وجهة نظر

المشاركة العربية في كأس العالم “مشرفة”.. إليكم التفسير

شكل تأهيل أربعة منتخبات عربية للمشاركة في مونديال 2018 المقام بروسيا حاليا ، حدثا هاما بالنسبة للمعنيين بالشأن الرياضي و السياسي العربي ، و كان من المرتقب أن يسفر هذا الحضور العربي الملحوظ عن عروض فنية مقنعة نتيجة و أداء ، إلا أن كل هذه المنتخبات ذاقت مرارة الهزيمة ، و بدت تقنبا ، دون أفق انتظار الجماهير العربية العريضة ، بل حتى بعض رموز السلطة في بعض الأقطار العربية عبرت عن ” عدم رضاها ” عن المستوى الهزيل الذي ظهر به لاعبون ينتظر منهم ” الدفاع ” عن الألوان الوطنية ، و الحفاظ على الصورة ” المشرقة ” للبلد في المحافل الرياضية الدولية !

و الحقيقة التي لا مجال للشك فيها أن جل هذه المنتخبات العربية أبلت البلاء الحسن ، و قدمت كل ما تملك من جهد عضلي و ذهني ، و حرصت على مقارعة خصومها بقدر كبير من الإحساس بالمسؤولية و الرغبة في تحقيق الأفضل رغم هزائمها العريضة . لكن ، ماذا كنا ننتظر أكثر من ذلك ؟ إن الخبراء الغيورين العرب كانوا يترقبون هزائم دراماتيكية ونكسات تاريخية ، بيد أن الله ستر ، مما يفضي بنا إلى استنتاج خلاصة مفادها أنه مازال في ” الأمة ” من ” يقاوم ” و ” يدافع ” عن الثوابت و المصالح الاستراتيجية للعروبة !

لننتقل إلى الزاوية المقابلة حيث الساسة و السياسيون ، و اللاعبون الكبار في مربع الحكم ، و ” الساهرون ” على تنمية البلاد و تقدمها .. هل كان من الممكن أن يحصدوا نتائج مميزة ، و علامات مشرفة ، في كأس العالم السياسية ؟ هل يمكن أن نتصور أن زعيما عربيا قادرا على ضمان مكانته كيفما كانت تحت شمس الديمقراطية ؟ هل يمكن أن نتخيل أن العائلات العربية الحاكمة و المتحكمة في رقاب شعوبها ، تستطيع أن تحظى بأقل من صفر في مباراة الحكامة الرشيدة ؟ لماذا نحمل رياضيينا وحدهم ما لا يقوون عليه ؟ لماذا نلزمهم وحدهم ما لا يلزم ؟ لماذا ننتظر منهم أن يبثوا الفرح في أرجاء البلاد ، و يدخلوا السرور في أفئدة العباد ، و أولو الأمر في السياسة و الاقتصاد و الثقافة .. بعيثون في الأرض فسادا ، و يتنافسون في هدر مال الشعوب ، و بيع قضايا الأمة بالتقسيط و الجملة ؟

لست فخورا بما ” أنجزه ” الرياضيون العرب في هذه المنافسة الرياضة العالمية الرفيعة ، و هل يمكن أن نفتخر بالهزائم و النكبات ؟ لكنني أراهم أفضل بكثير من أصحاب القرار السياسي عندنا ، الذين تغولوا في الاستبداد و الفساد ، و أمعنوا في حرمان شعوبهم من العيش الكريم ، و تطلعهم إلى نظام سياسي مدني يضمن الحرية و العدالة و المساواة ! يكفي الرياضيين العرب ” اعتزازا ” أنهم لم ينقلبوا على الإرادة الشعبية و لم يتلاعبوا بنتائج الانتخابات ، و لم يصطنعوا هيئات سياسية إدارية تكون جاهزة لتنفيذ المهمات القذرة ، و الزج بالشباب المتنور خلف القضبان ، و قمع حرية الرأي و التعبير ..

لن تقوم للعرب قائمة سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا .. إذا لم يتخل زعماؤهم و بشكل جذري عن مسلكياتهم السياسوية ، و يلتحمون بآمال شعوبهم و تطلعاتهم المشروعة ، نحو الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها أمميا ، و يقدمون للمواطنين مثالا في الصلاح و العفة و القناعة ، و ينكبون على إصلاح أعمدة الدولة و أسسها المتينة ، من تعليم و صحة و إدارة و قضاء .. و في انتظار هذا الحلم الديمقراطي الذي يأتي و لا يأتي ، تظل أخطاء رياضيينا أهون بكثير ، من خطايا أصحاب المعالي و السمو و الفخامة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *