سياسة، مجتمع، ملف

هل تقدر الأحزاب على استقطاب النخب الجديدة التي يريدها الملك؟

يُعد مطلب إشراك الشباب وانخراط النخب في المشروع التنموي المجتمعي والتداول على السلطة أرقى ما تصبو إلى تحقيقه الديمقراطيات الحديثة، ومن جهة أخرى، يعد الإخفاق في إشراك المواطنين في دائرة صناعة القرار من ضمن الأسباب التي تساهم في اهتزاز الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية وإلى انتفاضات وحركات اجتماعية قوية.

وتطرح دعوة الملك محمد السادس الأحزاب السياسية إلى استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، أكثر من سؤال هل تقدر الأحزاب على استقطاب النخب الجديدة التي يريدها الملك؟ ما هي المواصفات المراد توفرها في النخب التي ينبغي استقطابها ولا تتوفر في النخب الحالية؟ ولماذا تجديدها؟ ما هي آلية الاستقطاب؟..

الحاجة لنخب مستقلة ونزيهة

في قراءة تحليلية للموضوع، يرى محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات أن مشاركة الشباب اتسمت بالضعف، حيث قدرتها بعض المعطيات في أقل من 1 في المائة، مرجعا ذاك إلى فقدان الثقة في الأحزاب السياسية التي تحكم، موضحا أن تشجيع الشباب على الانخراط في الحياة السياسية لا يتم إلا بنخب مستقلة تحظى بالمصداقية والنزاهة.

وأكد المحلل السياسي في تصريح لجريدة “العمق” أنه لا يمكن في الوضعية الراهنة استقطاب النخب والفئات الشابة، لأن المغاربة يرون أن المشهد السياسي متحكم فيه، وأن الأحزاب لا تملك من أمرها شيء، وأنها لا تملك البرامج الناجعة لإصلاح الأوضاع الراهنة.

ويقترح مصباح إصلاح المشهد السياسي برمته حتى يتأتى استقطاب نخب جديدة تتسم بالمصداقية والنزاهة والاستقلالية لتشارك بدورها في عملية دمج الشباب في الحياة السياسية، موضحا أن الأحزاب السياسية جزء واحد من أجزاء عملية الإصلاح الشامل التي يجب القيام به لإعادة الثقة للمشهد السياسي.

تجديد النخب مطلب استراتيجي

واعتبر محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، تجديد النخب مطلبا استراتيجيا وحيويا للدولة المغربية، موضحا أن عدم التجديد يؤدي إلى كلفة كبيرة تؤديها الدولة سياسيا واجتماعيا، ممثلا لذلك بالحراكات الاجتماعية التي شهدها المغرب.

وأوضح زين الدين في تصريح لجريدة “العمق” أن دستور 2011 طوق الأحزاب بمجموعة من الوظائف منها وظيفة التأطير التي رأى أن الكثير من الأحزاب لا تقوم بها، مستدلا على ذلك بوجود 99 في المائة من المغاربة خارق النسق السياسي، وانخراط 1 بالمائة فقط في الأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن ذلك له خطر كبير في الواقع.

وأضاف زين الدين أن وظيفة الوساطة الملقاة على الأحزاب تبين أنها أخفقت فيها وتجسد ذلك في أحداث الحسيمة، موضحا أن وظيفة حفظ السلم الاجتماعي لم تستطع الأحزاب أن تقوم بها، مبينا أن 110 ألف إطار خارج الأحزاب السياسية، قائلا كيف سيتم إنزال مشروع الجهوية المتقدمة وكل هذا العدد خارج الأحزاب.

واقترح المحلل السياسي لتجديد النخب التركيز على التنافسية، والتداول حول مراكز القيادة، ومنطق الاستحقاق، ومقاربة النوع، علاوة على تواصل سياسي مع مختلف مكونات المجتمعية، مشددا على أن دولة الديمقراطية هي دولة الأحزاب.

الولاءات للقيادات والتخوف من الكفاءات

وفي مقاربته للموضوع، يشدد الدكتور أمين السعيد باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط على ضرورة التمييز بين الأحزاب السياسية المهيكلة تنظيميا وبين الأحزاب السياسية غير الممأسسة والتي تنبني على تجمعات فردية بناء على ولاءات فردية لبعض القيادات.

وقال المحلل السياسي “في السياق المغربي، نجد بأن هذا هو الأصل العام من الأحزاب السياسية غير مهيكلة بالشكل الذي تصوره المشرع في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، وهذا ما يجعل فئة عريضة من القيادات الحزبية تتخوف من الانفتاح على الكفاءات خاصة صنف الشباب؛ نظرا لصعوبة ضبط إيقاع وحدود تصورات هذه الفئة”.

وأوضح السعيد أن ما يطبع علاقة الأحزاب السياسية بالنخب الجديدة، هو هيمنة عقيدة الفوز بالمحطات الانتخابية وليس التأطير والمواكبة اليومية للسياسات العمومية والعمل التشريعي، مضيفا أن هذا ما يطرح تحدي حقيقي يتمثل في البحث عن الأجوبة التي تقطع مع المقاربة الحزبية المبنية على سيادة ثقافة المال والتي تربط النخب بالقدرة على خوض غمار التنافس الانتخابي.

واقترح السعيد أن يتم توجيه المشرع سواء البرلمان أو وزارة الداخلية، قصد تقوية الضمانات القانونية من خلال الرفع من نسبة حضور الشباب في الهياكل الحزبية في أفق تحديد هذه النسبة في 40 في المائة، ثم توفير صندوق خاص لدعم المرشحين في الدوائر المحلية (وليس الأحزاب السياسية)، موضحا أن من شأن ذلك أن يعزز حضور النخب وخاصة الشباب داخل الأحزاب السياسية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *