وجهة نظر

الملكية وسؤال الاصلاح

– 1-
اعادت تصريحات وتصريحات مضادة موضوع الملكية الى قلب جدل سياسي وسجال عمومي، وذلك على خلفية تعبير عن وجهة نظر رأت ان “الملكية بشكلها الحالي معيقة للتطور والتقدم والتنمية” وانه “عندما نتكلم عن إصلاح النظام السياسي ففي جوهره إصلاح النظام الملكي، بالطرق السلمية، عن طريق المفاوضات “وان التفويض الشعبي أصبح يمكننا من التفاوض مع مركز السلطة الذي هو الملكية”. وذلك قبل ان يتم التراجع عن هاته التصريحات والاستدراك بان” الملكية اختارت ان تتموقع كقائدة لمشاريع الاصلاح”.

وقد اثارت وجهة النظر هاته ردود فعل بعضها تجاوز مناقشة الأفكار، وتعدته الى التحريض ضد الاشخاص والغمز واللمز في الهيئات وترويج مزاعم بوجود مشروع يسعى الى “اكتساب “الشًوكة” التي تؤدي إلى “الغلبة”، وان الملكية “ليست اتفاقا سياسيا” ولا هي”أريكة فارغة”،”وان مثل هاته التصريحات لا تعبر سوى عن “تقية”ملازمة للسلوك وانه يصعب التصديق ان”الإسلاميين المغاربة”مفارقين ومختلفين عن أقرانهم في التجارب الأخرى او انهم لا يؤمنون بأن”الإسلام هو الحل”ولا بحلم “الخلافة” ولا بأفق “دار الإسلام” و”أن الإسلاميين على مختلف مللهم ونِحلهم وفِرقهم، أمة مجتمعة على إخفاء مشروعها الأصل، وأنها تتعامل مع الديمقراطية كوسيلة توصلها إلى الحكم ليس إلا، وأنهم لا يؤمنون بجوهرها ولا بعمقها…” .

ان صك اتهام بهذا الحجم ينم عن تمثلات الحركة الاسلامية عند العقل الاستئصالي ونظرته الى المشروع الاسلامي رغم مسارهم الطويل ومواقفهم الثابتة في وقت الرخاء والشدة .

هذه التصريحات والتصريحات المضادة انزاحت عن النقاش العمومي الحق، وادرجت موضوع الملكية بين ثنائيات “الاصلاح والتحكم” و”إعاقة التقدم وريادة التطور” وبين “الملكية البرلمانية” و”الاريكة غير الفارغة” في نطاق لغة تدور بين ثنائية الاستعراض والمزايدة في خطاب سجالي، لا هو بالعلمي الدستوري ولا هو بالسياسي الاصلاحي، ولا ينتمي لا الى التنافس البرنامجي ولا الى التدافع السياسي المنتج.

نقاش الملكية لا جديد فيه :

أن نقاش الملكية موضوعا وأدوارا وموقعا في الاصلاح لم يعد يندرج ضمن الطابوهات، بل اصبح نقاشا مألوفا ومستوعبا لمختلف الاراء بما فيها موضوع اصلاح الملكية نفسها في أفق تعزيز طابعها البرلماني وتجاوز مظاهر الطابع التنفيذي والتجلي التقليداني وبعض عناصر التمثل المخزني في بعض الممارسات.

لذلك فأن النقاش اليوم حول الملكية على خلفية هاته التصريحات، ليس فيه أي جديد سواء على مستوى التوصيف او على مستوى الاستشراف، بل اكثر من ذلك لم يعد من الممكن تصور نقاش علمي او سياسي حول الاصلاح دون حضور الملكية في صلب اشكالاته الى درجة اصبح معه هذا الموضوع من لوازم الخطاب لدى بعض المثقفين والحقوقيين حول الملكية سواء بافقها البرلماني الذي تسود فيه ولا تحكم، او في اطار تشخيصهم لما يعتبرونه من مظاهر طبيعتها التنفيذية وتمثلات الحكم الفردي في سكللها وممارستها، او في سطوة التقليداني على الحداثي في آليات اشتغالها. وهو ما جعل الملكية نفسها معنية بهذا النقاش ومتجاوب معه في اكثر من مرة لعل اهمها عندما اعلنت عن حذف فصل القداسة والتخلي عن الفصل 19 الذي كان يعتبر الدستور العرفي في متن الدستور المكتوب ثم بادراج كلمة برلمانية الى جانب اوصاف الملكية الدستورية الاجتماعية في الفصل الاول من دستور 2011 .

ولهذا فالجديد في هذا النقاش اليوم يكاد ينحصر في عنصرين يشكلان مصدر الاثارة في الموضوع وهي :

– عنصر السياق التداولي المؤطر لمقولة “اعاقة التطور” أو”ريادة التقدم” ونقصد بذلك اساسا عنصر الزمن السياسي الذي قيلت فيه والمرتبط بتفاعلات ما بعد البلوكاج السياسي ؛

– عنصر الجهة التي صدرت المقولة عن احد المنتسبين لها، وهي حزب سياسي اسلامي مازال يقود الحكومة في زمن الثورة المضادة، والموقع السياسي والحزبي والانتدابي لقائل هذه العبارة التي تصظر في العادة عن ادبيات حزب محظور او زعيم في المنفى او عن معارض من خارج النسق . من وجوه الاثارة ابضا هو عندما يوضع نقاش الملكية في اطار مقارن مع نموذج في الحكم الملكي المتفاوض بشأنه بعد حرب أهلية طاحنة كما هو شأن النمودج الاسباني فهذا اكبر مأخذ معرفي واكاديمي وكذا منهجي يمكن ان يثار حول هذا النقاش. كما انه عندما يصدر في زمن تداعيات البلوكاج وما ترتب عنه من انقسام حاد ومن احتباس سياسي مظلم فهذا يعطيه بعدا استعراضيا لا غير .

وبالعودة الى الأدبيات والوثائق المرجعية لحزب العدالة والتنمية ومخرجات مؤتمراته وهيئاته التقريرية سوف لن تجد اثرا لمثل هاته التوصيفات وهاته المفردات ولن تجد اثرا لهاته اللغة في تقييم موقع وطبيعة الملكية بل لن تجد ذلك حتى في بعض تصريحات قياداته في المناسبات الاكثر سجالية . فضلا عن ان “تستند إلى التراكم الفكري الذي طوره الحزب في موضوع إصلاح النظام السياسي وتم بسطه بشكل مفصل في أطروحة النضال الديموقراطي وفي ورقة الإصلاحات الدستورية التي تقدم بها الحزب سنة 2011 أمام اللجنة الملكية لتعديل الدستور” .

لذلك يبقى أي استعمال لهاته المقولة ليس غريبا او مفارقا لهاته الادبيات والمرجعيات الحزبية وحسب، ولكنه يعد بالاساس انزياحا عنها وتنكبا واضحا عن منجهجها وتمثل احد مظاهر اختراق الثقافة السياسية الاصلاحية التي يحمل الحزب لواءها، ويعد ايضا تقاطعا والتقاء موضوعيا مع ثقافة صدامية مغامرة، تنتمي الى مرحلة الصراع حول السلطة. لذلك فإن ضررها واضح ليس على الحزب وعلاقاته ولكن على قائلها نفسه، وهو ما يفسر التراجع الفوري عنها والمبادرة الى نسخها بنقيضها وذلك في اطار التفاعل مع ردود أفعال متشنجة وتعاطي حاد في الرد والرد على الرد. التصحيح والتراجع جاء هو الاخر مطبوعا برد الفعل والمبالغة عندما تم التأكيد على أن “زمام المبادرة يبقى في يد المؤسسة الملكية التي لم يسبق في التاريخ المغربي المعاصر أن شهدت مستوى من الإجماع والتسليم بالمشروعية من طرف باقي الفاعلين مثلما تعرفه اليوم، ويمكن اعتبار عهد الملك محمد السادس هو انطلاق مرحلة جديدة في العلاقة بين القصر والأحزاب السياسية الجادة، حيث انتهى منطق الصراع بعدما اختارت الملكية أن تتموقع كقائدة لمشاريع الإصلاح، وهي قادرة على التطوير والتطور بكل شجاعة ولذلك نتوجه إليها بمطالبنا دون خوف .”

الرأي ليس جريمة :

في المقابل فان كون التصريحات الاولى موضوع نقاشنا خاطئة وضارة ولا تنتمي الى الثقافة السياسية والخطاب الاصلاحي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية ماضيا وحاضرا وافقا، فان ذلك لا يخرجها عن كونها رأيا ولو كان مرجوحا وفكرة حتى وان كانت خاطئة، ولا ترقى بأي حال من الاحوال الى الجرم السياسي او الى وضع قائلها في خانة خارج الثوابت ولا يبرر الطعن في نيته. او التهجم على هيئته، وفي ذات الوقت فان ذلك لا يكسبه حلل الجرأة السياسية او يلبسه لبوس البطل بلا مجد. انها عند التأمل مجرد فكرة عادية في سياق غير عادي .

-2-
الملكية بين خطاب الاستعراض وخطاب المزايدة:

عند التأمل في تاطير هاته المقولة الخاطئة، نجدها تنتمي في المحصلة الى خطاب سياسي استعراضي احتجاجي غير بنائي, عندما ينظر اليها من زاوية موقع وملابسات القول والقائل، وهي في ارتباطها بالمدرسة والقاموس السياسي الذي انتجها تاريخيا، تبقى فكرة قابلة للنقاش وتمثل احد مظاهر الاختلاف المشروع الذي يعد من صميم الديموقراطية وجزءا لا يتحزأ من الدينامية والحيوية المميزة للنماذج السياسية الصاعدة التي تمثل التجربة المغربية احد تمثلاتها بلا منازع.

وهي في الحد الاقصى تمثل مسلكا خاطئا للبحث عن “رجة سياسية” يتوهم بان بمقدورها ان تحرك سواكن الرتابة السياسية او الازمة الخانقة التي دخلت اليها البلاد منذ البلوكاج السياسي .

على يمين هذا الخطاب الاستعراضي الاحتجاجي خرجت بعض الاقلام من اصحاب الملكية الفكرية الاصيلة للخطاب السياسي المغامر الذي تبلور في “مرحلة الحلم والغبار” واختار التنكب عن تصريف الاختلاف ومواجهة الفكرة بالفكرة حول اقع الاصلاح المؤسساتي والسياسي الذي تعيشه بلادنا والموقع الذي تتبوأه الملكية في الدينامية الاصلاحية من وجهة نظره، هناك خطاب سياسي تمجيدي يسعى الى رد اعتبار مفقود، وإحياء أدوار قديمة، وذلك باختيارها الدفاع عن ذاتها متسترة بالدفاع عن الملكية، وتقديم نفسها في صورة الوفاء للثوابت من خلال عرض خصومها في خانة التآمر، وسقطت بذلك في خطاب تحريضي اتهامي مزايداتي مشخصن، حيث هاجمت رايا سياسيا، مستعملة في ذلك كل شيء الا النقاش السياسي والنقد الموضوعي، بل اكثر من ذلك انتقلت الى مسلك الطعن في الهيئات السياسية والمدارس الاصلاحية والمرجعيات الفكرية، مستدعية في مسلكها هذا دخيرة ” ازدواجية الخطاب” ولغة “الاجندة السرية” وخطاب “الهيمنة” و”التشوف الى الحكم عوض الاكتفاء برئاسة الحكومة”، والتعاطي الاستعمالي مع الديموقراطية وكل تلك العدة المفاهيمية التي سكها العقل الاستئصالي المحلي والمستورد خاصة في مرحلة 2003-2011.

وفي المحصلة فان كل من الخطاب الاستعراضي والخطاب المزايداتي كلاهما لا ينفعان ولا يضران المؤسسة الملكية، وان التبخيس لن ينقص من المكانة التي تتبوأها في المنجز الديموقراطي بايجابياته وسلبياته ولا يقلل من دورها البارز الذي بلغ مداه في خطاب 9 مارس ودستور 2011 وما تأسس عليهما من نموذج اصلاحي متقدم رغم الصعوبات التي ما زالت تواجهه، وفي ظل الطموحات المشروعة نحو الأفضل المتاح الذي يظل مشروعا وممكنا ايضا.

وفي المقابل فان الخطاب التمجيدي لا يمكن ان يضيف الى هاته المكانة وهاته الريادة شيئا للملكبة، وليس من شأنه ان يستعيد مجدا غابرا ولا موقعا ضائعا ولا يؤدي الى العودة الى مربع تقديم خدمة لم تعد نافعة بالنسبة لاحزاب السلطوية . والاهم من كل ذلك هو انه لا يمكن القفز عن الحاجة الى نفس اصلاحي مؤسساتي جديد شامل لا يتجزأ، وعام لا استثناء فيه، لكن عبر نهج سياسي لا استعراضي، موضوعي لا تمجيدي، حواري توافقي متدرج وتراكمي .

الملكية والاصلاح ببن منظورين :

منذ نهاية القرن الماضي اصبح موضوع الملكية والاصلاح يتموقع في صلب النقاش العمومي والاكاديمي وذلك في ارتباط وثيق باشكالية المسؤولية والمحاسبة تارة، وبسؤال الديموقراطية والمشروعية تارة اخرى، الى جانب نقاش سياسي يندرج ضمن المناكفات الحزبية او التموقعات السياسية الذي يبقى حاضرا دون ان يكون له تأثير ملحوظ.

وفي هذا الصدد يمكن الفرز بين توجهين في الخطاب السياسي حول الملكية الاول اصلاحي توافقي والثاني تغييري صدامي :

1- التوجه الاصلاحي التوافقي : وينطلق من محددات علمية واكاديمية ويسعى الى ادماج التحولات الجارية في المقومات والثوابت والاختيارات الوطنية بما يؤهلها ويثمنها ويجعلها اكثر انسجاما مع تطورات محيطها . وهو النقاش الذي اطلقته بعض مذكرات الطبقة السياسية ومخرجات المؤتمرات الوطنية والملتقيات الدراسية والندوات العلمية. وقد تجلى ذلك اساسا في محطة الاستشارة العمومية لاعداد مشروع الدستور وما واكبه من نقاش علمي وسياسي واعلامي ثم بمناسبة مناقشة بعض مشاريع القوانين التنظيمية من قبيل قانون التعيين في المناصب السامية وقوانين السلطة القضائية وبمناسبة بعض الاوراش الاصلاحية.

وقد توج ذلك بعدد من المكتسبات اهمها دسترة المنهجية الديموقراطية في الفصل 42 وفي ربط ممارسة الملك لصلاحياته بما هو منصوص عليه صراحة في الدستور وتعزيز منظومة الحقوق والحريات وفصل السلطات وربط المسؤولية بالمحاسبة والارتقاء بالقضاء الى سلطة دستورية وجعل التشريع اسأسا بيد البرلمان والسلطة التنفيذية بيد رئيس حكومة يعين من الحزب المتصدر للانتخابات وعلى أساس نتائحها.

2- التوجه التغييري صدامي : وهو توحه ظل منسجما مع ثقافة سياسية تبلورت في سياق كان محكوما بالصراع حول السلطة او ينتمي الى ادبيات سياسية تمتح من خيار الاحتكام الى الشارع او تنتهج منهج المغالبة والرفض أو تنتمي الى ادبيات يمتح من قاموسها السياسي من مرجعيات ذات نزعة رفضوية ومسلكيات ذات ميول احتجاجية . وذلك انطلاقا من استدعاء مفاهيم او نماذج في الحكم في بعض الديموقراطيات العريقة او عن طريق استحضار بعض منهجيات الانتقال الى الديموقراطية في بعض السياقات الخاصة .
ان مشكلة هذا النقاش تتمثل في وجهين الاول معرفي والثاني منهجي .

– ففي الجانب المعرفي : لا ينتبه منتجو هذا الرأي انهم يقارنون بين نموذج من الملكيات التي تسود ولا تحكم وهي في اخر مراحل تطورها ويسقطونها على ملكيات توجد في بداية ديناميات تطورها وفي كل الاحوال فهم يقيسون مكتسبات قرون من التطور في جهود اصلاحية لم تتجاوز عشرية او عشريتين من التطور المتدرج والمتعرج معا.

– اما في الجانب المنهجي : فهنالك خلط كبير عندما يتم القياس بين نماذج في الانتقال الديموقراطي التي عبرت بها بعض البلدان من واقع حرب اهلية طاحنة او تجارب في الحكم شمولية وديكتاتورية، او انظمة حكم عسكرية دموية تم الخروج منها عن طريق تجارب ديموقراطية متوافق بشأنها عبر تجارب للعدالة الانتقالية، وذلك مع انظمة للاصلاح الدستوري والسياسي المتدرج والتراكمي والتي رغم ريادتها في محيطها العربي ستبقى دون الطموح المأمول عندما تقارن مع النماذج المعيارية لانظمة الحكم الديموقراطية.

ان سمات وخصائص ومنهجيات الانتقال الديموقراطي لها معاييرها وقواعدها التي اصبحت مستقرة وتدرس في اكاديميات العلوم السياسية . لكن ديناميات الدمقرطة في الانظمة التي يمكن ان تتموقع في الوسط من الانظمة شبه الديكتاتورية وشبه الديموقراطية وشبه الشمولية وشبه التعددية، والتي وفرت هوامش ديموقراطية تضيق او تتسع ونوع من التعددية السياسية حقيقية او شكلية او بينهما، فبدون شك ستكون محكومة بمنهجية في الانتقال مغايرة ودينامية اصلاحية توافقية مفارفة، وهذا ما يتغافل عنه أصحاب هذا الرأي ويخفونه في زي اكاديمي قابل للنقد وبتوظيف انتقائي لأدوات علم السياسة المقارن.

والاجتهاد العلمي والدرس الاكاديمي المأمول هو في اكتشاف قانون للانتقال الديموقراطي الذي يحكم هذا النوع من الأنظمة واستدعاء التجارب الدولية المماثلة مع استحضار مراحل تطورها وعوامل نجاح أواخفاق تجاربها. حتى يتسنى لنا ان نقيس بموضوعية درجة اخقاقنا او نجاحنا حسب المعايير المطلوبة في كل مرحلة من المراحل .

-4-
بين الملكية التنفيذية والملكية البرلمانية

اذا تجاوزنا منطقي الاستعراض والمزايدة يبقى السؤال الاصح، هو اين تتموقع الملكية؟ واي دور لها في مسار الاصلاح الديموقراطي؟ وما هو التوصيف الصحيح لطبيعتها؟ ثم الا يوجد خيار ثالث بين وصف التنفيذية وتوصيف البرلمانية ؟. هل كل من لم يقل بالملكية البرلمانية يمكن وضعه في خانة الدفاع عن ملكية مخزنية وهل كل مدافع عن الملكية البرلمانية هو منحاز بالضرورة الى الديموقراطية؟
في اوج النقاش السياسي والدستوري تهيكل الحوار الدستوري والسياسي في النقاش العمومي ببلادنا، بين وجهتي نظر :

– وجهة النظر الاولى الملكية التنفيذية وسؤال المخزنية :
هذا التوجه يرى ان الدور التاريخي والمشروعيات المختلفة التي حازتها المكية عبر قرون لا يتصور معه سوى ملكية سيدة وحاكمة وتنفيذية لضمان الاستقرار والوحدة والامن واطلاق وتدبير الاوراش الكبرى وقيادة التنمية من فوق، خاصة في مراحل الانتقال وبحجة ان الملكية ليست “اريكة فارغة” وفي ربط تلازمي بين شكل الملكية ودورها فلا يتصور لصاحب وجهة النظر هاته اي استمرار للوظائف والادوار التي ادتها الملكية تاريخيا وبها حازت هذا المستوى من الاجماع ومن المشروعية متعددة المصادر. من غير المفهوم التنفيذي ختى لا يتم اهظار الزمن السياسي اللازم للانجاز في المنافسات الانتخابية والمناكفات الحزبية ومفاوصات تشكيل الحكومات والمجالس المنتخبة.
والملاحظ هو ان الاجماع حول الملكية وموقعها وادوارها لم يمنع تواصل النقاش حول شكلها الانسب وحول مكانة باقي المؤسسات. وهل ليس الا الشكل التنفيذي او الشكل البرلماني ولا يوجد شكل يضمن الجوهر الديموقراطي .

– الملكية البرلمانية وسؤال الديموقراطية:
وبموازاة الرأي الاول توجد وجهة نظر أخرى، لا ترى للملكية سوى افق البرلمانية الذي تسود فيه ولا تحكم وترتبط فيه المسؤولية بالمحاسبة ويضطلع فيه الملك بادوار رمزية كما هو للشأن في الملكيات الاوربية.

وجهة النظر هاته مثلتها احسن تمثيل الرؤية المتكاملة والواضحة التي عبر عنها الاستاذ مصطفى الرميد في وثيقة تاريخية ابان الربيع العربي، شخص فيها اعطاب الملكية التنفيذية ورافع عن مطلب الملكية البرلمانية في نطاق اشكالية المسؤولية السياسية .
وقد جاء في هاته الوثيقة:

في واقع حال الملكية التنفيذية:
“كون الملوك في العالم العربي لهم صلاحيات واسعة تكاد أن تكون مطلقة بحكم الدستور أو بحكم الواقع مقابل عدم إمكانية مساءلتهم أو محاسبتهم، فضلا عن عدم وجود أي مادة دستورية لتغييرهم. وهو مأزق لا يتلاءم وادعاء ديمقراطية هذه الأنظمة، إذ من المشروع التساؤل عن هذا النوع من الديمقراطية التي تتيح للملوك سلطات مطلقة في تدبير كل الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الرياضية.. دون إمكان توجيه حتى مجرد سؤال لهم، بل حتى مجرد التعقيب على خطبهم من قبل ممثلي المواطنين، فضلا عن عمومهم مع أن الله تعالى وحده الذي “لا يسأل عما يفعل وهم يسألون”.. لذلك، فإن هذا الوضع، الذي يسمى ملكية تنفيذية، يفتح أبوابا من الاستبداد وألوانا من الفساد تضيع معها الحقوق ويهمش في إطارها الدستور فضلا القانون.؟

في معالم الملكية الدستورية/ البرلمانية:
“لذلك، علينا أن نختار بين هذا الوضع وأشباهه قليلا أو كثيرا، وبين حالة كون الملك ممثلا أسمى للأمة ورمزا لوحدتها وحامي حمى دينها، وضامنا لاستقلال البلاد وحوزتها وحافظا لحقوق أفرادها وجماعاتها، مع حكومة تمثل القوة السياسية الأولى أو تحالف القوى السياسية الأكبر في البلاد حسب ما عبرت عن ذلك صناديق الاقتراع في إطار من الحرية والنزاهة، حيث تتنافس الأحزاب على مسافة واحدة من الملك، ليس فيها الموالون والمعادون، أو المقربون والبعيدون، كلهم سواء.. الملك ملكهم والوطن وطنهم، لا فرق في ذلك بين يمين أو وسط أو يسار” .

وجهة النظر هاته وان كانت تدور حول اشكالية المسؤولية والمحاسبة فهي لا تفيد بالضرورة تامين تام للديموقراطية، فيمكن ان نتصور انظمة برلمانية لكن بمؤشرات ديموقراطية اقل في منظومة الحقوق والحريات وفي الضمانات الحقوقية وفي النشاركة السياسية وغيرها .

كما نجد اليوم مثير من حملة الفكر الشمولي والاديلوجيات الوثوقية يدافعون عن الافق البىلماني لانظمة الحكم لكن في جوهرهم لا يؤمنون بالاختلاف وبتضايقون من النقد وفي اللحظات الحرجة يصدرون عن فكر استئصالي . والتاريخ المعاصر شاهد على كثير من النماذج التي استفادت من مناخ الظيموقراكية لتقوم بمصادرتها ومثير من المنظري للافق البرلماني استغلوا الزروفة الصعبة للمكالب بمنع احزاب سياسية او صادروا حقوقا وحريات خصومهم . ومثير من المقولات التي تروج اليوم يمكن بسهولة اثبات انتمائها الى افق غير ديموقراطي

-5-

الملكية الديموقراطية وسؤال الخيار الثالث اطروحة العدالة والتنمية
عند مراجعة ادبيات حزب العدالة والتنمية نجد اصلاح نظام الحكم جزء لا يتجزأ من الاطروحة الاصلاحية التي يحملها الحزب منذ تأسيسه ولاسيما بعد الدينامية الجديدة التي عرفها بعد انخراط ابناء الحركة الاسلامية فيه .

وقد تميز حضور سؤال الاصلاح المؤسساتي في ادبيات هذا الحزب باستحضار مدارس الفكر الاسلامي المختلفة، حيث تمحور اول الامر حول نظرية الامامة وتمثلات الفقه السياسي السلطاني كمل مثلته ادبيات المرخلة التأسيسية في عهد الدكتور الخطيب، هذا المنحى سوف يعرف بعض التغيير بادخال مفاهيم تنتمي الى فقه السياسة الشرعية والمتمحور حول مفردات اقامة الخلافة الراشدة والدولة الاسامية وقد تمثل ذلك في مقولات من قبيل “مواصلة الاصلاح الدستوري لبلوغ اعلى مستويات الحكم الراشد”. ثم في مرحلة اخرى تم تطوير خطاب الاصلاح ليقترب من مفردات اصلاح الدولة في افق الدولة المدنية المتسمة بسمو المرجعية الاسلامية التي ترتبط فيها المسؤولية بالمحاسبة، وبالفصل بين السلطات وضمان الحقوق والحريات، ويتمايز فيها الدعوي عن السياسي.

واخيرا استثمر الحزب خبرته الطويلة في المشاركة المؤسساتية من موقع المعارضة ومن موقع التدبير لينتج اطروحة متكاملة في الاصلاح الدستوري والمؤسساتي والسياسي وتقديم منظوره للمشروع المجتمعي العام الذي يؤصل لفكرته الاصلاحي وذلك من خلال البرنامج العام وكذا الاطروحة السياسية في مراحل مختلفة من تطوره، ثم في مذكرته للاصلاح الدستوري ومقترحاته لمناقشة القوانين التنظيمية المرتبطة بتنزيل الدستور .

وبالرجوع الى مختلف هاته المرجعيات يمكن تحديد اختيارات حزب العدالة والتنمية حول الاصلاح المؤسساتي وحول الملكية، وقد جرى التعبير داخل الحزب عن هذا الموضوع بمفهومين هامين يمثلان فعلا مرتكزات للخيار الثالث الذي لا ينحاز الى المفوم التنفيذي ولا يتماهى مع المفهون البرلماني لها الذي ارتبط بسياق صراعي ومنهج صدامي وهاذين المفهومين هما “الملكية الثانية” و”الملكية الديموقراطية” .

1- الملكية الثانية : وقد ارتبطت عند الحزب “برهان الإصلاح الديموقراطي المطروح بافق الملكية المغربية الثانية لدولة ما بعد الاستقلال، وهو أفق واعد وتاريخي واستراتيجي ينبغي خوضه بكل جرأة وإبداع ومسؤولية ووضوح، دون خوف أو تردد، فنحن في زمن المراجعة الحقيقية والشاملة وليس المراجعة التقنية الجزئية، والتي ستنقل الدولة المغربية من دولة التحكم إلى دولة التشارك بين مجموع مكوناتها في القرار خدمة للصالح العام”.

2- الملكية الديموقراطية : وهي في التعريف الاجرائي الذي تبنته مذكرة الحزب المقدمة الى اللجنة الملكية لاعداد مشروع دستور 2011 هو “ملكية ديموقراطية قائمة على إمارة المؤمنين” وما تقتضيه من تنصيص دستوري على “البيعة على أساس الدستور” وتجاوز حالة الفراغ الدستوري القائمة في هذا المجال. ودسترة المؤسسات التي يرأسها الملك بصفته أميرا للمؤمنين كالمجلس العلمي الأعلى، مع التنصيص الدستوري على “استقلالية العلماء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.”، وأن يتم النص على ممارسة الصلاحيات المرتبطة بالفصل 19 “وفق مقتضيات الدستور”

هذا هو السقف الذي تبناه الحزب في زمن كان موسوما ببسط الحريات وبسياق المد الديموقراطي واي توصيف خارج هذه المحددات يبقى في نطاق الرأي الحر وليس في اطار القرار الملزم .

هذا المفهوم للملكية الديموقراطية ورد ايضا ضمن افق اصلاحي يقوم على “دستور ديموقراطي يستند على المرجعية الإسلامية، ويؤهل المغرب لكسب تحديات التنمية الصالحة والعدالة الاجتماعية، ويعزز إشعاعه الحضاري المرتكز على رصيده التاريخي وتنوعه الثقافي “.
اذن فالحزب يؤطر خطابه حول الملكية ضمن الدستور الديموقراطي المؤسس على سبعة توجهات تحتل الملكية الديموقراطية القائمة على امارة المومنين المرتبة الثانية منها، وهذه التوجهات هي:

1 – دستور يرتقي بمكانة المرجعية الإسلامية ويعزز مقومات الهوية المغربية.
2 – ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين.
3 – تقدم رائد في صيانة الحريات العامة وحقوق الإنسان.
4 – ديمقراطية منتجة لفعالية السلط ولفصل يضمن التوازن .
5 – الارتقاء بسلطة القضاء وإقرار استقلاليته.
6 – جهوية متقدمة بضمانات دستورية واسعة.
7 – الحكامة الجيدة الضامنة للتنافسية الاقتصادية والمنتجة للفعالية العمومية في تدبير الشأن الاقتصادي.

وقد تم تفصيل هاته التوجهات في الخيارات التالية :
في مجال المرجعية والهوية والقيم : ضرورة ” أن لا تخالف التشريعات والقوانين المتخذة تعاليم الدين الإسلامي” و”حماية حرية ممارسة الشعائر الدينية وصيانة المجتمع من الممارسات المستفزة للشعور الديني”، و”أن يكون من اختصاصات المجلس الدستوري النظر في مدى مخالفة التشريعات لتعاليم الإسلام في حالة إثارة ذلك من قبل أعضاء البرلمان وفق القواعد القانونية المنظمة لذلك”، وبالإضافة إلى “العربية كلغة رسمية تتم دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بالحرف العربي وذلك في الجهات التي يقرر مجلس الجهة المنتخب اعتمادها كذلك، ويحدد قانون تنظيمي كيفية تدبير ذلك على مستوى المؤسسات الوطنية” ودسترة “مجلس أعلى للأسرة والشباب بمثابة مؤسسة دستورية”.

– في الحريات العامة وحقوق الإنسان : ضرورة اكتساب الالتزامات الدولية للمغرب ” قوة القانون وأن تكون مرجعية بشرط المصادقة عليها من قبل البرلمان بقانون، وأن تتاح إمكانية الطعن فيها من قبل ربع أعضاء مجلسي البرلمان عند المجلس الدستوري”، ودعت إلى ضرورة “التنصيص الدستوري على تجريم التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وكل ضروب المعاملة القاسية التي تحط بالكرامة الإنسانية”، ودسترة المجلس الأعلى للجالية.

– تعزيز مبدأ فصل السلطات وربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال :

* الارتقاء بالسلطة التشريعية واعادة النظر في نظام المجلسين بالبرلمان بمراجعة صلاحيات مجلس المستشارين، ومراجعة شاملة لأنصبة تقديم طلبات تشكيل لجان تقص الحقائق وحق الاستجواب للوزراء، وحق طلبات الافتحاص للسياسات العمومية وتقوية سلطات البرلمان في مجال التشريع لتشمل المصادقة على المعاهدات والعفو الشامل والتقطيع الانتخابي وإحداث المجالس الوطنية، وقوانين تنظيم ومراقبة المؤسسات الأمنية، والمصادقة النهائية على التعيينات المعتمدة من قبل مجلس الحكومة، وإحداث مجلس للحكومة يرأسه “رئيس الحكومة” بمثابة رئيس السلطة التنفيذية ويتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة وعلى الإدارة العمومية ويتولى قيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي.

* الارتقاء بسلطة القضاء وإقرار استقلاليته عبر إسناد نيابة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى واعتبار القانون الأساسي لرجال القضاء قانونا تنظيما يخضع لرقابة المجلس الدستوري، وتقوية التنصيص الدستوري على الجهة باعتبارها جماعة ترابية، وتحديد القواعد الناظمة لاختصاصاتها وهيئاتها وانتخابها بالاقتراع العام المباشر، وحق تصرفها في مواردها وعلاقتها مع المركز والتنصيص على واجب التضامن والتعاون بين الجهات في الدستور المعدل، كما يتم النص على أنها تنظم بقانون تنظيمي.

* تعزيز التنافسية والشفافية والحكامة الاقتصادية والفصل بين السلطة والثورة عبر “دسترة مجلس المنافسة كسلطة تقريرية تدخلية” و”التنصيص على وجوب مصادقة البرلمان على عقود البرامج التي تحدد التزامات الدولة إزاء المؤسسات العمومية و”تعزيز اختصاص البرلمان في مساطر تفويت الملك العمومي الذي يتجاوز حدا أعلى يقنن بقانون” و”التنصيص على المراقبة المباشرة للمؤسسات العمومية التي تسهر على تدبير واستثمار الأموال العمومية من خلال هيئات مراقبة تابعة للبرلمان تسهر على مراقبة التوجهات والقرارات الكبرى والحسابات المالية و تقديم تقارير سنوية للبرلمان”.

هذا الاختيار الاصلاحي عند النظر يجمع في افقه وفي الان ذاته، بين خصائص الملكية البرلمانية لكن مع الاحتفاظ لها بالمسؤوليات التي تضطلع بها رئاسة الدولة في الانظمة المختلطة شبه البرلمانبة وشبه الرئاسية . فتكون الملكية ديموقراطية عندما يكون الى جانبها سلطة تشريعية تضطلع بالتشريع ثم سلطة تنفيذية منبثقة عن الارادة العامة ومسؤولة مسؤولية كاملة امام البرلمان الذي ينصبها ويحاسبها . ثم سلطة قضائية مستقلة ومجتمع مدني حي يشارك في اعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية عبر الديموقراطية التشاركية والملتمسات التشريعية والعرائض العمومية في نطاق تضطلع فيه الملكية بادوار الحكم والتحكيم وتتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس حكومة يعين من الحزب المتصدر للانتخابات وفقا للمنهجية الديموقراطية، وتضطلع بادوار السيادة في الخارجية والامن والجيش والشؤون الدينبة وضمان الحريات والحقوق وتؤمن السير الطبيعي للمؤسسات .

اي ان الملكية بمشروعياتها المختلفة وبادوارها التحكيمية وبحجم التوافق المجتمعي والسياسي حولها وبما حازته من تمثيل لرمز الدولة ودوامها وسير المؤسسات وصيانة الثوابت الجامعة اصبحت تتموقع فوق الصراع بل من مهامها رعاية التوزازن لكن بقواعد اصبحت مدسترة.
وبهذا يكون اي حديث عن الملكية خارج الادبيات المرجعية لحزب العدالة والتنمية داخل في نطاق القناعات الفردية التي عبر عنها بعض رموز الحزب من قديم ومازالوا، لكنهم لم يدعوا يوما انها تمثل خط الحزب وجزء من ادبياته ولن تسعفهم تلكم المرجعيات مهما حاولوا .
هل تكرار البعض لهاته المقولات يمكن ان يكسب هاته القناعات الشخصية صفة الرسمية؟ وكيف يريد البعض للحزب ان لا يتمايز عن مقولات لا تمثله وخارج ادبياته المرجعية ؟

للجواب عن مثل هاته الاشكالات في تقديري الشخصي فان الخلل نابع بالاساس من الخلط بين الارادة الاصلاحية التي تتموقع الملكية في صدارتها والارادة السلطوية التي يشكل التحكم ابرز تجلياتها .

-6-
فما هو التحكم وما علاقته بالملكية؟

خلافا للمنظور الاختزالي فالتحكم هو حاصل التقاء موضوعي بين تجمعات مصلحية او ريعية ومراكز نفوذ في مفاصل المؤسسات او في محيط القرارات وبقايا رفض الاخر والتضايق من المختلف، وهو ما تم التعبير عنه تارة باسم القوة الثالثة واخرى باسم جيوب مقاومة التغيير ماضيا، ويتم التعبير عنه اليوم بالارادة السلطوية او بقوى التحكم .

فالتحكم او القوة الثالثة عندما تتقمص بعض الادوار المحفوظة للملكية او عندما توهم الناس وتدعي خدمة مشروعها او عندما تقحمها في صراعها السياسي او عندما تدافع عن نفسها تحت ستار الدفاع عن الملكية فلا يعني ذلك تطابق بين الملكية وبين التحكم كما ان محاولة الايقاع بين المؤسسة الملكية والقوى الاصلاحية بدرائع متنوعة مرة بتقديم هاته القوى على اساس انها تهدد الاستقرار والتوازن ومرة اخرى لانها تنافس الملكية او تقلص من ادوارها واخرى لانها تهدد مصالح البلاد وغيرها انما يندرج ضمن مساعي اضعاف الملكية وابعاد قوى الاصلاح عنها ليخلو لها الجو من أجل مراكمة الاستفادات والامتيازات غير المشروعة في حقل فائض السلطة وفائض الثروة، وهو ما يتعين على هاته القوى ان تدركه ولا تنجر الى فخاخه .

لقد لعبت الملكية ادوارا حكمية وتحكيمية ومن موقع متسام عن الصراعات السياسية والمناكفات الحزبية وهو ما اسهم في منع الهيمنة ومنع الاستئصال في وقت واحد .

فمنع الهيمنة هو الذي حمى المغرب من موجة الحزب الوحيد وهو الذي حافظ على الطابع المدني في ممارسة السياسة بعد فشل محاولتين انقلابيتين وهو الذي يحصن حقوق الاقلية ويضمن الحريات الفردية في نطاق الثوابت الجامعة .

اما منع الاستئصال ففائدته لا يدركها الا من تعرض له عندما كان البعض يتشوف الى موضة الحزب الوحيد عشية الاستقلال، ولا يعرف مخاطره الا من كاد ان يكون اخر ضحاياه عندما لفقت له تهم المسؤولية المعنوية .

الخلاصة

ان الملكية التي قادت حتى بشكلها ما قبل الحالي النموذج الاصلاحي الديموقراطي بتفاعلها الذي فاق التوقع مع تعبيرات الحراك الديموقراطي بعرض سياسي ودستوري شكل استثناء تظل قادرة ايضا على تجاوز مخلفات البلوكاج بمبادرة تنهل من فلسفة المفهوم الجديد للسلطة ومن روح الدستور الذي ساهم في تأمين العبور من مرحلة الانتقال الديموقراطي التي ارسى معالمها دستور 1996 وتجربة التناوب الى مرحلة الاصلاح الديموقراطي التي اطلقها دستور 2011 وتجربة الاصلاح في ظل الاستقرار .

ما يزكي هذا الكلام هو الثابت في اداء هاته المؤسسة الملكية خاصة في المحطات الفاصلة عندما يعبر مزاج السلطة عن نفسه، فيتدخل عقل الدولة لاعادته الى مساره الصحيح . وهو ما لمسناه قبيل انتخابات 25 نونبر 2012 عندما بدأ الاعداد لمرحلة G8 التي فشلت ثم تكرر بعد اندلاع الثورة المضادة وتم دفع شباط الى تفجير التجربة الحكومية، ولمسناه خلال الانتخابات الجماعية والبرلمانية لسنتي 2015 و2016، وبلغ مداه اثناء مرحلة التحكم وما زالت بعض اثاره في هاته المرحلة التي يراد لها ان توسم بمرحلة الصرامة .

لكن الثابت هو ان الملكية تبقى في طليعة الارادة الاصلاحية، وان التحكم هو راس الحربة في اعاقة التطور والتقدم والتنمية وليس شيئا اخرا. والسؤال هل تكون الاحزاب السياسية في مستوى اللحظة التاريخية وتقم بادوارها لتهييء الاجواء مرة اخرى لعرض جديد يستانف مسار الاصلاح الديموقراطي ام ان ارادة التحكم هي اقوى من ارادة الاصلاح في ظل اختلال ميزان القوة وطنيا واقليما ودوليا .؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *