أدب وفنون

ضمنهم مغاربة.. مترجمون يقاربون قضايا الترجمة ويعرضون تجاربهم بقطر

العمق المغربي من الدوحة

ناقش أكاديميون ومترجمون عرب وأجانب، ضمن الجلسة الأولى من المؤتمر الدولي الخامس حول الترجمة وإشكالات المثاقفة، الذي انطلق اليوم الثلاثاء بالعاصمة القطرية الدوحة (ناقشوا) موضوع إشكالات الترجمة العربية الألمانية، قدم خلالها 5 مترجمين من المغرب وتونس وسوريا وألمانيا، أوراقهم البحثية وتجاربهم في هذا المجال.

واستهل المترجم والأكاديمي الألماني “هارتموت فاندريش”، مداخلات هذه الجلسة، بورقة حول “حقل الترجمة واسع: والمترجم حارثه”، أبرز أنه لكي تصل نتائج عمل المترجم إلى المكتبات أو إلى سوق الكتب فإنه يجب أن تتوفر بعض الشروط التي ليس عمل المترجم واحدا منها، ولكن إنه عامل مشترك فيها بل أحيانا هو المسؤول الأول عنها لاسيما إذا كانت اللغة الأصلية للكتاب “لغة صغيرة” كما يتم تسميتها بالألمانية اللغات قليلة الملاحظة عند دور النشر مثل الصينية والهندية ! واللغة العربية هي أيضا لغة صغيرة في السوق الألمانية.

وبحسب “فاندريش” الذي ترجم أكثر من 50 عملا إلى الألمانية بما فيها أعمال نجيب محفوظ، فهذه الشروط هي: توفر أعمال أدبية جديرة بالترجمة، وتوفر أشخاص منتبهين لهذه الأعمال ويهتمون بصدورها، وتوفر مترجمين مهتمين ومتخصصين بالأدب العربي المعاصر، وتوفر دور نشر مستعدة لنشر هذه الأعمال وتوزيعها، وتوفر أفراد ومؤسسات تنتبه، ثم تنبه، إلى ما قد توفر من أعمال مترجمة من العربية.

ومن جهته، حاول الكاتب والمترجم المغربي عبد السلام بن عبد العالي، الإجابة عن سؤال ما طبيعة العلاقة التي تربط النص بترجمته، أو ترجماته على الأصح؟ انطلاقا من نص ڤالتر بنيامين «مهمة المترجم» «la tâche du traducteur» أو، تحديداً، من خلال نقل هذا النصّ إلى اللغة الفرنسية والقراءات التي أعطيت له داخل هذه اللغة، بتعبير المتحدث.

وشدد بن عبد العالي على أن هذا النصّ اتخذ، إلى جانب ما كتبه “غوته” و”شلايرماخر” و”هايدغر”، أهمية تأسيسية قصوى في الفكر الألماني، وهو في أصله، تمهيد استهل به “بنيامين” ترجمته الألمانية لقصائد بودلير “اللوحات الباريزية”، معتبرا أنه ليست علاقة الأصل بالترجمة علاقة أساسي بثانوي، ومخدوم بخادم، ولا هي علاقة أصل بنسخة كما يقال في عبارات يشتم منها إعلاء الأصل على حساب النسخ.

وأضاف مترجم “الرموز والسلطة”، أن الترجمات ليست بالضرورة تدهورا وسقطة تبتعد فيها النسخ عن أصولها، بل هي اغتناء ومجازفة قد تسفر عما لم يكن في الحسبان، لذا يستخلص دريدا: “إن العمل لا يعيش مدة أطول بفضل ترجماته، بل مدة أطول، وفي حلة أحسن mieux ، إنه يحيا فوق مستوى مؤلفه”، ويضيف بن عبد العالي، أن النص لا يبقى ويدوم فحسب، لا ينمو ويتزايد فحسب، وإنما يبقى ويرقى sur-vit.

وبدورها تناولت المترجمة والأستاذة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة فدوى الشعرة، بالتحليل بعض الجوانب النظرية والتطبيقية لترجمة التعابير المجازية في السياق الثقافي العربي الألماني، ووقفت المتحدثة، على تحديدات مفاهيمية للمجاز والترجمة في اللغتين العربية والألمانية.

وأشارت الشعرة، إلى أن المجاز هو نقل وانتقال، بمعنى عبور وتجاوز لما يفترض أنه أصل ومبتدأ في الكلام، ولا يختلف فعل الترجمة عن المجاز في هذا، فهو أيضا لا يتحقق إلا بتجاوز حدود الأصل مبتعدا عنه ومرتبطا به في آن واحد، مشددة على أن الترجمة ليست خدمة تواصلية ونفعية فقط، تنمحي آثارها بتحقيق الغايات منها، بل هي حركة أساسية في حياة الناس، تؤثر في أساليب عيشهم وتحدد علاقاتهم ببعضهم البعض وتبلور أشكالا جديدة للتفكير والسلوك اللغوي والثقافي لديهم.

وفي ذات السياق، قدم أستاذ الفلسفة الألمانية الحديثة والمعاصرة في جامعة صفاقس بتونس، ناجي العونلي، ورقته البحثية حول في الترجمة المتفلسفة: تعريف مفاهيم الفكر الفلسفي الألماني الحديث والمعاصر نموذجا، قال إن الغرض منها هو تدبر فكرةً في الترجمة لا من المنظور التقنيّ الاصطلاحيّ الصرف (كما درج معظم المنظّرين للترجمة)، بل من زاويةِ المناظرة الفكريّة التي من قوامها تفهُّم روح اللسان المنقول عنه (لا مجرّدُ حرْفه) لغاية استضافته واستقباله بما يناظره ويقوله على الشاكلة الأنسب، في اللسان المنقول إليه.

الترجمة وإشكالات التلقي

الجلسة الثانية والتي عرفت مشاركة 6 مترجمين وأكاديميين، من مصر والعراق وموريتانيا وإيران، وتونس، كانت حول موضوع “الترجمة وإشكالات التلقي”، واستهلها أستاذ الفلسفة الحديثة بتونس يوسف بن عثمان بورقة بحثية حول الإشكاليات التي يُثيرها فعل الترجمة ومسألة التلقي في تاريخ الفكر العلمي وما يتصل بهما من منافسات السبق في الاكتشافات العلمية وذلك من خلال دراسة مثالين اثنين أحدهما من تاريخ الفكر العلمي العربي-الإسلامي الوسيط، وثانيهما من تاريخ الفكر العلمي الغربي الحديث.

وبدوره، حاول أستاذ الفلسفة الحديثة بجامعة حلوان المصرية، مجدي عبد الحفيظ صالح، الإجابة عن سؤال ما الذي دفع إذن العرب للترجمة؟ وذلك عبر ورقته “دوافع وتلقي الثقافة العربية الإسلامية للترجمات الأولى للفكر اليوناني: ملاحظات أولية”، من خلال مقاربة تستند إلى السياق التاريخي، الذي دارت خلاله عملية الترجمة ومن ثمَّ تلقيها (القرن الثالث الهجري)، وتسعى إلى إماطة اللثام عما تم السكوت عنه أو عما تم الخلط فيه بين الحقيقة والخيال.

ومن جهته، طرح الموريتاني سيدينا سيداتي عدة أسئلة عبر ورقته التي اختار لها عنوان “قلق الوافد المعرفي في الفكر العربي الإسلامي الوسيط: محاولة في طبيعة تلقي نحاة القرن 4 هـ للمنطق اليوناني”، حيث قال إن القرن الرابع الهجري هو قرن إشكال العلاقة بين المنطق والنحو بلا منازع، إذ لم تكن القرون السابقة عليه إلا تمهيدا له، ولم تكن القرون اللاحقة له سوى تقرير وتفصيل لنتائجه. فكيف طرحت هذه الإشكالية في القرن الرابع الهجري؟ وكيف تلقى نحاة القرن الرابع الهجري المنطق اليوناني؟ وما هي مراحل ذلك التلقي ومساراته؟ وإلى أي حد يمكن أن ستفيد من تلك التجربة اليوم؟

أما الأكاديمي والمترجم العراقي علي حاكم صالح فتناول في بحثه حول “الترجمة والتبعية الفكرية في العراق”، مسألة شائكة وراهنة وهي: التبعية الفكرية العربية الحديثة للغرب، ضمن محور (مراحل التلقي وجدلية الصدمة – الرفض – الاعتراف – التقبل – التجديد – الإبداع). ويتخذ من حالة الثقافة العراقية منذ بداياتها قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 نموذجاً، ويواصل البحث تسليط الضوء على التيارات الأيديولوجية التي سادت الثقافة العراقية في العقود اللاحقة.

وتتبعت الأستاذة والباحثة في الدراسات الاستشراقية البريطانية رشا الخطيب، في ورقتها البحثية بدايات التعريف بالأدب الأندلسي وترجمته والاهتمام به في إنجلترا منذ القرن السابع عشر، حتى غدت الدراساتُ الأندلسية اليوم حقلاً معرفياً حقيقاً بالإشادة، وحقلا له مكانته واعتباره في بريطانيا.

وقالت الخطيب، “حي بن يقضان” نشرت لأول مرة في إنجلترا سنة 1671 بالنص العربي مرفقا بترجمة لاتينية، ثم توالت ترجمات ثلاث إلى الإنجليزية في غضون 30 سنة من نشرها لأول مرة. ولم يكن نشرها آنذاك إلا لأن موضوعها وافق هوى في نفوس المهتمين بها، فكان لها أثرها في مجتمع المثقفين وفي مجتمع الجمهور العام من القراء.

واختتمت مداخلات هذه الجلسة الثانية، بورقة بحثية للباحث والمترجم إلى اللغة الفارسية، حسن الصراف، حول موضوع “مكانة أدب “جلال الدين الرومي” في الثقافة العربية”، حيث يعرض في بحثهُ أسئلة أساسية في موضوعة ترجمة هذا الأدب العرفاني الفارسي إلى اللغة العربية، ويتّخذ من أعمال جلال الدين الرومي نموذجاً للبحث عن الأجوبة، على أنّه الشاعر والأديب العرفاني الأعمق والأكثر نتاجاً في الأدبَين الفارسي والعالمي معاً.

يشار أن هذا المؤتمر يعد ملتقى ثقافيًّا وفكريًّا للمترجمين العرب وغير العرب؛ حيث يشارك فيه نخبة من المترجمين والأكاديميين من مختلف دول العالم يزيد عددهم على 130 باحثًا ومشاركًا. تتنوع أبحاثهم وتجاربهم العلمية باختلاف لغاتهم وثقافاتهم، ولذلك فإن أعمال المؤتمر تتوزع على ثماني جلسات، يُعرض من خلالها ما يربو على أربعين بحثًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *