وجهة نظر

المروري يكتب: المسار السياسي لبنكيران .. محاولة في فهم التحول (3)

لقد ظل ابن كيران مخلصا لمنهجه متشبثا بخطابه متجها نحو هدفه بإصرار وقوة، منتظرا الظروف السياسية المناسبة للرجوع بقوة إلى تصدر المشهد السياسي، سواء على المستوى الوطني أو الحزبي، والخروج من حالة الانحباس التنظيمي والسياسي الذي وجد نفسه فيه (باستثناء إقليم الرباط، الذي ربما تكون لي عودة إليه ذات مرة).

كانت للانتخابات البرلمانية لسنة 2002 طعما آخر سواء على مستوى الحملات الانتخابية أو نتائجها. فقد تميزت الحملات الذي قام بها الحزب بتنظيم محكم وإدارة فعالة ومتابعة دقيقة وتعبئة شاملة وجندية نادرة ومساهمات مالية للأعضاء، وترشيد واقتصاد كبير في النفقات، وتعاطفا شعبيا منقطع النظير، انتهى كل ذلك بنتائج جيدة رغم التزوير والتضييق والعراقل الظاهرة والخفية التي مورست على الحزب … وانتهت هذه الانتخابات إلى تشكيل حكومة ادريس جطو والاستقالة السياسية لعبد الرحمان اليوسفي ببيانه الشهير الذي ينعى فيه الديمقراطية بالمغرب وذهابه إلى منفاه الاختياري، وتموقع حزب العدالة والتنمية الاضطراري في المعارضة.

بل وتكريسا لواقع القوة المتصاعدة، فقد تم انتخاب المصطفى الرميد مجددا رئيسا للفريق البرلماني الذي وصل عدده 42 برلمانيا.

كل هذه المعطيات التنظيمية والسياسية والإعلامية والشعبية كان له تفسير واحد عند الدوائر الرسمية، أن هذا الوافد ليس كأي حزب سياسي سابق، الأمر الذي يستلزم تدابير أمنية وسياسية وإعلامية، تكون في مستوى الحد من زخمه وزحفه.

إن انتخاب الرميد رئيسا لفريق العدالة والتنمية لم يكن موضوع انزعاج ورفض أجهزة الدولة فحسب، بل إن ابن كيران كان يعبر غير ما مرة عن عدم رضاه على هذا الاختيار لما يشكل له من حرج كبير مع المخزن والدوائر الرسمية .. ذلك أن الرميد، فضلا عن تشبته بالدعوة إلى ملكية برلمانية، كانت مواقفه السياسية المتصلبة وخرجاته الإعلامية القوية وأداءه البرلماني المتميز وأخيرا دفاعه عن قضايا حقوقية مزعجة للمخزن، خاصة موضوع السلفية الجهادية، حيث كان يدافع عن معتقلي هذا التوجه – تقريبا – لوحده في محاكم المغرب، كل ذلك وغيره كان عنصر انزعاج كبير للمخزن، وعنصر تضييق على الحزب، وعنصر حرج كبير، كبيرا جدا لابن كيران (وأقف عند هذا الوصف).

لماذا لا يريد أن يعترف البعض أن الدكتور العثماني قاد الحزب خلال تلك الفترة الخطيرة بجدارة واقتدار،

وفي مشهد غير مألوف مغربيا، فوجئ جميع المغاربة بأحداث 16 ماي الإرهابية، وكان ذلك خلال سنة 2003. هذه السنة التي عرف فيها الحزب أخطر وأعنف أزمة منذ نشأته في حلته الجديد.

لقد مورس على الحزب بقيادة الدكتور سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب آنذاك، والمصطفى الرميد رئيس الفريق البرلماني، أعتى وأعنف وأخطر حملة تضييق واستهداف، وصلت إلى حد التلويح بحله، مع تحميله المسؤولية المعنوية عن الأحداث الإجرامية التي وقعت بالدار البيضاء (اليازغي).

عرف المغرب خلال هذه الفترة (السوداء) انتهاكات حقوقية جسيمة وحملات اعتقال خارج القانون وظهور معتقل تمارة سيّء الذكر، وأحكام ثقيلة … وصدر خلال السنة ذاتها قانون مكافحة الإرهاب (الذي يسمى اختصارا قانون الإرهاب).

وخلال هذه الفترة لم تسلم الحركة ذاتها من هذا الاستهداف، بل عانت هي الأخرى من جملة من المضايقات، ابتدأت من انزعاج الدولة من الأعمال الاجتماعية التي تقوم بها خلال شهر رمضان وعيد الأضحى، لكن أخطرها عندما أعطى الدكتور الريسوني تصريحا صحفيا لإحدى الجرائد الفرنكوفونية المغربية، ورأيا علميا متجردا عن إمارة المؤمنين وشروطها وعلاقتها بالفتوى… فثارت حفيظة المخزن ووجهت سهام القتل الرمزي والمعنوي إلى الدكتور الريسوني ، هذا الأخير الذي وجد نفسه وحيدا أمام حملات التشهير والاستهداف، وانتهى الأمر بتقديم استقالته من رئاسة الحركة بتاريخ 11 يونيو 2003، مفضلا منفى علميا اختياريا نحو مدينة جدة بالعربية السعودية، للمساهمة في أكبر موسوعة فقهية في العالم، فكان خيرا له.

في الفترة ذاتها، تم استهداف المصطفى الرميد وإخضاعه لمحاكمة رمزية برئاسة شكيب بنموسى وزير الداخلية آنذاك، وفؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب في الداخلية والوزير الفعلي لها، بحضور أعضاء من الأمانة العامة كان في مقدمتهم الأستاذ عبد الإلاه ابن كيران والمرحوم عبد الله بها.

وضم صك الاتهام 5 قضايا كبرى:

– ذهاب الرميد إلى روما قصد إقناع الحركة الإسلامية بالجزائر بعدم استعمال التراب المغربي للقيام بعملياته العسكرية، وكان هذا في عهد الحسن الثاني وبطلب من وزير الداخلية ادريس البصري، وفعلا نجح الرميد في مهمته باقتدار وامتياز.

– استضافته لأحد رموز جبهة الإنقاذ بالجزائر

– دفاعه عن رموز السلفية الجهادية في المحاكم المغربية

– خطابه مقنع ومؤثر داخل قبة البرلمان

والخامسة على ما أذكر دعوته إلى الملكية البرلمانية.

هذه المحاكمة انتهت للأسف الشديد باستقالة الرميد التي قدمها مباشرة إلى رئيس البرلمان بعد أن صوت الفريق والأمانة العامة برفضها خلال أكتوبر 2003.

والسؤال كيف تعامل الأستاذ عبد الإله ابن كيران مع هذه الحملات المخزنية التحكمية التي استهدفت الريسوني والرميد؟

لماذا لا يريد أن يعترف البعض أن الدكتور العثماني قاد الحزب خلال تلك الفترة الخطيرة بجدارة واقتدار، وتفادى به المواجهات المجانية مع قوى التحكم، وانتهى به إلى نتائج سياسية وانتخابية كبيرة؟

لماذا لا يريد أن يعترف البعض أن الرميد كان مناضلا حقوقيا وسياسيا تعرض وتصدى لصدمات وضربات عنيفة – بسبب مواقفه وآراءه – لم تدفعه إلى الاستسلام والتراجع وهو في خط المواجهة المباشر مع قوى التحكم؟

لماذا لا يريد أن يعترف البعض أن الريسوني كان خلال تلك الفترة المشحونة صمام أمان فكري وشرعي ضد حملات فكرية وقانونية استهدفت ضرب البنية القيمية والثقافية للمجتمع المغربي، وواجه كل ذلك صحبة مجموعة من المثقفين أمثال المقرئ الإدريسي ومصطفى بن حمزة؟

لماذا لا يريد أن يعترف البعض أن الأستاذ ابن كيران كان خلال تلك الفترة بعيدا عن كل هذه المعارك؟ بل لم نسمع له كلمته الشهيرة “لن نسلمكم أخانا” لا في حق الرميد ولا في حق الريسوني، بل كان مؤيدا للاستقالتين.

خلال هذه الفترة ومع توالي المحن والمعارك على حزب العدالة والتنمية، سيبدأ نجم ابن كيران في التوهج مجددا، وسيظهر بقوة على المشهد السياسي المغربي، وساهمت في ذلك ظهور معطيات جديدة.

يُتبع …

* محامي وناشط حقوقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *