وجهة نظر

المدينة الحاضرة الغائبة تاوريرت المنسية (الحلقة 3)

… إنها عائلة “شبلاوية ” قادمة من ” قبيلة بني اشبل – بني مسعود ” والتي كان حي 20 غشت أول مكان تستقر به، وهناك سُمع ذوي ” تزغريت ” فرحا بازدياد فرد جديد من العائلة.. إنه الحسين بنصناع..

حي 20 غشت، هذا الحي الذي طالما عان قاطنوه الويلات من التهميش والفوضى منذ عقود من الزمن ، ومنذ أول المنتخبين على رأس بلدية تاوريرت، وممثلين على رأس البرلمان المغربي ومجلس المستشارين، و ممثلين بالمجلسين الإقليمي والجهوي.. ما دخل هؤلاء في الفوضى والتهميش؟

ببساطة، إن هؤلاء الممثلين ” ممثلين ” بعد التكرار يظهر جليا أنهم يتقنون المعنى السطحي لهذا اللقب، وأن أول الأهداف التي وضعوا من أجلها على رأس هذه المنابر الشعبية، قد تلاشت مع ما ادخرته عقولهم ” الخامجة ” والتي تعمل فقط من أجل ضم مدخرات ذوي النية السليمة والطاهرة من الطبقة الكادحة ، التي تعمل على إدخال “خبزة ” “بائتة” لأطفال مفتوحة أفواههم لأكل لقمة لم تصل ” كروشهم ” اليابسة منذ ساعات وربما أيام.. إلى بطونهم المنتفخة العفنة.

إنه أحد الأحياء المهمشة من أقصى إلى أقصى، أهميته تكمن فقط في صناديق الاقتراع، وأهمية ساكنته تكمن في الأسبوع الذي يسبق الانتخابات البلدية والبرلمانية لا غير، وهذا الأمر شكل منذ عقود فضاءا قويا للنقاش. لما أهميته مرتبطة بصناديق الاقتراع؟

جواب هذا السؤال وأخر عائد إلى كون نسبة كبيرة من سكان هذا الحي، بل من سكان تاوريرت ككل من الطبقة الاجتماعية الهشة من جهة ، ومن جهة ثانية يرتبط بجانب الأمية التي لا تزال متفشية في أوساط الساكنة عامة وفي أوساط الجيلين الأول والثاني على الخصوص.. فما أهمية هذين الإشكالين في موضوعنا؟

خلال التسعينيات من القرن الماضي كان لي موعد مع أول يوم داخل مدرسة ” 20 غشت ” الابتدائية، كنا في هذا الوقت قد انتقلنا إلى بيت أخر في ذات الحي ” محسوب على مختار السوسي حاليا ” وهو البيت الذي لا نزال نقطن فيه لحدود الساعة، لم يكن لوالدي أي شك بأني سأهرب كما فعل أخي الأكبر قبلي.. لكنني هربت بعد الحصة الثانية، فكانت المعلمة ” فاطنة ” أول السائلين أين ” الحسين “؟

.. لم يأتي .. أجابها التلاميذ متلهفين ومتسابقين .. المعلمة ” فاطنة ” سارعت من أجل إخبار والدي .. الرسالة وصلت والدتي ، وفي هذا الوقت بالذات كان ” عمرو بن مولود ” ينزل أقصى ما ادخره جسده النحيف من التعب اليومي كـ “مياوم ” على عمود ” شطابة ” وصوت مزمار وطبل “الشيخ ادريس والشيخ سعيد “.. سمع الخبر فهرول مسرعا للبيت سائلا أين ” الحسين “؟ .. كانت والدتي حين ذاك قد علمتني عدد حروف الهجاء ب” صندالة ” ، فما كان من والدي إلا أن أمسك بي من رجلاي محاولا ضربي مع الأرض، قبل أن تسرع والدتي لتنقذ ما يمكن إنقاذه .. وأهم ما جاء في مخيلتي اللحظة أنني لن أجرأ مرة أخرى على الهرب..

وضعنا الاجتماعي كألاف العائلات بتاوريرت جد هش، نعيش اليوم منتظرين من الغد أن يجرأ على منحنا بعضا من الأمل ، في هذا الوقت بالذات كان عمري سبع سنوات، لكنني كنت أعلم جيدا أن ما يخبأه لي هذا الغد ، هو نفسه الذي كتبه الله لي .

تجرأ بعض المرشحين على طرق باب منزلنا الهش ، ليبيعوا لنا مجموعة من الوعود المقدسة، وقد أعطيتها هذا اللقب إيمانا مني بصدقها حين ذاك، غير مبال لمآلها. خرج كل الجيران يراقبون هذه الحملة الانتخابية الضخمة، ” غدي نديرو ليكم الكودرون وندخلو ليكم الواد الحار والضو والماء…” وغيرها من الوعود المتسمة بنوع من المعقولية والقابلة للتحقق، كانت أحلامنا بسيطة، وهي أبسط الحقوق في بلد غير بلدي..

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *