وجهة نظر

انحرافات سياسية

“السياسي الشريف مثل اللص الشريف لا وجود له” هنري لويس مينكن.

بعد أزيد من 60 سنة عن الاستقلال، وبعد كل هذه العقود من ممارسة السياسة في إطار مهام الدولة، يبدو أننا ارتقينا إلى الهاوية سياسيا، و لأننا في المغرب علينا أن لا نستغرب، حين أصبحت ممارستنا السياسية في السنوات الأخيرة مليئة بالخلافات ومشوبة بالكثير من الانحراف في الممارسة.
وإذا كان من واجبنا أن تكون إدارة خلافاتنا السياسية تنطلق من مفهوم الدولة وقاعدة استمراريتها، غير أن الواقع كشف أن الكثير من الأمور بلغت حدا كبيرا من الارتباك، حكمه نوع من الأمية السياسية الممزوجة باللامبالاة والصمت الرهيب، فدعونا نعطي بعض النماذج:
أولا: في جلسة عمومية بالبرلمان، تتم قراءة مقترح قانون دون الإشارة إلى موقعيه، والحال أنه لا يجوز مناقشة أي مشروع أو اقتراح قانون إلا وفقا لمسطرة محددة قانونيا ودستوريا، أولها مراقبة صفة الجهة التي قدمت المقترح بتوقيعها، غير أنه من أجل إخفاء حسابات سياسية ضيقة تم خرق المساطر والدستور، فطعنا مسطرة التشريع في الصميم، وأتمنى أن لا يصرح في المحضر بأسماء جهات لم تتلى في الجلسة العامة.
ثانيا: في الأسابيع الأخيرة توصل البرلمان بتقرير من إحدى الإدارات القضائية التي هي جزء من السلطة القضائية، متجاوزة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتسلمه رئيس مجلس النواب من هذه الإدارة التي لا ترقى إلى مستوى السلطة التي يدير شؤونها، في خرق واضح لمبدأ توازي الأشكال بين السلط وتوازنها، فأصبحنا أمام مأزق يستند على خرق مسطري، وكأن البرلمان لا مستشارين قانونيين لديه، مؤسسة تصنع القانون وتجهل مساطره وموقعه المؤسساتي.
ثالثا: وزير يملك سلطة الحكومة، ويعتمد على ذوي المصلحة للدفاع عن وجهة نظره، لعجزه عن إيجاد الحلول، فيعلن استقالة خجولة، ولو تمت إقالته لسحب معه وزراء آخرين، ومنهم من شتم المغاربة جميعا، وكأن شيء لم يقع، حزبه لم يجتمع واستقالته لم تطرح، فعلى هذا الشعب إما أن يتظاهر بقيادة وزير في الحكومة، أو أن ينتشي بشتمها له، إنها ديمقراطيتنا التي تسير على رأسها.
رابعا: وزير مسؤول على تنظيم الإدارة ببلادنا، يصرح أمام البرلمان أنه مسؤول فقط عن إدارة هذه الحكومة، يبدو أنه لا يفهم معنى استمرارية الدولة ومؤسساتها، وأنها من مسؤولياته، فيلغي الزمن الحكومي السابق والإمتداد الزمني للقرارات، ربما نسي أن مفكرا قال يوما (من يهضم الماضي بطريقة خاطئة يتقيأه المستقبل).
خامسا: رئيس حكومة يملك كامل السلطة القانونية والتنظيمية وسطوة الإدارة، ويتهم المعارضة بالاختلاس، ولا يحرك المساطر و القوانين ولا يفعل المحاسبة، يمارس الخطاب الإتهامي دون استعمال الوسائل القانونية التي بين يديه، بل ينهي تدخله بأنه “لا حول ولا قوة له”، ونسي يوما حين كان راجعا من الكويت حاملا معه فعل ما.
سادسا: محكمة دستورية تقبل إغفالا تشريعيا في القانون المنظم للجهة، لتجد الإدارة نفسها أثناء توقيفها لمجلس جهة كلميم واد نون في مأزق قانوني، بسبب هذا الإغفال الذي وقع فيه البرلمان والحكومة بدورهما، فيبدو أن الدولة كلها كانت غافلة.
هذه الحالات وغيرها كثر، تؤكد بالملموس أننا نعيش في مأزق سياسي وقانوني وتشريعي، فكل الأشياء تسير خلاف المساطر والقوانين المطلوبة، تم نشتكي لماذا يهاجموننا المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك، وبعد كل هذا، ألسنا نعيش أسمى معاني وتجليات الانحراف السياسي إن لم نقل البؤس السياسي؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *