سياسة، مجتمع

الذكرى 19 لعيد العرش.. أي نموذج تنموي لمستقبل المغرب؟

تأتي الذكرى 19 لتربع الملك محمد السادس على عرش المملكة المغربية في خضم البحث عن نموذج تنموي جديد، بعد إعلان الملك فشل النموذج التنموي الحالي، في خطاب أمام البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية العاشرة يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017.

وفي هذا الصدد، يتوقف كل من المحلل السياسي محمد الغالي والمحلل السياسي محمد مصباح عند النموذج التنموي الحالي من أجل بيان أسباب فشله في محاولة لرسم آفاق جديدة لنموذج تنموي منشود قادر على صناعة نهضة مغربية محورها تقدير المواطن وتوفير شروط الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ويتفق الغالي مع مصباح في أن سبب فشل النموذج التنموي لا يرجع بالأساس إلى ضعف الموارد والكفاءات بالمغرب. ويركز تحليلهما على أن الذي تسبب في تعثر النموذج التنموي الحالي والنماذج السابقة له، هو غياب الشفافية والنزاهة والحكامة، ويجملها الغالي في غياب الأساس الأخلاقي.

عائق غياب الديمقراطية
يتفق الباحثان على أن السبب الآخر للفشل هو سبب سياسي، ويلخصه مصباح في غياب الديمقراطية وعدم إشراك المواطن في صناعة النموذج القادر على تحقيق تطلعاته، منتقدا تنزيل النماذج السابقة بطريقة فوقية، فيما يلخصه الغالي في اعتماد المقاربات الجاهزة وغياب المقاربة التشاركية.

ورأى محمد مصباح مدير المغربي لتحليل السياسات أن طبيعة المقاربة المعتمدة في إقرار النموذج التنموي كانت خاطئة من البداية عبر استبعادها للمواطن، موضحا أن المواطن إذا لم يتم إشراكه في التخطيط للنموذج الذي يطمح إليه يدفعه إلى عدم الانخراط في تنزيله على أرض الواقع عبر شعوره بأنه غير معني به.

وشدد مصباح على أن فشل النموذج التنموي راجع لسبب سياسي أكثر منه إلى غياب الموارد البشرية، موضحا أن اعتماد المقاربة الفوقية في برمجة المشاريع دون اعتماد مقاربة التنزيل الديمقراطي هو راهن فاشل في كل الأنظمة إلا تلك الأنظمة الديكتاتورية التي تفرضها بالقوة.

وفي هذا السياق، أكد الأكاديمي محمد الغالي أن المقاربات الجاهزة لا يمكن أن تحقق شيئا في غياب تام لمنطق إشراك المواطن في صناعة القرار، الذي يفرضه الانتقال إلى دولة المؤسسات وحقوق الإنسان والحريات، والتحول نحو الديمقراطية والتشاركية.

عائق غياب الشفافية
ولخص مصباح العنصر الثاني المتعلق بغياب الشفافية، بقوله إن “غياب الشفافية يؤدي إلى تفشي الريع”، موضحا أن المغرب يخسر نقطة من الناتج الإجمالي الخام أي حوالي 800 ألف منصب شغل بسبب الفساد وغياب الشفافية، مضيفا أن المغرب يخسر 2 مليار دولار أي ما قد يساهم في بناء العديد من المؤسسات.

وأورد مصباح مؤشرا على غياب الشفافية بالمغرب، وذلك بتصريح المعطيات الرسمية أن 55 في المائة من الجمعيات التي تلقت الدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لا تمتلك أساليب المحاسبة وهو ما يعني اختلال المعايير وإدخال معايير إيديولوجية وسياسية وحزبية في تقديم الدعم.

واعتبر الغالي أن الكل يتحدث عن الشفافية والنزاهة حتى تحولت لخطاب استهلاكي، موضحا أن الذي ظهر هو أنه رغم وجود الكفاءات بالمغرب إلا أنها بدل استثمار ذكائها في التنمية والتطوير استثمرته في خدمة مصالحها الشخصية أو الحزبية أو غيرهما من الأنانية والذاتية.

وشدد الغالي على أن تعثر النموذج الحالي يرجع إلى عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، موضحا أن النماذج التي تم إقرارها سابقا كانت تنقصها قيم الالتزام، من محاسبة ونزاهة وحكامة ومسؤولية،

النموذج المنشود
وفي سبيل إيجاد نموذج قادر على النهوض بالمغرب، اقترح مصباح والغالي التخلص من سببي الفشل (غياب الديمقراطية، وغياب قيم الحكامة والنزاهة والشفافية)، مطالبان بان يتأسس النموذج على إشراك المواطن وإعمال الشفافية والنزاهة.

وأكد الغالي أن النموذج التنموي المنشود لن ينجح إذا لم يكن له أساس أخلاقي قائم على النزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة والشفافية، مقترحا أن إشاعة تلك القيم بالتنشئة الاجتماعية التي تسعى إلى تكريس القيم وفق مقاربة شمولية، موضحا أن هذا الأمر لا يجب أن يقتصر على الدولة ومؤسساتها بل يتجاوزها إلى الأسر والمجتمع…

من جهته، يعتقد مصباح أن المغرب سيعيد إنتاج نموذج فاشل إذا اعتمد نفس المقاربة، قائلا إذا لم نؤسس النموذج على الديمقراطية والشفافية والحكام سننتج نموذجا تنمويا فاشلا. مقترحا عنصري الديمقراطية والشفافية من أجل بناء نموذج تنموي يقطع مع النموذج الحالي.

ويرى الباحثان أن النموذج التنموي المنشود في مفترق الطرق إما أن يسير في طريق الديمقراطية والشفافية وإشراك المواطن فيؤدي إلى النهوض والتقدم، وإما أن يذهب في طريق الريع والمقاربات الفوقية والإغراق في الفساد فيؤدي إلى نتائج النموذج الحالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *