وجهة نظر

ماذا يحدث في الشرق الأوسط؟ (الجزء 1)

“السيد كل شيء” وصف وكالة بلومبرغ لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد أزيد من ثلاث سنوات على صعود نجمه، و قرابة السنة على إزاحة ابن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد “حرصا على مصلحة الدولة العليا”.

محمد بن نايف عُين مطلع 2015 وليا للعهد بعد وفاة الملك عبد الله، مع علم الملك الجديد سلمان أن ابن نايف “مدمن مورفين” منذ نجاته من محاولة اغتيال و بقاء شظايا بجسده ( غشت 2009، كان حينها نائبا لوزير الداخلية). لم يفطنوا حينها أن تعيين شخص مُنهك مُدمن على المهدئات وليا للعهد سيُضر بمصلحة الدولة؟

19 منصبا يتولاها ولي العهد محمد بن سلمان (33 سنة) منها وزير الدفاع، رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك، عضو مجلس الشؤون السياسية والأمنية ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية… أمير شاب جاء ليغير مسار مملكة صوب “التجديد الداخلي” و “الحزم الخارجي”. هكذا أُريد لظروف صعوده أن تظهر باعتباره مجدد مملكة 75% من سكانها شباب، و منقذها من عدو إيراني تعهد الأمير بنقل المعركة لعقر داره.

ولاية باراك أوباما الثانية كان لها بالغ التأثير في جنوح سياسات السعودية و محورها السني لتبني خطاب “أكثر حزما و هجومية” بعد أن قرر رئيس أقوى دولة تقسيم الهيمنة على الشرق الأوسط بين السعودية، إيران تركيا و إسرائيل حتى تتمكن أمريكا من تخفيف تواجدها بالمنطقة و تتحرك بجد و تركيز صوب المحيط الهادي، حيث الفرص أكثر و حيث “مركز ثقل العالم” :آسيا الغنية بمواردها، فُرصها و نُموها.
أوباما وقع اتفاقا منح بموجبه طهران هامشا كبيرا للتحرك في الشرق الأوسط مقابل تجميد أنشطتها النووية عشرة سنوات بنسبة تكاد تصل 100%، مع خفض تدريجي للعقوبات و إفراج عن مئات المليارات من الدولارات على دفعات.

طهران تنفست الصعداء خلال السنة الأولى بعد الاتفاق (يونيو 2015)، و ظهر ذلك جليا في تحركات نشطة على الساحة الدولية، خروج من عنق الزجاجة الاقتصادية و مكاسب ميدانية في سوريا و سياسية في لبنان (انتخاب الحليف ميشيل عون لرئاسة البلد بعد شغور المنصب سنتين ونصف). مع تضييق على السعودية و حلفائها بوجود الحوتيين على بعد كيلومترات من أراضي المملكة (الحد الجنوبي).
السعودية تحركت أولا صوب روسيا، فاقترحت عليها في يونيو 2016 “حصة ” من الشرق الأوسط مقابل التخلي عن بشار الأسد في سوريا، ما يعني تبخر مليارات استثمرتها طهران للدفاع عن حليفها العلوي. بوتن رفض العرض لتصبح “الحصة” من نصيب القادم الجديد للبيت الأبيض “دونالد ترمب”.

إعلان الأمير محمد بن سلمان في مارس 2017 سوريا معركة خاسرة خلال لقاء مع ترمب أشر على بدأ نهج جديد في تحريك أوراق الشرق الأوسط، بما يخدم أهداف الأسرة الحاكمة في السعودية داخليا و خارجيا.

الإستراتيجية الجديدة اعتمدت تحطيم عظم الخصم الإيراني اقتصاديا و سياسيا من خلال شراكة ليست سياسية فقط، بل “صفقة” مع رجل أعمال لا يؤمن سوى بمنطق الصفقات و الربح السريع.

350 مليار دولار منحتها السعودية لترمب في لقاء صُبغ بلون لقاء “رئيس أمريكي ” مع رؤساء 55 دولة عربية و إسلامية لإبعاد شُبهة الصفقة الثنائية. 350 مليار دولار روجها الإعلام السعودي كاتفاقات تندرج ضمن رؤية المملكة 2030 لتوطين الصناعات العسكرية و البيترو كيماوية و تخفيف اعتماد المملكة على النفط، لكن الحقيقة كانت أن الصفقة تعني الكثير في تغير خارطة الشرق الأوسط…و ربما للأبد.

إلى اللقاء في الجزء الثاني…

* باحث في الجغرافية السياسية و كاتب رأي مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *