وجهة نظر

وهم تنظيم كأس العالم

إنه لمن المقرف حد الغثيان اليوم، وقد خسر بلدنا الحبيب فرصته الخامسة على التوالي لتنظيم كأس العالم بتاريخ 13 يونيو 2018، أن نسمع أحدهم يقول كلمات أو تصريحات، قصدها الاستمرار في توزيع العبث، وأننا قد خسرنا استضافة الموعد الكروي العالمي بشرف، وأنه وعلى الرغم من الهزيمة النكراء، قد حققنا إنجازا تاريخيا بوصولنا لهاته المرحلة، وأنه ككل مرة سنستخلص الدروس، كأن قدرنا أن نبذر 13 مليارا أخرى تسويقا وتنميقا وتزويقا على الفراغ ! نتكبد الخسارة من ملف، جزء كبير منه شفهي ونوايا.

وآه لو أنجزنا منها ما وعدنا به في المرات السابقة، لنظمناه بدون منازع. لكن العشوائية واستمرار الاستغفال واللعب على عامل الوقت والنسيان، وسياسات الريع والكذب ككل مرة ونثر الوعود ونفس السياسات الرياضية والكروية الهاوية التقليدية أبت إلا أن تعري واقعنا المر الذي نتجرعه بأسف ونتحسر على وطننا الذي يضيع على نفسه الفرص.

تتكرر الأسطوانة، والأكذوبة والحلم والوهم، وننطلق من فراغ، ومن ملف أغلبه ستة تصاميم ملاعب لم تر النور بعد، منذ اول ترشيح سنة 1994، أي منذ 24 سنة لم يبدأ بعد تشييد ملعب الدار البيضاء الكبير الذي لو كان بشرا لنطق واستنكر، ملعب وعد الملف الأول المترشح بإنجازه. فكيف يمكن أن يثق الناس بنا في كل مرة نعدهم، ونؤملهم بأن انتمائنا الإفريقي كاف للاستضافة، وأصوات عرب انقسموا بأول امتحان، وهي سبع دول اختارت الضفة الأمريكية.

واليوم وقد تبدت الحقيقة ساطعة، هل سيتحمل أحدهم المسؤولية ممن أوهموا المغاربة بإمكانية إقناع العالم واستحقاق الاستضافة بستة ملاعب ورقية لازالت تصميما؟ !!! هل يكتفي من يفتحون الأطماع والأكاذيب والأحلام والأوهام في وجه بؤس وفقر شعب وأولوياته التنموية الحقيقية؟ !! المتتبع العاقل والمنصف والموضوعي، وبعيدا عن العواطف وأقرب للغة العقل والواقع، وهو يشاهد هذا الصباح أمريكا وهي تقدم ملفها المشترك مع بلدين، وتخبر أن كل شيء متوفر: بنيات تحتية و ملاعب و نقل تلفزي حديث ومتطور و شبكة مواصلات متقدمة ومستشفيات ومركبات رياضية وفنادق، وكل ما يلزم لإقامة عرس عالمي، وبتوفير أرباح خيالية تصل إلى 11 مليار تحوزها الفيفا التي لا تعترف اليوم إلا بالمصالح والأرباح وتطوير كرة القدم كما يزعمون، سيشهد أن الفارق كبير.

بينما ملفنا المغربي مبني على حسن النية، ويقول للعالمين يجب أن تثقوا بنا، وسنفعل المستحيل مستقبلا بلغة حالمة لا توجد إلا في الأوراق وعدد من الالتزامات الشفهية، و انتظروا كما انتظر الشعب المغربي وعود جكومات متناوبة ونظاما سياسيا منذ 50 سنة.

سنة 2026 سيكون كل شيء جاهزا. نعدكم ! حسابيا ورقميا وواقعيا أمريكا متفوقة كثيرا، دبلوماسيا ودوليا كذلك، واليوم وقد تأكدت الخسارة، ألا يجب ان يشكل هذا وقفة وبداية جديدة تخرج بنا من الفوضى والترقيع، وسن سياسيات رياضية حقيقية منبثقة عن برلمان شعبي وحكومة مسؤولة؟ ألا يمكن لمن يقارنون بلدنا بإسبانيا حين استضافت، وتحدثوا عن إقلاع اقتصادي ورواج سياحي، أن يستحضروا قليلا من الحس الوطني والغيرة ويستقدموا النموذج التنموي الإسباني بأكمله وبحيثياته، بسياقه السياسي سنة 1982، وأن هذا البلد قطع مع الاستبداد أولا ومع فرانكو. فكانت الديمقراطية أرضية خصبة مناسبة للتنمية وللتنظيم، انطلاقا من قرار حر وبتصويت واتفاق برلمان منتخب شعبي قوي وحكومة حقيقية من صناديق غير مزورة وغير متحكم فيها، تقرر وتنفذ وتنجز على الواقع؟ ! وألا يمكن الالتفات إلى جارتنا تركيا التي بلغت ما بلغت من إقلاع اقتصادي، دون الحاجة لتنظيم كأس عالم.

وأنها وهي كذلك في عز التقدم الذي تعيشه وقد بدأت لتوها في سكة إقلاعها، لم تقدم على هاته الخطوة ولم تنافس لحد الآن، أهي عمياء أم عرجاء أم عقولها وعباقرتها لا يعرفون الأمور؟ أم تعرف حجمها وتستعد على نار هادئة وتعرف متطلبات المنافسة العالمية؟ إننا اليوم ونحن جميعا نخسر رهان ملفات كثيرة داخليا وخارجيا، يجب أن نعترف أن تنظيم هاته المحطة العالمية لا يكون بالحلم المشترك كما عبره عنه رئيس حكومتنا السيد العثماني اليوم في تصريح رسمي عقب سماعه الخسارة، وأن العالم اليوم لا يعترف بالإنجازات الورقية والتصاميم الفخمة من خشب !! وأن الأمور لا يمكن أن تسير بالتمنيات والوعود و توزيع الالتزامات ! وأن صفعة تصويت سبع دول عربية ضدنا تدفعنا إلى إعادة التفكير في كثير من الأشياء، وفي “أخوة” مفترضة، وجيرة قيل أنها قوية ومتينة، ولها روابط الدم والدين والقومية.

لكنها ليست ذريعة لإخفاء نقائص ملف، ولا هي أصوات شكلت الفارق إذا علمنا أن الفارق كان كبيرا جدا على الرتق، ووصل إلى 69 صوتا ! إن خسارتنا تعتبر دليلا آخر على فشل كل الخطوات والسياسات وأن دبلوماسيتنا كما السياسية غير ناجحة، والرحلات والجولات الطويلة والاستثمارات الضخمة والأموال التي ضخت وأعطيت لرموز كروية لم تفلح في استمالة الجميع، فكيف بملفات سياسية ضخمة لازالت تنتظر وتحديات مستقبلية أكبر؟ ! لا يتشفى في خسارة بلاده إلا حاقد أو ساذج وغبي، والصحفي الوطني الصادق الذي يحب بلده، يكشف مكامن الخلل للتصحيح والتدارك إن كان هناك عقلاء وينبه قبل فوات الأوان، ويتحدث بحق وصدق، لا متملقا ولا منتفعا ولا مستفيدا من ريع.

إننا اليوم أمام حقيقة الخسارة للمرة الخامسة، أمر يجب أن يُظهر للجميع أن الأمور لا تسير بخير، وتدار بهواية كبيرة ويغيب عنها الاحتراف وأن الخيبات المتوالية ليست وليدة الصدفة أو نتيجة خذلان عربان، أو مؤامرة للفيفا كما بدأ يروج الناس، وأننا اليوم أمام كرة عالمية محترفة ومتطورة لن ينفع معها منطق الرتوش والترقيع.

وأن استضافة موعد عالمي يريد سياسة الحقيقة والواقع لا الوعود! نعم حلمت كغيري أن يحوز بلدي الفرصة، لأن الدماء تأبى إلا أن تنتصر لبلدها، وهوس الحب الذي يسكن الأعماق رغم كل الواقع المزري، وتقول دواخلي: من حق شعب أن يفرح لمرة واحدة وأن يتحقق له شيء ما بالرغم من كل الاختلاف والنقاش الذي قلناه، ولو كان وهما، وتتجرع الحقيقة المرة وتحاول أن تنخرط وتصدق لكن دون جدوى. يأبى مسؤولونا إلا أن يخذولونا ككل مرة. من منا يكره أو يرفض أن تتحول الوعود إلى واقع وإلى إنجاز؟ وأن تصير المركبات البلاستيكية والخشبية إلى حقيقة، وأن تشيد المباني ويجهز البلد بأحدث ما صنع، ويتقدم ويتطور؟ إن الخيانة الحقيقية لبلدي هي أن تنهب أمواله، وتصرف في خرافة وكذبة نريد أن نصدقها للمرة الخامسة والبلد غارق في مديونيته والشعب في فقره وبؤسه، ثم نستمر في الكذب. انتهت كذبة ملائكة مكناس، وخبر قطة فاس، وكنز سرغينة لعساس، بدون درهم واحد، أما كذبة الكاس كلفت بدلنا 13 مليار يا ناس!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *