفل السلطات السعودية بمصاريف حجِّهم فهم يحصلون على “فيزا” (تأشيرة) ضيوف خادم الحرمين الشريفين، خالصاً إلى أن تأشيرة المجاملة لا علاقة للسلطات المغربية بها.

المصدر: عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *