وجهة نظر

من أين لك هذا؟ بنكهة مغربية!

هل تملك فيلات و سيارات و مقاه و محلات مع أنك موظف سلم 9 تتقاضى 5000 أو يزيد و تخاف من سؤال من أين لك هذا؟ لا تخف يا صديقي إلا أن كنت تشارك السكن مع محترف للبغاء أو الدعارة، أو له علاقة بشخص أو عدة أشخاص يتعاطون البغاء أو الدعارة. إذا كنت لا تربط مع تجار اللحوم البيضاء أي علاقة مهنية أو شخصية فأنت في السليم حسب المادة 498، الفقرة 7 من القانون الجنائي. لا خوف عليك و لا أنت تحزن!

دولة مثل كولومبيا، باعتبارها أكبر منتج للكوكايين، قررت أن يشمل قانون الإثراء غير المشروع جميع المواطنين. اتفاقية البلدان الأمريكية قررت أن يغطي قانون الكسب غير المشروع جميع الموظفين العموميين، بينما يتجه المغرب إلى تنزيل القانون على ما لا يزيد عن 6000 موظف كبير حسب توصية للمجلس الأعلى للحسابات خرجت سنة 2014. إدريس جطو نصح حكومة المغفور له سياسيا “بن كيران” بأن لا يشمل القانون 100.000 ألف موظف ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات، و الاكتفاء فقط ب6000 من كبار المسئولين السياسيين و العموميين، رؤساء الجهات و الجماعات الكبيرة و المتوسطة، و رؤساء الشركات العمومية الوازنة.

بين أن يشمل القانون مائة ألف موظف عمومي (ضمن ملايين) أو الاكتفاء ب ستة آلاف حسب نصائح حُراس المال العام، يتجه النواب المحترمون لإخراج قانون مليء بثغرات قد تفرغه من أي مضمون، و الهدف ليس حماية المال العام، بل الالتزام بالكلام الكبير الذي صدر في دستور 2011 من أن القوانين الدولية تسمو على القوانين الوطنية، ما اضطر المشرعين لسن قانون يتناسب شكلا مع الاتفاقات الدولية لمحاربة الرشوة و الفساد.

أولى الثغرات كون الزيادة “المهمة” في الموجودات التي صرح بها الموظف العمومي، و التي لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى دخله المشروع، يجب أن تكون باسمه أو باسم أحد من أبنائه القاصرين حتى تحرك العدالة مقص المحاسبة. الزوجة و الأبناء الراشدون غير معنيين بالقرار. تحويل الأموال و الموجودات لصالح الزوجة أو ابن راشد يعفي الجميع من المساءلة عملا بالمبدأ القانوني” شخصية العقوبة”.

حتى و إن “تكلخ” المسئول و كتب ثروته باسم أبنائه الصغار فهناك مخرج واسع “الوحلة”. قيمة الممتلكات و الموجودات لا تقدرها لجنة مستقلة حسب القانون، بل يمكن أن يصرح بها المسئول الذي بجرة قلم بسيطة قد يجعل من سيارة المليون درهم سيارة مائة ألف درهم، و الله يجيب الغفلة بين البائع و الشاري. عشرة أنواع من المنقولات يجب أن تفوق قيمتها 300.000 حتى يمكن أن يحاسب عليها المصرح، و يسأل من أين لك هذا؟ الأصول التجارية، الودائع في حسابات بنكية، السندات والمساهمات في الشركات والقيم المنقولة الأخرى، الأموال المنقولة المتحصل عليها عن طريق الإرث، العربات ذات محرك، القروض، التحف الفنية والأثرية، الحلي والمجوهرات. ملايين درهم يمكن أن تكون بذمة المصرح موزعة على الأصناف العشر (300.000 للواحدة) دون أن يكون ملزما بالتصريح بها، ومن ثم لا يمكن أخذها بعين الاعتبار للتقصي بشأن جريمة الإثراء غير المشروع.

ثقب أوزون آخر يلوح في أفق قانون أنَّى لك هذا بصيغته المغربية، و هو إمكانية نقل المصرح للأموال التي قد يتقاضاها بشكل غير شرعي لحساب آخر و يستردها بعد تقاعده. حينها لن يكون مشمولا بالقانون (لم يعد موظفا)! الأرجنتين و كولومبيا مددت الخضوع للقانون خمس سنوات بعد الإحالة على المعاش، أما الشعب المغربي فالمرجح أنه سيختار تمديد القانون إلى ما بعد الوفاة. عظامهم أصبحت رميما ولا زال الأبناء ينعمون بأموال الشعب!

أخيرا، و ليس آخر، يبقى تطبيق القانون مرتبطا بوشاية تصل المجلس الأعلى للحسابات أو النيابة العامة، بكون مسئول ما يتقاضى أو يملك ثروات لا يمكن لراتبه المتواضع أن يبررها. فرنسا قدمت حلا ذهبيا و هو منح الحق للمواطنين في الإطلاع إلكترونيا على التصريح بالممتلكات الخاص بكافة الموظفين. حينها يمكن للمواطن مقارنة واقع حال الموظف مع بياناته الإلكترونية، ليقدم وشاية “فاعلة تاركة” للعدالة باش ينزلوا نزلة رجل واحد!.

يبقى السؤال، هل ستمنح السلطات المواطن فرصة الاطلاع على تصريحات المسئولين في خضم قانون حق في المعلومة حولته عبارة “كل ما من شأنه” لشبح “لا يحمل سوى الاسم”؟ إغلاق الموقع الإلكتروني الذي سرب تفويت قطع أرضية ل”خُدام الدولة” بسرعة البرق يمنح الإجابة الشافية الكافية، و الله يدير شي تاويل ديال الخير!
أيوب رضواني، باحث في الجغرافية السياسية و كاتب رأي مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *