وجهة نظر

من تغيير إلى قيام الساعة في المغرب

زلزال في منظومة القيم

إذا كان قيام الساعة له علامات صغرى وعلامات كبرى يتداولها العامة والفقهاء بالعالم الإسلامي، فإن تغيير الساعة بالمغرب جاء مباغثا مفاجئا وفي اجتماع حكومي استثنائي دون سابق إعلان، ليحدث رجة خلخلت القيم وتهدد بزعزعة الاستقرار وتدفع البلاد نحو تغيير بنياتها وعلاقاتها بتكريس الفردانية وضرب لجزء من الهوية المغربية المتوارثة في الأكل والنوم والعلاقات، في رجة عميقة ستخلخل التوازن النفسي، العلائقي والمجتمعي قد تقضي على بعض ما يتفاخر به المغاربة من تماسك عائلي لنقول : باي باي الفطور والغداء الجماعي؟؟ باي باي جلسات الشاي ؟ باي باي القيلولة ومرحبا بتشتت عائلي : آباء يخرجون للعمل قبل الثامنة، أبناء يلتحقون بالمدارس على التاسعة صباحا: توقيت رسمي للكبار، وتوقيت آخر مختلف ممد للأبناء بساعة واحدة فقط من 12 إلى الواحدة زوالا من أجل الراحة والغذاء في غياب الآباء…. هو تغيير جذري يربك بنية المجتمع المغربي ويؤثر لا محالة على منظومة القيم، الصحة، العلاقات المجتمعية وكثير من العادات التي نشأ عليها المغاربة في الأكل، الراحة، التجمع العائلي، قد يبدو للبعض إضافة ساعة أمرا بسيطا لكن هذا التغيير سيغير أشياء كثيرة في بنية المجتمع المغربي، لن يتكيف معها المغاربة بيسر، وأكيد سيكون ضحايا هذا التغيير كثر وتكلفته الاجتماعية باهضة جدا، وسيحتاج المغاربة وقتا طويلا للتكيف مع التغييرات الجذرية التي سيحدثها ، ووقتا أطول للبحث عن الحلول للمشاكل الناتجة عن تغيير فيه الزمن المهني مخالف للزمن المدرسي …

لقد كان القرار مفاجئا والاجتماع الحكومي استثنائيا والنتيجة ترسيم ساعة إضافية للتوقيت الرسمي الذي كان يوافق توقيت كرينيتش ليصبح توقيت المملكة هو كرينتش + ساعة، ويشكل القرار صدمة قوية أثارت ذبذبات موجتها غضبا شعبيا عارما بعدما كان المغاربة يتأهبون للعودة للتوقيت الرسمي وإنهاء العمل بالتوقيت الصيفي الذي كان سينتهي مع متم شهر أكتوبر…

سبب هذا الغضب لا يكمن في حذف أو إضافة ساعة ولكن في الزلزال المجتمعي المترتب على هذا التغير، الذي يعادل في نظر البعض تغيير الموقع الجغرافي للمغرب، تغيير أشبه بدفع البلاد شرقا لتكون في موقع الجزائر أو تونس ، وهو تغيير سيغير مواعيد شروق وغروب الشمس، مواعيد الصلاة، مواعيد الأكل ، ويؤثر على طول الليل والنهار خاصة في فصل الشتاء، مما سيحتم على المغاربة الاستيقاظ مبكرا والخروج للعمل مع آذان الفجر أحيانا وبالتالي تغيير الساعة البيولوجية للإنسان المغربي الذي سيصبح الفطور عنده بمثابة سحور، ويجد نفسه مجبرا على الصبر وتحمل الجوع مدة أطول عما هو معتاد لدى المغاربة، كما أن خروج الآباء للعمل قبل شروق الشمس سيحدث ضغطا نفسيا غير مألوف نتيجة غياب الأمن المجتمعي، والأمن النفسي على الأبناء الذين لن يلتحقوا بمدارسهم إلا في التاسعة صباحا دون مرافق، بعد أن أضحى التوقيت المدرسي في المدارس العامة والخاصة بكل أسلاكها من التاسعة إلى الواحدة زوالا، وهذا وحده كفيل بزلزلة المجتمع، فالمغاربة نشأوا على تناول وجباتهم الغذائية مجتمعين ، اليوم بهذا التوقيت سيتم إقبار هذه العادة الغذائية الآباء سيغادرون للعمل وأبناؤهم نيام ، وسيعود الأبناء في منتصف النهار والآباء غائبون عن المنازل، مما سيكرس لا محالة الفردانية ويجعل كل فرد يتناول غداءه واقفا ومنفردا ومن تمة سيقضي هذا التوقيت على اللمة العائلية والفرصة التي كانت تتيح للمغاربة مشاركة قضاياهم ومشاكلهم ومتابعة الأخبار الزوالية على طاولة الأكل حتى غدت جزءا من الهوية المغربية… كما أن أكل الفرد منفردا سيؤثر لا محالة على الجانب الاقتصادي للأسر، فالأسرة التي كانت تعد طعاما جماعيا فتجتمع العائلة على طبق تضامني واحد ستضطر لإعداد أطباق بحسب أفراد الأسرة وهو ما سيثقل لا محالة كاهل الأسر المحدودة الدخل…

إضافة إلى ذلك التوقيت الجديد سيقضي بالمرة على خصوصية مغربية تتوحد فيها دول البحر الأبيض المتوسط، وهي عادة القيلولة، بهذا الوقيت سيقول المغاربة (وداعا القيلولة) وهو ما سيولد ضغطا نفسيا وصحيا لدى نسبة كبيرة من المجتمع التي ترى في تلك القيلولة ضرورة لا محيد عنها. كما سنقول وداعا لجلسات الشاي المسائية ….

إن قصر المدة الفاصلة بين الحصة الدراسية الصباحية والمسائية وحده كفيل بإحداث نتائج وخيمة على المجتمع المغربي بيئيا وصحيا لأنه سيفرض استفحال ظاهرة بائعي الوجبات السريعة قرب المؤسسات التعليمية وما يترتب عنه تلويث للفضاء وأمراض جراء غياب النظافة والوقاية وانتشار التحرش والاعتداء حول أصحاب تلك الوجبات، إضافة إلى الإرهاق البدني الذي سيعاني منه الأطفال جراء طول مدة الزمن المدرسي حوالي 10 ساعات يخرج التلميذ قبل التاسعة و لا يعود للبيت إلا بعد السادسة دون راحة .. بهذا التوقيت ستتراجع المردودية والتحصيل الدراسي نتيجة ضعف التركيز وضعف التغذية، ولن يوجد تلميذ مغربي يحب المدرسة مستقبلا، وتستحيل الحياة جحيما في الصباح ومسلسل رعب في الزوال وإنهاك في الليل خاصة مع قلة وانعدام وسائل النقل، وضعف أو غياب المطاعم المدرسية…

في الختام كل المغاربة ينتظرون تغيير في حياتهم نحو الأحسن، لكن هذا التغيير المفاجئ تغيير أحادي الجانب، وتغيير جزئي يتطلب أن يرافقه تغيير للبنيات المجتمعية وهياكلها، وتوفير الشروط الضرورية لإنجاحه من توفير الأمن ، النقل، المطاعم، المرافقة الصحية والنفسية وإلا سيجد المغاربة أنفسهم بعد شهور قليلة مجبرين على العودة لتوقيت غرينيتش بعد قرار يهدد السلم الاجتماعي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *