منوعات

“سوبير تقاعد” للسادة نواب الأمة

الأصل أن التقاعد العمري حق لكل مواطن، وفي الحالة المثلى ينبغي أن يستفيد منه جميعالمواطنين لكونه الضمان على توفير دخل ولو في حدود دنيا لمرحلة أرذل العمر. ومن هذه الناحية المبدئية،التي نسلم بها جدلا بالنسبة للبرلماني أيضا،يكون من “حقه” أيضا أن يخرج بمعاش من “تبرلمانيت”، بصفته مواطنا قد يدركه ذلك العمر ويحتاج إلى تأمين دخل لتدبير تلك المرحلة العمرية الصعبة، خاصة وأنه قد تمتد عضويته في البرلمان لسنوات تزيد عن العقد من الزمن، يفقد فيها مساهماته في تقاعده الأصلي (الموظفون)، ….لكن وفق أية رؤية؟ ووفق أية شروط؟

سنقارب الإجابة عن تلك الأسئلة في وقفة سريعة مع مشروع مقترح القانون المتعلق بمعاشات أعضاء مجلس النواب، والذي تقدمت به ستة فرق نيابية للأحزاب السبعة التالية: العدالة والتنمية، الاتحاد الدستوري-الأحرار، الاستقلال، الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية.

والمشروع الذي واكبه جدل سياسي وإعلامي كبير، ينطوي على غرائب كثيرة تجعله يتجاوز الحد الطبيعي والمبدئي المشار إليه سابقا، إلى طرح مدى انسجامه مع الأخلاقيات السياسية.ويمكن تسجيل العديد من الملاحظات التي تفيد ذلك، وسنكتفي بأهمها كالتالي:

الملاحظة الأولى: نقل الحصانة البرلمانية إلى معاش البرلماني

فمشروع مقترح القانون المشار إليه أعلاه، في المادة 6 منه تؤكد بوضوح أن معاش البرلماني “مبالغ صافية، معفاة من أية ضريبة، ولا تخضع للتصريح”، وهنا نخرج من قاعدة الحق في المعاشإلى جور معاش يخرج من “الجنة الضريبية” خلاف القاعدة المطبقة على معاشات باقي المواطنين! وفي إطار التحصين لمعاشاتهم، فبرلمانيينا يقترحون أيضا، وخلافا لمعاشات باقي المواطنين، أن تحصن معاشاتهم من الحجز لأداء الديون، باستثناء “ديون الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وديون النفقة”، أما ديون باقي المواطنين فمعاش البرلماني محصن منها!

الملاحظة الثانية: معاش بطعم الإلزام

رغم أن معاش النائب في الغالب الأعم لن يكون المعاش الوحيد الذي سيتقاضاه في سن التقاعد، ورغم الجدل السياسي والأخلاقي والإديلوجي الكبير الذي واكب وما يزال هذا القانون وسابقيه، ورغم وجود أصوات كثيرة رافضة وسط البرلمانيين أنفسهم، فإن مقترح القانون في المادة 2 وبشكل صارم في المادة 3، يلزم جميع النواب بالدخول في نظامه ! وهذا تعسف كبيربمنطق الأغلبية الحكومية سيحول ذلك المعاش في هذه الحالات إلى هذر للمال العام، لا منطق له، خاصة بالنسبة للحالات التي تكون لها معاشات أخرى بحكم مهنها الحرة، او ما شابهها، ومن غير الواضح إلى أي حد سيكون التبرير بتوسيع قاعدة المنخرطين لتعزيز تغذية النظام سليما، لأننا بالمقابل أيضا نوسع قاعدة المستفيدين.

الملاحظة الثالثة: المراهنة على المال العام

نجد امتيازا آخر ينضاف إلى “الحصانة الضريبية” المشار إليها، ويتعلق بالمساواة بين مساهمة الأفراد ومساهمة الدولة الممثلة في مجلس النواب خلاف معاشات باقي المواطنين، فمقترح القانون في الفقرة الأولى من مادته 3 يجعل واجب كل طرف محدد ليس في نسبة مائوية مقبولة بل في مبلغ ثابت يزيد عن الحد الأدنى للأجور وهو 2900 درهم شهريا!وإذا كان “لزاما” مساهمة مجلس النواب في تقاعد أعضائه قد يعتبر منطقيا في الحالات التي يتفرغ فيها النائب البرلماني لعمله طيلة مدة انتدابه، ، مع تضررهم من توقف مساهماتهم في تقاعدهم الأصلي(الموظفون بالخصوص)، فإنه في الحالات الأخرى غير منطقي، خاصة مع المبالغ المقترحة، وبالمساواة بين مساهمة الأشخاص ومساهمة المجلس.

لكن المثير أن نوابنااستفادوا جيدا من درس الأزمة التي تهدد مختلف الصناديق، وخنقت صندوقهم السابق، لذلك فكروا بشكل مبدع في تأمين صندوق معاشهم، إذ أن مقترح القانون في الفقرة الثانية من مادته 3 أيضا ينص على أنه ” يتعين الرفع من مبلغي واجبات الاشتراك ومساهمات مجلس النواب كلما بلغت احتياطات النظام حدا يعادل سنة من المصاريف المنصوص عليها في المادة 9 أدناه بمقدار يحقق توازن النظام لمدة اثني عشر سنة على الأقل”. وهنا، وبما أن مجلس النواب من السهل أن يقرر تحويل مبالغ ضخمة كلما فرض عليه ذلك بالقانون،فإننالا نفهم كيف سيساهم البرلمانيون في إعادة توازن الصندوق بالرفع من احتياطاته من سنة إلى 12 سنة؟فهل سينادى على البرلمانيين السابقين للمساهمة الاستثنائية؟ أم أن من كان حظه سيئا وأدركته أزمة الصندوق يكون ملزما بتحمل اعادة التوازن له في الحجم الضخم المطلوب؟ في التقدير سيكون الرهان على مساهمات المجلس فقط من الناحية العملية في هذا الشأن، وتبق مساهمات البرلمانيين في إطار “الباقي استخلاصه” والذي لا يتم استخلاصه أبدا. وهذا فيه شبهة تآمر على الفساد من طرف نوابنا حفظهم الله.

الملاحظة الرابعة: قانون بأثر رجعي!

تتحفنا المادة 15 بكونها تعتمد “رجعية القانون” المنافية لصريح الفصل السادس من الدستور، حين نصت تلك المادة على حق البرلمانيين السابقين في المعاش في النظام الجديد، رغم أنها حصرتهم في النواب السابقين والذين سبق أن صرفت لهم معاشات بموجب القانون رقم 24.92 والذين ساهموا في نظام المعاشات السابق ولم تصرف لهم أي معاشات. ذلك أننا بصدد نظام جديد لمعاشات النواب كما تنص على ذلك بشكل صريح المادة الأولى من مقترح القانون،و تؤكده أيضا المادة 16 التي تنسخ جميع القوانين السابقة ذات الصلة بمعاشات النواب. كما أننا لسنا أما تعديلات القانون رقم 24.92، او أمام عملية إنقاد النظام القديم لمعاشات النواب.فما سبق يؤكد أننا أمام تشريع لنظام جديد من غير المنطقي ولا المقبول أن يطبق على حالات سابقة عليه كيفما كانت الاعتبارات التي يستند إليها واضعوا ذلك التشريع. وهنا نجد أنفسنا أمام نوع من “التدليس” على الأمة من طرف ممثليها.

وإذا اكتفينا بهذه الملاحظات الأربع، فستكون الخلاصة أنه من حيث المبدأ إذا سلمنا جدلا أنالنائب له الحق في تقاعد من مؤسسته التي “تفرغ” للعمل من أجلها، وضحى بقسط من معاشه الأصلي (الموظفون)، فإن ما يقترحه القانون لـ”إنصاف” السادة النواب ليس فيه إنصاف بالمقارنة مع شبكة التقاعد المعتمدة في المغرب مع المواطنين، وليس فيه إنصاف من حيث المراهنة على المال العام في تمويل نظامه وتأمينه، وليس فيه إنصاف على مستوى توسيع دائرة المستفيدين لتشمل دوي الانتدابات النيابية السابقة عن وضع النظام الجديد. مما يعني أن مقترح القانون المعني يحتاج إلى معالجات جوهرية على ضوء الدستور والأخلاقيات السياسية، وأخلاقيات التعامل مع المال العام، وأخلاقيات المرتبطة بالطابع الطوعي لمهمة البرلماني سواء كان نائبا أو مستشارا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ام عبد الرحمان
    منذ 6 سنوات

    فعلا تحليل منطقي يدعون الازمة فقط على الموظفين الذين انهكوا كاهلهم بالاقتطاعات والزيادة في سن التقاعد دون فائدة تذكر وحين يتعلق الامر بالسادة النواب تزول الازمات وتبدا الاجتهادات التي تسير على هواهم وتزيدهم اريحية وبذخا نحن لانريد نوابا انتهازيين يتلاعبون على الشعب وياكلون خيراتته ويعيثون فسادا في الارض نحن نريد نوابا يقومون بمهام هم من اختاروا انفسهم لمزاولتها بل وحاربوا من اجل ذلك بكل ما يملكون .