وجهة نظر

تأهيل التدبير العمومي وشرط الكفاءة والنفس الوطني

تفاعلا مع ما يحفل به الشأن العام ببلادنا، من قضايا وتحديات، وأحـداث ووقـائع، بعضها للأسف مُنغصٌ، وبعضها والحمد لله يعزز شُعلة الأمل، تابعنا الأسبوع الماضي، ما ظهر أنه استمرار لوضع حرج وجدت فيه نفسها اللجنة المُشكلة تحت رئاسة السيد رئيس الحكومة، إثـر عـدم توفقها في صياغـة تصور استراتيجي “لتأهيل عرض التكوين المهني”، كما طلب ذلك منها جلالة الملك محمد السادس، رئيس الدولة، خلال جلسـة العمـل المنعقدة يوم الفاتح من أكتوبر 2018.

وقبل تسطير بعض الخلاصات و استنباط بعض المعاني مما قيـل، ومما لم يُقـل، يجـدر التذكيـر بمسار الملف الذي انطلق بتميز، في جلسة عمل خصصت لموضوع “تأهيل عرض التكوين المهني وتنـويع وتثميـن المهـن وتحديـث المناهـج البيـداغـوجيـة”، في سياق “تنفيذ الأولويات والتدابير المحددة” في خطابي العرش وذكرى 20 غشت لهذه السنة، والتي أكدت على وجود رغبة سيادية قوية في جعل قطاع التكوين المهني “رافعة استراتيجية، ومسارا واعدا لتهييء الشباب لولوج سوق الشغل”، وتحقيق الإندماج المهني والسوسيو اقتصادي. خلال تلك الجلسة، منحت اللجنة مُهلة ثلاثة أسابيع “لبلورة وعرض مشاريع وإجراءات دقيقة”. فانتظرنا مستبشرين متفائلين، إلى أن طالعنا، مساء يوم السبت 27 أكتوبر 2018، بلاغ مقتضب يخبر أن اللجنة التمست “منحها مهلة قصيرة من أجل استكمال المهمة المنوطة بها”. ولأن المنطق العام الذي تندرج فيه كل هذه الجهود يبتغي الخير للوطن، و يسعى للجودة في المقترحات والدقة في العمل، كان طبيعيا أن يتقرر منح اللجنة مهلة إضافية، لم يتم الإفصاح عن مدتها.

ثم مـر أسبـوع، وأسبـوعيـن، فثـلاثـة أسـابيـع، لتصبـح “المهلـة الإضافيـة” متساويـة مع الأجـل الأصلي للمهمة، لندخل مرحلة التساؤل حول أسباب التأخيـر ودواعيـه. توالت الأيام لتكمل المهلـة شهـرا، ويتسرب إلى الغيورين توجس حقيقي. فبينما كان ما تم التعبير عنه عند من إحداث اللجنة، هـو تجسيد عملي لبداية مسار، طويل ومعقد ومتسارع، نريده أن ينجح ليبقي شعلة الأمل تنيـر الدرب من خلال تحريك المياه الراكدة في عدة قطاعات عمومية، سعيا لتحقيق للجودة والنجاعة وتحقيق تأهيل شامل لتدبير الشأن العام ببلادنا؛ واعتبارا لكون ما حدث هـو سيرورة عاديـة لحالات لجـان موضوعاتيـة سابقـة، تميـز إحداثها بالجدية والمسؤولية والحرص السيادي الحكيم، على أن تقوم كل المؤسسات والسلطات بمهامها، في احترام تـام للأدوار المؤسساتية المحسـوم فيهـا دستـوريـا؛ فـي سيـاق ذلك كلـه، تفاجئنا أن ما كان يفترض أن يكون ولادة طبيعية لبرنامج عمومي جديد، خاص بتأهيل قطاع التكوين المهني، تتجلى من خلاله أشياء ملموسة يفرح بها الشبـاب، تحول الأمـر إلى ما يشبـه ولادة قيصرية بضغط نفسي يفـرض انتظـار آخـر فصول العملية للتأكـد أوُلـد المـولـود المنتظـر؟ وعلى أي حال وُلد؟

أعترف أن أول ما بـدر إلى ذهني، أمام طول المهلة التي أخذتها اللجنة الحكومية، هـو الإعتقـاد أننا ربما بصدد شيء يشبه حكاية، مُضحكة مُبكية، عن ذلك التلميذ “المهذب المبتسم”، الذي كان الناس يقولون عنه أنه “لطيف ومسالم”، يمشي بين أقرانه مدعيا أنه جاد في عمله، موهما الجميع أن الكفاءة لا تعوزه، بينما هو يمعن في التحايل على أساتذته، بمائة سبب و سبب، كلما طالبـوه بإعـداد فـرض منزلي. حتى إذا جاءت ساعة الامتحان المباشر في الفصل الدراسي، تعلل وتأخـر، بل مرض وغاب… ليدرك الجميع أن التلميذ المسكين لم يكن إلا مكابرا بين منزلتي ضعف الكفاءة، وغرور عن الإعتراف بنقائصه و طلب العون والمساعدة، لعل مستواه يرقى.

وفي حالة لجنتنا المحترمة، خشيت من أن يكون واقع الحال أقبح من حالة التلميذ “المهذب المبتسم”، إلى أن صدر، بحرص متميز على التواصل المؤسساتي الهادف والمحترم لذكاء المغاربة، بلاغ ثالث يخبرنا أن جلسة عمل تمت تحت الرئاسة الملكية السامية، يوم الخميس 29 نونبر 2018، و”خصصت لمتابعة موضوع تأهيل وتحديث قطاع التكوين المهني”. ألقيت السمع متمعنا فيما قيل محاولا تحليل ما تم تنـاولـه، يقينـا مني أن في التفاصيـل خلاصات قوية وإشارات دقيقة لا يجب أن نغفلها، لتتضح الصورة ويكتمل المعنى.

أخبرنا البلاغ أن جلالة الملك استفسر أولا، في بداية جلسة العمل هذه، عن “تقـدم تنفيـذ مخطـط التسريع الصناعي لجهة سوس ماسة، الذي سبق لجلالته أن ترأس انطلاقته في 28 يناير 2018 بأكادير”. مخطط اعتبر حينها منطلقا “للتنـزيـل الجهـوي للاستراتيجية الصناعية الوطنيـة”. حيث أثـار عـاهـل البـلاد الانتبـاه “لتعثـر هـذا المخطـط، الذي لم يعـرف أي تقـدم منـذ إطلاقـه، داعيا القطاع المعني، إلى تظافـر الجهـود، وتحمـل مسؤولياته، قصد الإسراع بتنزيله داخـل الآجـال المحـددة”. مضمون الكـلام واضح في البلاغ، ومكمـن الخلل المسجـل جلي، وأصحابه معروفون، وعليهم تحمل مسؤولياتهم.

في الحقيقة، الخلاصة في هذا الجزء من الموضوع شديدة الأهمية، وتحتاج لوحدها وقفة تأمل طويلة وتحليل شجاع يقول الحقيقة ولا يجامل، لأن استمرارنا في الصمت أمام هـدر الحكومة للوقت وللزمن السياسي يجب أن يتوقف، وإلا سنكون متواطئين ضد مستقبل بلـدنا، وحاشا لله أن نكون كذلك. إن تضييع مدة “أحد عشر شهرا” مرت دون فعل ناجع، تحيل إلى أن التزام الآجال والتعاقدات، بالنسبة للفاعل الحكومي المغربي، لا تمت بصلة لمنطق التدبير الرصين لقيمة أساسية في التدبير ألا وهي الوقت، في ارتباط بتعقـد المحيط وسرعة تغير معطيات الواقع وشراسة الصراع الاقتصادي والتنافسي بين أقطاب العالم.

وإذا استحضرنا “أوراشا” أخرى أضاعت علينا فيها الحكومة وقتا كبيرا، خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تفكر وتتردد، وتتوجس من كل شيء، وتتصارع مع ذاتها، وتحسب حساباتها الضيقة بمفردها وبمعزل عن مقامات الحكمة والنصح الممكنة؛ أخشى أن يكون ما جرى، وما زال يجري، أخطر مما كنا نعتقد ونحن غافلون.

كنت أعتقد أن المهم عند بعض مدبري السياسات العمومية، والحالة هذه، هي أن يحققوا مكتسبات من تواجدهم بمناصبهم، وأن يظلوا بها وكفى. ولكن لنفكر قليلا… ألسنا أمام معضلة أعمق وأخطر تتجلى في سعي “غير معلن” لتمييع التدبيـر وتسفيـه ممارسة الشأن العام، في إطار منطق تعبـر عنه الدارجة المغربية بالقول “خليها تخماج… أنت مالك…”؟ (Stratégie du pourrissement).

المهم، بالعودة إلى موضوعنا الأساسي، أخبـرنـا البـلاغ أنه تـم إطـلاع عاهـل البـلاد على مكونات “برنامج تـأهيـل عرض التكوين المهني” الذي أعدته الحكومة. ولكن بين السطور ومن نبرات الكلمات، ظهر أن حالة من عدم الاقتناع مما تم تقديمه في “البرنامج”، قد حصلت، حيث طُـلـب من اللجـنـة “الإنكبابُ على بعض النواقص التي تشوبه، وعلى مسألة ضبط مصادر وآليات تمويله”. مع توجيه واضح بأن تسعى اللجنة للنهوض بالقطاع ضمن منظور متكامل لإصلاح منظومة التكوين المهني، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، واعتماد التناوب بين التكوين النظري والتدريب داخل المقاولات.

لا أخفيكم أنني تفاجئت لهذا الذي حصل لكوني كنت أعتبر أن الورش الموضوعاتي متيسـر ومقـدور عليه ولن يكون أبدا بهذه “الصعوبة” التي يظهر أن اللجنة الحكومية وجدتها في أداء المهمة، شريطة قيامها بتوسيع دائرة التشاور والاعتماد على الكفاءات الموجودة، والاستفادة مما لدى أطر القطاع المعني من تجارب، وما لدى الفاعلين المؤسساتيين من اقتراحات وبدايات حلول. وأقر أنني قلت منذ البداية، عندما تداولت مع أصدقاء كثر في هذا الأمر، أن فكرة إحداث اللجنة وتكليفها، بالمنهجية والشكل الذي تمت به الأمور، هو هـدية راقية على عدة مستويات و أوجه، تعـزز الإستثناء المغربي في نسق سياسي جهوي وعربي يعيش فوضى لم تستطع أن تخلق شيئا آخر غير العودة بمجموعة من الدول سنوات إلى الوراء في سلم التنمية و بناء الدولة الحديثة.

ففي الشق المؤسساتي والعلاقة بين الفاعلين، كنا يوم الفاتح من أكتوبر 2018، مرة أخرى، أمام محطة في مسار يتجلى من خلاله الحرص السيادي المغربي على تفعيـل مقتضيات دستورية واضحة، حددت اختصاصات لجلالة الملك باعتباره رئيس الدولة المغربية، يتفاعل معهـا بـروح حريصـة على تكـريس سيـادة القانـون وتقـويـة العمـل المؤسساتي وتعـزيـز البنـاء الديمقـراطـي. ولتذكير من يحتـاج إلى ذلك، يمنـح دستـور المملكـة رئيـس الدولـة، من بيـن أدوار أخـرى متكاملة ضمن البناء المؤسساتي المغربي الخالص، اختصاص ترؤس المجلس الوزاري بمقتضى الفصل 49، والذي يتداول، من بين أمور عديدـة، في “التـوجهـات الاستـراتيجيـة لسيـاسـة الدولـة”. بينما منح نفس الدستور، في الفصل 89، الحكومة كامـل السلطة التنفيذية، وخولهـا “تحت سلطة رئيسها”، أي تحت سلطة رئيس الحكومة المعين من الحزب الفائز في الإنتخابات، اختصاص “تنفيـذ البرنامـج الحكـومي” و”ضمان تنفيذ القوانين”. وأقر الدستور للحكومة أن “الإدارة موضوعة تحت تصرفها”، وجعل الحكومة تمارس، بشكل سيادي، “الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”. وبالتالي، مسؤولية صياغة وتدبير السياسات العمومية مسؤولية حكومية صرفة. نقولها إذن، مرة أخرى، وسنعيد قولها: نحن أمام اختصاصات واضحة، لمن خلُصت نيتـه وأراد اقتفاء سبيل السداد والوضوح، وتحمل المسؤولية حقا وفعلا.

ومن كل ما سبق، تكون جلسة العمل، التي تحدث عنها البلاغ ، لحظة تدبير مسؤول للشأن العام برئاسة عاهل البلاد رئيس الدولة، و بحضور رئيس السلطة التنفيذية رئيس الحكومة. لقاء بين المؤتمن على الرؤية والتوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولـة، و”ممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها”، الذي “يسهر على احترام الدستور، وحسن سيـر المؤسسات الدستوريـة، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”؛ وبين المسؤول عن الإدارة وعن المؤسسات والمقاولات العمومية، المُحدد لميزانياتها، والمتتبع لبرامج عملها، ورئيس مجالسها الإدارية كلها، مباشرة أو من خلال الوزراء المفوض لهم تلك المهام، والمشرف على تعيين مدرائها، في حدود اللائحة المعنية من المؤسسات، وهي كثيرة العدد وكبيرة القيمة.

أما، في الشق الموضوعاتي، فقد كانت اللجنة أمام فرصة تناول ورش “تطوير وتأهيل منظومة التكوين المهني” وجعلها أكثر ملائمة ونجاعة. وأي شيء أمتع وأرقى من الإشتغال لفائدة الشباب، ومع الشباب ولأجلهم، بغية مساعدتهم في إنقاذ مستقبلهم وحمايتهم من التهميش، وتعزيز حظوظهم في بلوغ المراد مهنيا واجتماعيـا؟ لما الوهــن الحكـومـي إذن؟

لأشرح مبررات استغرابي من حجم الصعوبة التي وجدتها اللجنة الحكومية في الإتيان بالمطلوب، أعود بكم إلى ما حفل به نفس بلاغ الديوان الملكي بتاريخ الفاتح من أكتوبر 2018، لنتقاسم منه الآتي من توجيهات كانت واضحة ومرتبة بشكل منهجي سلس يساعد على بناء تصور استراتيجي متين.

فقد جاء في البلاغ، أن جـلالـة الملك، أخـذ علمـا بأولى المقترحات والتدابير التي يتعين اتخاذها من طرف القطاعات المعنية و”على الخصوص، إعادة هيكلة شعب التكوين المهني، وإحداث جيل جديد من مراكز تكوين وتأهيل الشباب، وإقرار مجلس التوجيه المبكر نحو الشعب المهنية، وتطوير التكوين بالتناوب، وتعلم اللغات وكذا النهوض بدعم إحداث المقاولات من طرف الشباب في مجالات تخصصاتهم”، أعطى جلالة الملك تعليماته السامية من أجل “تطوير تكوينات جديدة في القطاعات والمهـن الواعـدة، مع تأهيـل التكوينات في المهن التي تنعت بالكلاسيكية، (…) مثل تلك المرتبطة بقطاعات الصناعة، والخدمات، والبناء والأشغال العمومية، والفلاحة والصيد والماء والطاقة والصناعة التقليدية”. ثم جاء شدد عاهل البلاد “على ضرورة تطـويـر عرض التكوين المهني بشكل أكبـر، من خلال تبني معايير جديـدة للجـودة، خاصة في قطاع الفنـدقـة والسيـاحـة، بكيفيـة تحفـز وتـواكـب الإقـلاع الضروري لهـذا القطـاع الإستراتيجي”. وأبرز البلاغ الحرص الملكي “على التكوين المهني في قطاع الصحة، بما يشمل المهن شبه الطبية، ومهن تقنيي الصحة، لاسيما في مجال صيانة وإصلاح التجهيزات الطبية، حيث توجد إمكانيات حقيقية للتشغيل”. ثم أضاف توجيهات ملكية للجنة “قصد بلـورة تكوينات مؤهلـة قصيـرة، تنـاهز مدتها أربعة أشهـر، تشمل وحدات لغوية وتقنية مخصصة للأشخاص الذين يتوفرون على تجربة في القطاع غير المهيكـل، وذلك من أجل منحهم فرصة الاندماج في القطاع المهيكل ومن تم تثمين خبراتهم وملكاتهـم”.

يجب الإعتراف صراحة، أن كل هذه الأفكار والتوجيهات المتقدمة توحي باكتمال الخطوط الاستراتيجية لتصور سيادي بشأن محور التكوين المهني، من خلال إدراك مضبوط لنقط القوة الموجودة وللفرص الواجب استثمارها، وعبر رصد واضح لنقط الضعف المسجلة وفهم دقيق للمخاطر الواجب الحد من أثرها وتجاوزها. وهنا أتسائل كيف أمكن للجنة ولرئيسها، الخطأ في المسعى وهي تنطلق في مهمتها بأطر منهجية واضحة (Termes de références clairs) ؟

سؤالي مشروع، وسيفهم معنى كلامي كل الأطر التي اشتغلت في إنجاز دراسات استراتيجية في الإدارات والمؤسسات العمومية، حيث كنا دائما نقول، وبدون تردد، بأن 50 % من شروط إنجاح أي دراسة استراتيجية ترتبط بجودة الأطر المرجعية المؤسسة لها.

ماذا إذن علينا أن نفهم من كل هذا التخبط ؟

أوجدت اللجنة الحكومية نفسها، بعُـدتها وعديدها، عاجزة عن إبداع المجهود الفكري والتحليلي والإبداعي في ال 50 % المتبقية من المهمة ؟

في ظني، أنه كان يكفي اللجنة الحكومية أن تقوم ببساطة بما يلي :

1/ تعميق التشخيص وتعبئة الإحصائيات المرتبطة به، بحسب النوع وبمقاربة مجالية،

2/ إنجاز المقارنة مع المحيط واستحضار التجارب الناجحة،

3/ تحليل السيناريوهات الأنجع وتقديم الخلاصات المنطقية،

4/ تحديد الميزانيات المتوقعة ومخطط أجرأة التنفيذ والتتبع،

5/ إعداد خرائط تحدد مواقع تواجد وحدات عرض التكوين، وتقسمها بحسب أنواع التكوين،

6/ تحديد تواجد أنظمة الإنتاج المحلية والقطاعية المستقطبة للشباب والمحدثة لفرص الشغل،

7/ تقديم بدايات تجديد المسارات البيداغوجية بطريقة مبتكرة، لتقريب مضمون العرض من احتياجات المشغلين المفترضين،

8/ اقتراح إطار تعاقدي للشراكة يساهم في إنجاح تنقـل الشباب من مركز التكوين إلى المقاولة،

9/ وضع حزمة تحفيزات للمقاولات ولفيدراليات المهن،

10 / اقتراح ميثاق ضمن رؤية شاملة تنبني على المسؤولية المشتركة بين الدولة الإجتماعية والمقاولة المحترمة لمسؤولياتها المجتمعية والاجتماعية.

وأجزم أكثر، أنه بالرغم من كارثة عملية “التقاعد النسبي” التي تم تدبيرها بشكل متسرع لم يستحضر مصلحة تحقيق استدامة تدبير المعرفة المهنية والحفاظ على الخبرات المؤسساتية، إلا أن الرصيد الهائل من الكوادر والكفاءات المشتغلة بالإدارة المغربية، وبالشركات وبالمقاولات، تمتلك من الذكاء ومن القدرة ما كان يكفي ليجعل “اللجنة الحكومية” تقوم بالمهمة بسرعة وتميز. فرغـم كل ما عانته إداراتنـا المغربيـة، منذ قرابـة ست سنـوات، من شيـوع متعمـد لثقـافـة التشكيـك في كـل شيء، وتلويث سمعة الجميع وإشاعـة ثـقـافـة التخويف، بناء على اعتقاد مغلوط بأن الكل فاسد وأن الكل منحرف وطامع، حتى صار الناس لا يثقون لا في مؤسسة ولا في إدارة، مما شجع هوامش الفساد والسمسرة على الإشتغال لتأكيد واقع الحال المختل. ورغم كل ما تعانيه إداراتنا المغربية من تضييق على الكفاءات، وتغليب للولاءات، واعتماد لمنطق الزبونية السياسوية في عدد من التعيينات، ورغم عـدم مأسسة التواصل الداخلي، وغياب منظومة لتحفيز وتقوية قدرات الموارد البشرية، ورغم انعدام فضاءات الإبتكار والتجديد Recherche et développement et d’incubateurs d’innovation، ورغم تكريس تغييب أنماط التدبير الحديث المرتكزة على بناء مؤسسات يتحرك داخلها ذكاء جماعي كثمرة التحام و وحدة الذكاء الفردي المتنوع لأطرها، ، Des organisations où les intelligences individuelles diversifiées fusionnent pour créer une intelligence collective institutionnelle) ، رغم ذلك كله لا زال الخير في أطر وكفاءات الإدارة المغربية ممن ولائهم لهذا الوطن ولثوابته أولا. وعلى الحكماء أن يمـدوا أيديهم و أن يرفعوا الحيف وأن يردوا الإعتبار للجميع. وحينها، أقسم أن لـو حـدد المغرب سنة 2030 أفقـا لتحقيق هـدف نهضة شاملـة جامعـة مانعـة، لأدت كفاءات هذا الوطن، وشبابه ونسائه، المطلوب مفتخرين بمغربيتهم، متباهيـن أنهـم جـزء من صناعة الأمـل، ومؤكديـن استحقـاقهـم ليكونـوا ورثة أجدادهم الأشاوس الذين صمدوا أمام الرياح العاتية لكل غاز متسلط، إلا من قـدم أرض المغرب بقيم الخير وقاصدا المودة ومقدما التقدير لعراقة هذا الشعب وأصالته.

مرة أخرى أختـم بالقـول، وسأعيد القـول لاحقا، أظـن أن استمرار البعض في حسابات سياسوية ضيقة، ترفض انصهار كل الكفاءات في هوية مغربية خالصة، وتسترسل في تهميش الذكاء الجماعي، وتضييق مشاركة كل الحساسيات الفكرية والمجتمعية في مجهـود التفكيـر الاستراتيجـي للخروج من هذه “الورطة الحضارية” التي سقطنا فيها منذ حيـن، لن يفيد ولن يجدي نفعا، بل سيحبط العزائم ويكرس دينامية السير إلى المجهول.

إن استمرار السعي للإستقواء بقوة “الظواهر الصوتية” التي تتحرك وفق أجندة تدور حول الأنا المجروحة وتسعى لكي لا يلفها النسيان، واستمرار الانخراط في إشاعة التيئيس بغرض شل الذات المجتمعية عن أي فعل إيجابي يبني المستقبـل، لن يؤدي إلا إلى تكريس العزوف واللامبالاة. كما أن اعتماد منطق أعـداد الأتباع والمريدين وأرقامهم، مع صادق تقديري للصادقين المحبين للوطن، هو محض غباء وغرور، لأن الأمر جلل على اعتبار أننا تجاوزنا مرحلة العمليات الحسابية العادية لنجد أنفسنا، في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، أمام معادلة معقدة، يجب أن نفك شفرتها جميعنا، لينتصر الوطن أولا، ولا نتيح الفرصة للمهانة وتطاول المغرضين.

ولأن أسباب الأمل في أرض المغرب وشعبه قائمة وحقيقية، ولأن كل الخير ممكن، فإن سبيل إبقاء شعلة الأمل متاح، شريطة أن نفهم طبيعة العطب، وأن نبتعد عن خلط الأوراق بمكر، والتسرع في إصدار الأحكام الجاهزة سلفا، وأن نحتكم إلى عقولنا بدل الإعتقاد بأن تمثل “مسوح” الصدق يجعل صاحبه بالضرورة صادقا يجب أن يتبع الجموع. ورفع الله عنا وعنكم شر ما يسوسون…

* فاعل سياسي وجمعوي / متخصص في التدبير والحكامة الترابية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *