وجهة نظر

هل يطيح جمال بابن سلمان؟

خمسون يوما على العملية، ثمان روايات بدأت بالإنكار وصولا للاعتراف ب”تجزيء الجثة” و المطالبة بإعدام خمسة من فريق القتل…لا تزال قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده باسطنبول تطيح بالرؤوس و تزعزع العروش، و تقدم رسما جديدا لخارطة شرق أوسط جديد.

بين مُدافع إسرائيلي، مُساند مصري، صامت إمارتي (تدور حوله شبهات التورط بالوكالة: القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان)، مُتفرج إيراني، مُبتز أمريكي و مُتربص تركي، تجد السعودية نفسها مدافعة عن آخر الحصون: الملك و ولي عهده خطوط حمراء قال وزير الخارجية الجُبير. لكن، هل تصمد الخطوط الحمراء في وجه العواصف و مسلسل تسريبات و ضغوط معد سلفا لابتزاز و استنزاف قدرات دفاع الرياض؟

قضية بدأت بإنكار تام سعودي و وصلت لتأكيد مصدر في وزارة الخزانة الأمريكي أن من أصدر الأمر ولي عهد ثاني أغنى دولة نفطية (18% من الاحتياطات المعلنة خلف فنزويلا 20%) عقب اطلاع على فحوى تقارير جهاز المخابرات.

تقرير “سي أي إيه” بُني على اعتراض مكالمات لولي العهد و أخيه سفير بلاده في واشنطن، الأمير خالد بن سلمان.مكالمات الأول يرجح أنها احتوت إشارات لأمر التنفيذ، أما حديث الأمير الثاني فكان مع الصحفي المغدور لطمأنته قصد الانتقال لقنصلية بلاده و إتمام معاملات زواجه، عشرة أيام قبل عيد مولده الستين.

دخل خاشقجي القنصلية، شُتم و ضُرب و سُحل و اغتيل غيلة خنقا ثم قُطع. و بين رواية سعودية ثامنة تُحمِّل أمر إخفاء الجثة لمتعاون محلي (تم التوصل لصورة تقريبية له!) و أخرى تُركية تفيد أن رأس جمال طار للرياض تأكيدا على إنجاز المهمة، تبدو عملية الاغتيال مسلسل دراما لا يكف أبطاله عن السقوط تباعا.

آخر ورقة قد تكتب في سيناريو القصة سقوط محتمل للأمير القوي بعد تقرير لوكالة رويترز عن استعداد عشرات أمراء آل سعود الحاكمة تولية الأمير أحمد بن عبد العزيز خلفا لأخيه سلمان بمباركة أمريكية، ربما كتكتيك يتجاوز حتى مرحلة تنحية بن سلمان من ولاية العهد.

كل المؤشرات تقول أن الملك سلمان ( يقول معارضون أنه مصاب بالزهايمر منذ 2013) غير مُلم و لا مُمسك بزمام الأمور، ما يضع فرضية قيامه بتغيير في هرم السلطة محل شك. أمر يزداد صعوبة بمعرفة شبكة مصالح و ولاءات بناها ولي العهد خلال ثلاث سنوات من صعوده.

سيناريو التغيير العمودي يظهر صعبا مقابل تغيير مواز بدأ فعلا بسحب العديد من سلطات القرار من الأمير الشاب المتصف بالتهور و منحها ل”مجلس حكماء”، تمهيدا لتنحية الملك الحالي و تولية أخيه أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية السابق، من اعترض على تولي الأمير الشاب ولاية العهد و رفض بيعته، ليفر للخارج قبل العودة، بعد عملية الاغتيال، بضمانات أمريكية بريطانية.

أكثر من 1000 أمير سعودي لهم دخل مباشر في شؤون تسيير البلاد يتهيئون لإنقاذ العرش، و معه استقرار مملكة يظل وجودها كدولة من وجودهم، خصوصا بعد أن ضاقت خيارات ترمب و من يريد بقاء “إم بي إس” لضمان مصالح اقتصادية (مليارات السلاح و البنية التحتية) أو سياسية ( تطبيع مع إسرائيل و تحالف معها ضد عدو وجودي: إيران و الإسلاميين).

ترمب، الذي تؤكد تقارير أنه علم بهوية الآمر بالقتل منذ الأيام الأولى، يحاول ربح الوقت و إعطاء مهلة لتحركات الداخل السعودي قبل اتخاذ موقف حازم يتناغم مع قرارات الأسرة في من سيخلف الأمير محمد بن سلمان، و ربما والده.

أمير ضاقت فرص نجاته مع الحديث عن تقديم خمسة عناصر قربانا للتكفير عن خطأ قتل معارض بطريقة هي الأسوأ على الإطلاق (وصف ترمب). فإعدام خمسة من منفذي العملية لو تم (كما طالبت النيابة السعودية) سيعني للخارج قتل شهود مهمين في القضية، و لدائرة المخلصين عدم أمان بعد تنفيذ الأوامر.

أما الإبقاء على العناصر الخمسة أحياء فيشكل مصدر قلق لأنهم شهود يمكن أن يمثلوا أمام عدالة دولية في أي وقت ( تذكروا قضية لوكربي و عميل المخابرات الليبية عبد الباسط المقرحي) و في نفس الآن هم مجرمون لن يرضى المجتمع الدولي بغير عقابهم، فأين المفر؟

تعيين ملك جديد سيطوي ملف قتل خاشقجي و يمنع نشوب نزاعات بين الرابحين و الخاسرين في النزاع حول خلافة الملك سلمان. فريق سيقصى لصالح فريق آخر، مع ترتيبات لطي الملف دوليا، و ضمانات للحفاظ على سلامة الأمير و رجاله من بطش معارضين سابقين صُفوا و سُجنوا و أُضعفوا في طريق الأمير السريع صوب السلطة، و حفاظٍ على امتيازات مادية لجناح و فرع الملك سلمان إما نقدا و عدا، و إما بمناصب ذات طابع مالي صرف.

يبدو الهدوء المخيم في الرياض سابقا لعاصفة تغيير دراماتيكي لن يقل سرعة و مفاجأة عن ما حدث لدا صعود الصاروخ “إم بي إس”… و إن غدا لناظره لقريب.

* باحث مغربي في الجغرافية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *