حوارات

ملحد فلسطيني “للعمق”: تم اعتقالي 10 أشهر بعد خروجي من الإسلام

في هذا اللقاء، تحاور جريدة “العمق”، المدون والناشط الحقوقي الفسلطيني وليد الحسيني الذي اعتقلته السلطة الفلسطينيةفي أكتوبر 2010 بتهمة إهانه الشعور الديني والتعدي على أرباب الشرائع وإثاره النعرات الدينية والمذهبية والطائفية ضد الإسلام بصفحات الفيسبوك وبمدونته الإلكترونية. وتسبب اعتقاله حينها هذا في ردود أفعال غاضبة على صعيد دولي، وخاصة من لدن السلطات الفرنسية.

في هذا الحوار يكشف الحسيني الأسباب التي جلعته يترك الإسلام و”يعتنق” الالحاد.

حاوره: الطيّب اللعبي

ولدت في الضفة الغربية بمدينة قلقيلية (فلسطين)، في عائلة متدينة ومحافظة، ما تأثير ذلك في علاقتك بالدين؟

في البداية دعني أوضح ما معنى عائلة محافظة الذي قصدته، فهي ليست سلفية وليست إخوانية. إنما عائلة تمارس الإسلام الشعبي والذي هو بالنسبة للفلسطينيين، كما في بعض الدول العربية، أصبح جزءً من العادات والتقاليد، هذا هو معنى عائلة محافظه الذي قصدته.

فأول ما نتعلمه في الاسلام هو أركانه وبعض السور القرآنية الصغيرة حتى في سنواتنا الأولى قبل الذهاب إلى المدارس. دوما في المجتمعات المسلمة تكون العائلة (المسلمة) هي المدرسة الأولى والأكثر تأثيرا في الشخص.

أما بالنسبة لعائلتي، فكانت هناك إضافة بأن تربيتي تمت أيضا على السؤال والنقاش. وهنا أقصد في الأشياء والحياة العامة، ليس في الإسلام، فكانت تأثيرها علي لاحقا في مسائل تخص الدين الإسلامي، ولكن ما إن بدأت اسأل في المسائل الدينية حتى بدأت الاجابات مثل: “هذه أشياء لا نسأل عنها”، “هذه أسئلة تطرحها بفعل الشيطان”، “هذه من أجل حكمة لا يعلمها إلا الله”، “استغفر الله واذهب لصلاة ركعتين”. ومثل هذه الإجابات كان دفعتني لأبحث لوحدي. وهذا ما فعلته، فتفتحت أمامي حقول المعرفة.

أيمكنك أن تحدثنا عن طفولتك في ظل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟

حياتي في ظل الصراع كانت مثل حياة أي فلسطيني آخر. فما كان يجري على الضفة الغربية كان يسري علي أيضا. ودوما كنت أريد أن يحل السلام ويتوقف شلال الدم، لكن التطرف قد تغلغل في تلك المنطقة وهنا أقصد من الجانبين، لا أحد في مراكز القوى يبحث عن إيقاف الصراع، مع أن الشعوب تعبت، وخاصة منذ بداية الانتفاضة الثانية.

فأنا ضد عسكرة الحراكات الشعبية لانها ستذهب بنا إلى طريق مظلم ومدمر وسيصبح هناك حسابات أخرى. الانتفاضة الثانية قسمت الفلسطينيين وأثرت في محاولات إيقاف شلال الدم النازف هناك.

في البداية، كانت لديك تساؤلات تتعلق بقضية إن كان الإنسان مسيرّا أو مخيرّا. ودفعك ذلك للبحث عن أجوبة لها في كتب إسلامية. ما هي الخلاصات التي توصلت إليها؟

كان هذا التساؤل هو البداية التي جعلتني أبحث. فالأجوبة كانت تدور في حلقة مفرغة. ثم تطورت أسئلتي وكنت أحتاج إلى إجابة منطقية. فالله من وجهة النظر الإسلامية كتب كل شيء في اللوح المحفوظ ولا مبدل لكلمات ربك والله يهدي من يشاء. إذن اختار الله أن يكون وليد الحسيني ملحدا واختار لمحمد أن يكون رسولا وسيضعني في النار وسيضعه في الجنة. وهنا سيعذبني الله على اختيار هو اختاره لي، فأين العدالة الإلهية؟

فمع لجوئي للقراءة والبحث في الكتب الإسلامية ومع تعمقي أكثر اصدم في مسائل أكثر، فتعددت أسباب خروجي من الإسلام، فوضع المرأة والأخطاء العلمية والمنطقية في القرآن وأحكام الولاء والبراء ونظرة الإسلام لغير المسلم والجرائم المرتكبة إن كانت من قبل المؤسسين الأوائل للاسلام أو من يسير على نهجهم إلى اليوم، والأحكام البربرية والدعوات إلى القتل بأشكاله المختلفة… وأسباب أخرى كثيرة لا مجال لحصرها هنا. فقرائتك وفهمك للقرآن إما يجعلك إرهابيا داعشيا أو يضعك على طريق خروجك من الدين.

هل علمت أسرتك بقصة إلحادك؟ وكيف كان رد فعلهم؟

نعم، فقد كنت أقوم بمناقشتهم في بعض الأحيان والاستفسار عن أسئلة آيات في القرآن. ومن ثم قلت لهم بأنني لم أعد مؤمنا بهذه الخرافات، فكانت ردة فعلهم طبيعية فقالوا بأني صغير وسأعود لرشدي قريبا. إلى أن تم سجني وأصبحت قصتي حديث البلد.

هنا تغيرت ردود أفعالهم لمجاراة السائد، ولكن بكل تأكيد هم يريدون مني أن أبقى مسلما فهم عائلتي ويريدون لي الخير، والخير من وجهة نظرهم أن ابقى على دين آبائي وأجدادي .

حصلت على الباكالوريا بميزة “حسن جدا”، وعلى معدل 96/100 في مادة الإسلاميات. كيف تفسر هذه النقطة الجيدة في هذه المادة؟ وما رأيك في مقرر هذه المادة؟

حصولي على هذه العلامة كان بفضل بحثي في السنوات السابقة ودراستي للكتب الإسلامية محاولا إيجاد إجابة على أسئلتي.

أما بالنسبة للمقرر، فأنا أرفض محتواه فهو نوع من غسل الدماغ وتحصين للنصوص الدينية وتأسيس للكراهية منذ الصغر، وكذلك يُفرض على غير المسلمين في فلسطين مثل المسيحيين واليهود وهو نوع من الاستبداد والديكتاتورية.

أعلنت الحادك أثناء دراستك “الهندسة وتكنولوجيا المعلومات” في الجامعة العربية الأمريكية “الزبابدة” بمدينة جنين، ألم يكن ذلك خطرا عليك، وكيف كان رد فعل الطلاب هناك؟

هنا كان خطئي في التقدير، فأنا اعتقدت بأن المجتمع الجامعي هو عبارة عن مجتمع منفتح ومتقبل للآخر فنحن جميعا تقريبا في نفس السن ومتنوعوا الاتجاهات السياسية ونحاول اختبار تجارب الحياة. ومع أنهم ليسوا متدينون فقد كان البعض يتناول الكحول وغيرها أو حتى لايصومون رمضان مع ذلك كانت ردة فعلهم تشبه تماما ردة فعل أي إسلامي، فأصبحت منبوذا هناك وينظرون إلي بأني كافر. الأمر الذي دعاني إلى مغادرة الجامعة في تلك الفترة لأنني فعلا استشعرت الخطر. ولو تم قتلي في تلك الفترة التي كان عنوانها الفلتان الأمني، حيث لا قانون ولا آمن، قالوا بأنني عميل اسرائيلي فهذه هي التهمة التي كانت سائدة في تلك الفترة وكم من شخص قتل ظلما.

بعدها قررت إنشاء صفحة على الفيسبوك اسمها “الله” وتتحدث باسم الله. ما هي دوافع إنشاء هذه الصفحة؟

قصة صفحة “الله” كانت في وقت متأخر بعد انشائي لمدونتي واستعمال الفيسبوك من أجل النقاش فقد كنت أصف نفسي دائما بأني ابحث عن الحقيقة. وبعد صراعات طويلة في النقاشات من خلال الفيسبوك في ذلك الوقت اتضح لي أن المناقشين ولو قمت بإقامة الحجة عليهم فهم يذهبون فقط ولا يقومون بتغير طريقة تفكيرهم وعقلياتهم. فكان لا بد من شيء آخر يمزج بين الصدمة والسخرية.

واستنادا إلى قصة في موروثهم الديني فكانت قصة صفحة “الله” وإنشاءها لتحثهم على التفكير خارج ما فرضته عليهم القيود الدينية، حيث إن أدمغتهم غسلت بقصص من يتجرأ على الله على حسب تعبيرهم، يحدث له أشياء غريبة. لذلك كانت قصة إبراهيم وأصنام قومه مشابهة لقصة صفحة الله حيث عجزت الإله عن الدفاع عن نفسها في الحالتين.

التجاوب كان في غالبيته سلبي حيث امتلأت الصفحة بالشتائم والتهديدات، لكنها فتحت الباب للكثير من أجل التفكير، وهذا ما أردته وقتها فحققت الصفحه هدفها وحتى بعد مرور هذه السنوات ما زالت في ذاكرة الجميع.

تم إغلاق هذه الصفحة بعد أسبوع واحد من إطلاقها بسبب التبليغات، وفي الثاني من شهر نونبر 2010، تم اعتقالك على يد المخابرات الفلسطينية. أين وكيف تم اعتقالك؟

تم اعتقالي في مدينة قلقيلية ليلا من قبل المخابرات الفلسطينية، حيث تعرض لي اثنين بلباس مدني وتعرفوا علي واقتادوني إلى مركز المخابرات في مدينة قلقيلية. وعندما التقيت بمدير المخابرات قال لي انتظر فأنا لا أعلم لماذا أنت هنا، حيث إنه تم فقط إخبارنا بوجوب اعتقالك وحجزك في المركز. وبعد أكثر من ساعة تم اخباري لماذا يحتجزون وكانت بسبب الصفحة والمدونة وهنا بدأت مرحلة التحقيقات.

تمت إحالتك على المحكمة العسكرية بعد أربع شهور من الحبس الإحتياطي، هل اعترضت على هذه الإحالة؟ وما هي نوع الأسئلة التي طرحت عليه خلال التحقيق؟ و هل تم تعذيبك خلال الحبس الإحتياطي؟

كيف لي أن أعترض؟ ففي تلك الفترة لم يسمح لأي أحد يزيارتي حتى اهلي، وكنت لا أنام إلا ساعتين أو ثلاث وباقي اليوم أقضيه واقفا إما أن أرفع يد أو رجل أو حتى يتم تعليقي قرب السقف، وكان هناك سؤال واحد؛ من يمول إلحادك؟ مع أن كل ما أملكه هو مدونة مجانية وحساب فيس بوك مجاني، لكن هم يعتقدون بأن لا أحد يخرج من الدين إلا إذا تم تمويله. لا يعترفون بأحقية الاختيار أو حتى التفكير الحر، وهذا ما زال إلى اليوم إن كان على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى بين المسلمين الموجودين في فرنسا فلا يوجد أدنى اختلاف من هذه الناحية.

تم سؤالي عن كلمات الدخول إلى موقع الفيس بوك الذي رفضت أن أعطيه، لأنه كان هناك رسائل لأشخاص يعيشون في الضفة الغربية وينشطون على السوشيال ميديا بأسماء مستعارة لكن في حديثهم معي كانت هناك أسماء حقيقية. فطالت تلك الفترة إلى أربعة أشهر التي كانت من أسوأ ما مر في حياتي.

كيف مرت الشهور التي قضيتها في السجن؟

بعد مرور الأربعة شهور الأولى، تم عرضي على المحكمة وكانت محكمة عسكرية بدون وجود محامي وتم توجيه ثلاثة تهم لي وهي إهانة الشعور الديني، والتعدي على أرباب الشرائع وأخيرا إثارة النعرات الدينية والمذهبية والطائفية، لا تتعجب من هذه التهم فأنت في دول العالم الثالث الذي ينص في دساتيره خلال المادة الثانية أن الإسلام هو أحد مصادر التشريع!

اعترضت على القاضي في البداية على أنها محكمة عسكرية، فقال لي بأن الفعل الذي قمت به يؤثر على الشعب الفلسطيني بأكمله وليس فقط علي انا شخصيا.

واستمرت المحاكمات طيلة هذه الفترة مع وجودي داخل مقر المخابرات، الأمر الذي استغله مدير المخابرات في محاولة منه لإرجاعي إلى الإسلام. فكان لي نقاشات مع بعض الشيوخ من السلفيين داخل المقر الذين يمتازون بالسطحية والإيمان بالقرآن وأقوال ابن عثيمين، حيث إني أتذكر عندما ناقشنا بدوران الشمس فقالوا بأنها لا تدور ومن قال بدورانها كافر ونحن نعرف بأن هذه هي فتاوى ابن العثيمين استنادا إلى القرآن.

ومن ثم كان هناك محاضر في إحدى الجامعات الفلسطينية الذي جاء يناقشني بالتطور وحقيقته ومجموعة أخرى من الشيوخ الذين يتاجرون بالدين ويحفظون بعض التعليقات والجمل التي أكل الدهر عليها وشرب وتجاوزها الزمن في هذه الخطابات. وبكل تأكيد كل هذا كان تحت ضغط نفسي كبير جدا.

بعد شهور من السجن تم الإفراج عنك في فترة عيد الفطر مع استمرار المحاكمة (في حالة سراح). هل تم اعتقالك بعدها؟

تم الافراج عني نعم، ولكني كنت تقريبا تحت الاقامة الجبرية. فلا أي اتصال ولا حتى استعمال الانترنت، وعلي أن أذهب كل ليلة إلى مركز الشرطة من أجل التوقيع إثباتا أنني ما زلت في المدينة وأنني لم أغادرها، ومع كل هذا تم اعتقالي من قبل الاجهزة الامنية المختلفة لأنه كما تعلم نملك عدة أجهزة في فلسطين وكلها باستطاعتها الاعتقال.

فكان كل حدث على الانترنت ينتقد الاسلام يأتوا فيعتقلوني، فيتم اعتقالي يوم الخميس ليلا، لأن يوم الجمعة والسبت عطل فلا محاكم ولا شي ويتم الافراج عني يوم الأحد. وحتى في تلك الحجوز كنت في بعض المرات أكون مع سجناء آخرين الذين يبدؤون بمحاولة هدايتي أو حتى يصل الأمر بهم إلى تهديدي في حال الخروج. وحتى عندما حاولت أن أقف عن نقد الإسلام محاولا بدء حياة جديدة كان المجتمع ينظر إلى كشيطان بينهم.

فكان لا بد لي من الخروج، لأني فهمت وعرفت بأن لا مكان لي في ذلك المجتمع. فالأصدقاء قبل السجن لم يعودوا بعد الإفراج عني وكذلك بعض من أفراد العائلة من الدرجة الثانية لم يعودوا للحديث معي أيضا، وذلك بسبب انتماءاتهم السياسية للأحزاب الإسلامية مثل حماس أو حزب التحرير الذي يدعو الى إقامة الخلافة وإحلال الشريعة! ومع هذا كله ما زالت المحاكمة سارية المفعول.

قررت مغادرة فلسطين وطلب اللجوء إلى فرنسا. لماذا اخترت فرنسا؟ هل كان من السهل مغادرة الحدود؟

نعم فعلت بعد أن وصل الحال إلى ما وصل إليه. أثناء فترة خروجي من شهر سبتمبر 2011 إلى شهر فبراير 2012 وقتها قررت الخروج وغادرت قلقيلية في يوم عيد الحب، حيث الكل كان يحتفل بالحي وأنا كنت احتفل بالكراهية الممارسة ضدي بسبب اختلافي معهم في العقيدة، فتوجهت صباحا نحو الأردن في إحدى سيارات الأجرة ولم أكن أحمل سوى حقيبة صغيرة لكي يتيسر لي أمري ولا أتعطل..

وفي الأردن اخترت التوجه الى السفارة الفرنسية، واخترت فرنسا لأنني لم أكن في ذلك الوقت أريد أن أضيع وقتي في البحث عن دولة أخرى، حيث إن فرنسا ومن خلال وزيرة خارجيتها كانت تحدثت عن وجوب الإفراج عني في موتمرين صحفيين، فكان من السهل على التوجه إلى السفارة الفرنسية، لأنهم على علم ودراية كافية بقضيتي وتحقق لي ما أردت حيث تم منحي فيزا للتواجد في فرنسا والحصول على اللجوء السياسي.

أسست في فرنسا “المجلس للمسلمين السابقين في فرنسا”. لماذا أنشأت هذا المجلس؟ وكم عدد أعضاء هذا المجلس؟

مجلس المسلمين السابقين في فرنسا الهدف من انشائه هو الدفاع عن الحقوق والدفاع عن حرية العقيدة والدفاع عن العلمانية في وجه من يحاول استغلالها، وأن يكون بمثابة رمز في فرنسا يقول بأننا موجودون.

الفرنسيون والأوروبيون يحكمون على الشخص اذا كان اسمه عربي أو شكله عربي بأنه مسلم. كان لابد من تغيير هذه النمطية، بأننا موجودون ونخرج من الإسلام ونصبح ملحدين، وأيضا ليكون المجلس كمنارة تقول للخائفين بأنك لست لوحدك. نحن كثر وموجودين في كل عائلة مسلمة. وأن نكون صوت من لا صوت لهم.

عددنا الآن حوالي المئة شخص في فرنسا، والكثير من لا يستطيع أن يعبر عن نفسه بشكل علني. واعتقد أن الأسباب معروفة للجميع فيختار الدعم فقط. وبعضنا ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *