مجتمع

“الخماس”.. مهنة صامدة تتجدد لتتأقلم مع متغيرات الزمان

لقرون خلت اشتهر كموروث فلاحي، وآلية لتطوير الأراضي الزراعية، وتشغيل السواعد الشابة، قبل أن يخفت نجمه ويتغير مع تبدل معالم الحياة بعد سنوات من الاختراقات المتواصلة، بداية القرن الماضي إبّان تغلغل الفلاحة المعاصرة.

مهنة “أخماس” أو “الْخَمَّاسْ” الذي اعتنى به المغاربة لعدة قرون، يعرف تغيرات متواصلة جعلته مفقودا في بعض المناطق، وضعيفا في أخرى، بينما مازال صامدا في اسمه رغم تلاشي معالمه.

أَخْمّاسْ الذي يعني بالعربية “الْخَمَّاسْ”، هو شخص يمارس الفلاحة والزراعة نيابة وبتفاهم مع مالك الأرض نظير حصة من المحصول، وله مرادفات أخرى متشابهة في شمال إفريقيا منها “أَرْبّاعْ” و”التَّرَّاسْ” و”السّْبَايْبِي”.

وأواخر القرن التاسع عشر طرأ تغيير على نظام “الْخَمَّاسْ”، حين قرر “الخمّاسة” الانتقال إلى تقسيم جديد والتخلي عن المحاصصة القائمة على الحصول على الخمس المتبقي من المحصول بعد أخذ صاحب الأرض أربعة أخماسه.

“الْخَمَّاسْ” كما يظهر من ظاهر الكلمة مشتقة من جدر “خ م س”، ويعني المصطلح من الناحية العملية التي تناقلها الأجيال الحصول على خُمس الأرباح عند بيع الغلة والمحاصيل الفلاحية أو رؤوس الماشية”.

 

ثورة خماس

“عبد العزيز الصوفي”، كاتب عام جمعية متخصصة في السقي بمدينة تنغير، يتحدث عن الثورة التي شهدها عالم الخماس، فيقول كان “الْخَمَّاسْ” يأخذ خمس الغلة، ثم انتقل إلى أخذ الثلث خلال الثمانينات، ليستقر عند المناصفة سنة 2000.

ويضيف في تصريح لجريدة “العمق”: “هناك عوامل عدة دفعت “الْخَمَّاسْ” إلى الصعود من حصة الخمس إلى النصف، وموافقة أصحاب الأراضي على ذلك”.

وأوضح الصوفي أن الواحات والتقاليد التاريخية المرتبطة بالماء والسقي عبر الخطارات مازالت تبقي على نظام “الْخَمَّاسْ”، مضيفا أن أصحاب الأراضي يمنحون حقولهم نظير النصف للحفاظ عليها من الموت، ولحفظ حصصهم من المياه.

ويتابع الفاعل الجمعوي: “الواحات هي التي تحافظ على النظام، لكن إذا سادت الفلاحة العصرية فإن ذلك النظام ينذر باندثار الواحات، وعلى سبيل المثال؛ غادر “الخماسة” واحة بوذنيب بعد تحولها للفلاحة العصرية لزراعة تمار المجهول.

 

سمفونية الأرض

يصل “الْخَمَّاسْ” الليل بالنهار، بحثا عن قوت اليوم، وتحلو من يده الأخاديد التي يرسمها على صفحة الأرض بمحراثه الخشبي أو الآلي.

يحمل المعول، يقلب الأرض، ويسقي الورد، يروي الأشجار، يجذب الأغصان، وترتسم معاني الشقاء على راحتي يديه التي أعياها الكد والسعاية.

يُجاري المياه المنهمرة من قنوات الخطارات المعروفة في الجنوب المغربي، وحتى يُسْمَعَ في خرير مياهها سمفونية أرض الأجداد.

تفوح من الخماس رائحة العرق الممزوجة بعبق الأرض، بغرس الفسائل ونثر البذور واستصلاح الأرض وحرثها، وحصاد المحاصيل.

 

متغيرات الزمان

“الحسين أكناو” فلاح، وعضو مكتب الجمعية الفلاحية “تركا إلماتن” بفم الحصن إقليم طاطا، يقول “فرضت عدة عوامل تغيير نظام “الْخَمَّاسْ” وعلى رأسها الهجرة نحو الخارج والانتقال صوب المدن، والجفاف بفعل التغيير المناخي، ونزيف المياه.

ويضيف في تصريح لجريدة “العمق”: “هناك عوامل أخرى منها انصراف المغاربة عن المجال الزراعي، ونقص الإنتاج الفلاحي بفعل قلة الاعتماد عن الزراعة والفلاحة، علاوة على دخول الخواص للقطاع، وعدم إعانة أصحاب الأراضي للخماسة كما كان معمولا به في السابق”.

ويشدد أكناو على أن “النظام يقاوم عوامل الاندثار بتجديد نفسه عبر التأقلم مع الأوضاع الجديدة”، موضحا أن النظام قديم له مستقبل في رحم الفلاحة شريطة العمل على تدعيم ركائزه السابقة.

وأضاف أن “النظام القديم سيستمر لارتباطه بأنظمة أخرى”، موضحا أن “الْخَمَّاسْ” كان يقوم بدور السقي ليلا ونهارا وهو النظام الذي يقسم حصص المياه بين أصحاب الأراضي.

 

اندثار وتلاش
ويقول محمد الشرقي منعش فلاحي بمدينة قلعة مكونة “اندثر عندنا في مدينة قلعة مكونة نظام “الْخَمَّاسْ” الذي يأخذ بمقتضاه “الْخَمَّاسْ” الخمس، وبقي عندنا “الْخَمَّاسْ” الذي يأخذ نصف المحاصيل والغلة”.

وتابع الشرقي “لقد اشتغل القدماء في مدينة قلعة مكونة المشهورة بفلاحة الورود بنظام “الْخَمَّاسْ” قديما، ولكن نحن لم ندركه، واليوم تعمل الحقول بمبدأ المناصفة، وعند احتساب قيمة ما يأخذ “الْخَمَّاسْ” بالتحديد نجد أنه يستفيد من أكثر من النصف”.

ويضيف في تصريح مماثل للجريدة أن “أغلبية الفلاحين الذين يشتغلون بالنصف استقروا بالمنطقة المرتبطة بالورد، ولكن طبيعة المنطق عندنا تعرف تحولات بسبب التوظيف والهجرة”.

وأوضح الشرقي أن الفلاحة كانت من قبل مورد ومصدر رزق شخص “الخماس”، مضيفا أن ذلك كله أصابته عوامل الزمان التي غيرت الكثير من معالمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *