وجهة نظر

تعيش وتأخذ غيرها، يا وطني!

هل كنا بحاجةٍ إلى “تبهديلة” عالمية حتى نستفيق من أحلامِ يقظتنا؟ هل كان لا بد لنا أن “نتعلق حيث نتفلق”، ونعاودُ كَرةَ الترشيحِ لاستضافةِ كأسِ العالمِ لكرةِ القدم، واضعِين بلدنا على المحك أمام دول العالم، فاضحِين عورتنا على العالمين؟

قد تقولون مَنْ لا يغامرُ بشيءٍ لا يحصلُ على شيء، على قولة “أحبائنا” الفرنسيين الذين لم نقدم ْملفنا بلغتهم فقط، بل سلمناهم مقاليدنا ووليْنا “وْليداتهم” مهامَ الدفاعِ عنا وعن ترشيحنا.

لكن هناك فرقٌ شاسعٌ بين المغامرةِ والتهورِ الأرعنِ بإسنادِ الأمورِ إلى غير أهلها، وبربطِ مصيرِ بلدٍ في جميعِ المجالات، حتى الحيوية منها، بثُلةٍ من الانتهازيين الحاملين هُم و”تريكتهم” لجنسياتٍ أخرى. هُمْ في الحقيقةِ “مخيمين معنا” فقط، لا يهمهم سوى الربح الفردي، المادي والمالي البحْت، وإذا جاءتِ الخسارة، وغالباً تأتي على أيديهم، سَلواْ أنفسهم مثل الشعرةِ من العجين مُغادرِين على متنِ أولِ طيارةٍ للالتحاق بالفراديسِ الضريبية أو بالبلدانِ التي ينتمون إليها فعلاً.

كم أنتِ عاقرٌ يا بلادي! لم تلدي سوى نفس الأشخاص، الذين يسميهم البعضُ نخبةً (حاشاكم!)، ولم يوَلَّ أمركِ سوى مَنْ قطعواْ رحمك، ومَنْ لا يهمهم سوى ذواتهم التافهة، إلا من رحمَ ربك. وفي نفس الوقت، كم أنتِ ولودة! ولودةٌ لجحافلِ الجهل (ولا أقول الأمية) والفقرِ المادي والمعنوي، وللتخلفِ المركب.

لكن العَتَبَ ليس عليك، بل العتب ربما على منظومةِ العبوديةِ والاستعباد التي تجعلُ من العبيدِ المدافعَ الأول عن المستعبِد والمضطهِد الأساس لباقي المضطَهدين. العتب ربما على “المزاجية” التي هي أقسى أنواع الديكتاتورية.

حيث يغيبُ العقلُ والموضوعيةُ والحرية، تتضخمُ الأنا الفرديةُ على حسابِ الأنا الجمعية، وتنتفي شروط ُالمشروعِ الجماعي الذي يعودُ بالنفعِ على البلدِ وأهله كافة، وتتقلصُ مساحةُ الاجتهادِ والابتكارِ والإنتاجِ والكرامة. والأهم من ذلك، وحتى على المستوى العاطفي، تصبحُ المشاعرُ السلبيةُ هي السائدة، فمقابلَ التضليلِ وبيعِ الوهمِ (كما هو في حالة ترشح المغرب لاستضافة مونديال 2026)، تأتي مشاعرُ الإحباطِ واليأس. وبدلَ زرعِ حب الوطنِ والآخر والثقةُ والأمان، نزرعُ انعدامَ الثقةِ والنفاقِ والشقاق، ونحصدُ الكراهيةَ والعنف.

تلكَ دائرةٌ مفرغة وأسطوانةٌ مشروخة ملَلناها منذُ سنوات، وواقعُ الحالِ يفرضُ علينا التغيير، وكما تعلمون لا يغيرُ الله ما بقومٍ حتى يغيرواْ ما بأنفسهم. اللهم إلا كنا ممَنْ قِيلَ في أمرهم؛”ويبغونها عوجاً”!

وما حصلَ في جلسةِ عرضِ ملفيْ الترشيح لاستضافة مونديال 2026 على أنظار الفيفا إلا مثلٌ بسيطٌ لهذا التخبط. ملف واحد لثلاثِ دول (قوية باقتصادها أو أهلها أو سياستها) قدِّم باحترافية وبطريقة تواصلية جذابة مقابل ملف ضعيفٍ عُرِض بطريقة “العْكَرْ فُوقْالخْنونة” (أعزكم الله). من جهة، وبعد شريطٍ متقن الصنع، تناوب على منصةِ تقديمِ الملف الأمريكي-الكندي-المكسيكي أشخاصٌ من مختلفِ الألوان قدمواْ أنفسهم جميعاً للحاضرين (وتلك أبجديات احترام الجمهور في أي لقاء)، وتحدثواْ عن أشياءَ ومشاعرَ حميمة تربطهم سواء ببلدهم أو بالرياضة.

ومن جهة أخرى، وبعد شريطٍ يشبه دعايات “المغرب السياحي”، قدمَ اثنان فقط من أصلِ أربعةِ ممثلين نفسيهما، كأن الجمهورَ الحاضرَ كله يعرفُ مَنْ هو “مولاي حفيظ العلمي”…ثم بدأتْ لغةُ الخشب، وبالفرنسية طبعاً، تهطلُ على الحاضرين مدعومةً بأرقامٍ اقتصاديةٍ خارجةٍ من عهدِ”العام زين”، وبتوقعاتٍ ماليةٍ عجيبة…بعد مرورِ لاعبي الكرة “الأفريقيين” (وعلى مَنْ قدمها كذلك أنْ يحشمَ على عرضه لأن عليه أنْ يقدمهما بجنسيتيهما الأصليتين)، جاء رئيسُ الجمعية الملكية لكرة القدم ليكررَ نفس الأرقام المالية… والأهم هو أن مَنْ شاهدَ العرضَ سيخافُ من بلدٍ ليس فيه أطباء أسنان!

خلاصةُ القول، بعد التصويتِ حصلَ الملف المغربي على 65 صوتا، والملف الموحد على 144 صوت. أتركُ تحليلَ هذه النتيجةِ لِمحللي خارطة التحالفات وموازين القوى الدولية، لما للكُرة من علاقةٍ وطيدةٍ بالسياسة على المستوى الكوني. وأكتفي بالقول: تعيش وتأخذ غيرها يا وطني! وكل عيدٍ وأنتم بألفِ خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *