وجهة نظر

مغرب 2018 .. احتكار سياسي وحراك مجتمعي

يعرف المغرب هدرا كبيرا في زمنه السياسيوهو ما يزيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية تفاقما، خاصة إذا استحضرنا الأحداث الإقليمية والدولية بفرصها وتحدياتها من جهة، وإمكانيات البلاد وثرواتها المادية والجغرافية والحضارية من جهة أخرى. ولعل أهم الأحداث التي طبعت مغرب 2018تؤكد إسدال الستار على العرض السياسي الذي قدمه النظام المغربي سنة 2011 بشكل لا يدع مجالا للشك.

وهو ما يعني استمرارالسلطوية في تكبيد البلاد مزيدا من الخسائر بما يضع مستقبلها على المحك، ويديم واقع الفساد والاستبداد اللذين يكبلان مسارات التغيير، ويعرقلان الطموحات الشعبية التي جسدتها ديناميات احتجاجية مجالية وفئوية مطالبة بتنمية شاملة وكرامة إنسانية وحرية حقيقية وعدالة منصفة.

الاحتكار السياسي

تعتبر السلطوية شكلا من أشكال الحكم تقوم على الاستفراد بالسلطة واحتكار الثروة،فيما تضعف فيه بشكل كبير الإجراءات المتعلقة بالمشاركة الشعبية واختصاصاتالمؤسسات التمثيلية التيتساهمبقسط ضئيل في صنع القرار. وتبرزالسلطوية في المغرب من خلال الفصل الواضح بين الحكم والحكومة؛ فالحكم يستفرد بقرارات تشريعية وتنفيذية يتخذها فاعلون لا يخضعون لأي شكل من أشكال الانتخاب أو المحاسبة، فيما يتم تصدير مسؤولية الإخفاقات المتعددة على جميع الأصعدة لفاعلين ثانويين من داخل الحكومة والبرلمان، يُمنحون هامشا من السلطة ويوضعون بقوة القانون والواقع في موقع اللاحق والتابع والخادم. فتصبحالمؤسساتالمنتخبة التي يفترض فيها التمثيل الشعبي مجردهياكل تحت الطلب، تبدل جهدا كبيرا في إيجاد تبريرات لسلطوية النظام السياسي وتعزيزها وتثبيتها، ويتضح ذلك من خلال مثون دستورية أو ممارسات عملية تنتصر للملكية التنفيذية بعيدا عن فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.

فعلى مستوى السلطة التنفيذية يبرزارتباط التدبير الحكومي بالخطب والتعليمات الملكية وليس بالتعاقدات الحزبية التي تمت على أساسها الانتخابات التشريعية، ولا ببرنامج الأغلبية الحكومية الذي عرض على البرلمان.وتجلى ذلك في تصريح عبر عنه رئيس الحكومة عقب الخطاب الملكي لعيد العرش لسنة 2018 قائلا “مباشرة بعد الخطاب الملكي عُقد اجتماع حكومي بالقطاعات المعنية بهدف وضع برنامج تنفيذي”. كما تتضح سلطة الملك على الحكومة من خلالإعفائه لوزيرين جديدين بعد أن أعفى السنة الماضية أربعة وزراء آخرين دون إطلاع الرأي العام على أسباب وخلفيات هذا الإعفاء، فيما لم يجد الناطق الرسمي للحكومة ما يفسر به هذا القرار غير قوله “ليس لدي ما أضيفه”، وهي عبارة تقول كل شيء عن عجز الحكومة وحدود اختصاصاتها. ويتأكد هذا العجز الحكومي مع التخبط والارتجال الذي دبرت به الحكومة قرار اعتماد التوقيت الصيفي طيلة السنة وما رافقه من تدابير ارتجالية مرتبكة، وتصريحات متناقضة على مستوى الوزارات، في محاولة لأجرأة سريعة لقرار لم تساهم في صياغته فأحرى الإعداد الكافي والناجع لتطبيقه. وتمتد يد السلطوية للمؤسسة التشريعية أيضا حيث أن العديد من مشاريع القوانين تمر عبر المجلس الوزاري كما هو حال مشروع قانون الخدمة العسكرية ومشروع قانون -إطار يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي اللذين صادق عليهما المجلس الوزاري بتاريخ 20 غشت 2018.

أما على مستوى السلطة القضائية، فقد أكدت المحكمة الدستورية هذه السنة في قرارها عدد 110أن رئيس النيابة العامة أصبح مسؤولا أمام الملك باعتباره السلطة التي عينته، وليس أمام البرلمان أو وزير العدل. وهو ما يجعلها سلطة موازية لسلطة القضاء ولكنها غير مستقلة مادامت تحت وصاية فاعل سياسي له حساباته ورهاناته في المشهد.

كما تعرف العلاقات الخارجية المغربية مشكلة بنيوية مزمنة ظلت تؤثر في توجهاتها وحصيلتها، ويتعلق الأمر بالتدبير الاحتكاري والمنفرد الذي يستبعد كل القوى السياسية والمجتمعية باستثناء بعض الفاعلين المعدودين الذين يسمح لهم بلعب أدوار ثانوية عند الحاجة.ومن نتائج ذلك استمرار توتر علاقات المغرب مع محيطه؛ فإلى جانب الجزائر، عادت الأجواء المتوترة مع موريتانيا لتسود خلال هذه السنة خاصة بعد الاستقبال الذي حضي به مبعوثَ جبهة البوليساريو خلال زيارة رسمية إلى موريتانيا، في الوقت الذي كان الوسيط الأممي، هورستكوهلر، يجري مباحثات لإشراك دول الجوار في دعم مجهودات المبعوث الأممي، والدفع بمسلسل المفاوضات في قضية الصحراء.

كما أن الرهانات السياسية والدبلوماسية لعودة المغرب للاتحاد الافريقي مازالت معلقة؛ فإذا كان المغرب قد نجح، خلال قمة الاتحاد الإفريقي لهذه السنة، في رفض أي مسلسل إفريقي مواز في تدبيرقضية الصحراء وكرس أولوية المسلسل الأممي، إلا أن هذا يشكل مؤشرا على ضعف ثقته في هذا الاتحاد نتيجة ضعف موقعه وتأثيره فيه.

ولتحافظ السلطوية على استمراريتها وتؤمن مصالحها فإنها تعتمد على احتكار آليات لتوجيه الرأي العامخاصة أمام ضعف شرعيتها التمثيلية. وهكذا فقد واصلت السلطة السياسةخلال سنة 2018احتكار الدين من خلال تأميم المساجد وتسييس خطب الجمعة وصبغها بخطاب موحد في اتجاه خدمة السلطوية وتبرير سياساتها. حيث قامت باستخدام المساجد وسيلةَ صراعٍ سياسي لتخوين احتجاجات الريف وتشويه المعارضين، مقابل تكميم الأفواه وإعدام الرأي المخالف عبر عزل عدد من الأئمة ومنع آخرين من إلقاء الدروس المسجدية.من جهة أخرى تم منع عشرات المغاربة من اعتكاف العشر الأواخر من رمضان بالمساجد إحياء لهذه السنة النبوية العظيمة، حيث تم إخراجهم بالقوة من معتكفاتهم بسبب انتمائهم السياسي المعارض.

من مجالات الاحتكار أيضا نجد المجال الإعلامي حيث تخضع المنابر الإعلامية الرسمية لاحتكار كلي من طرف السلطة، مع المنع المطلق لتمتع قوى معارضة بحقها في الإعلام العمومي. فرغم أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهاكا” أصدرت بتاريخ 7 يونيو 2018 قرارا ينظم التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي في خدمات الاتصال السمعي البصري خارج فترات الانتخابات العامة والاستفتاءات، إلا أن واقع الحال يؤكد استمرار الاستفراد بالإعلام العمومي وفرض الرأي الوحيد ومنع كل الفاعلين الذين يعبرون خارج “النسق الرسمي” من التعبير عن آرائهم. وقد واصلت السلطات تشديد القيود على حرية الرأي والتعبير والحقوق والحريات المرتبطة بها، واستمرت في مقاربتها الأمنية وخاصة في مجال تقنين الصحافة والنشر، وتوظيف القوانين السالبة للحرية والمهددة بعقوبة السجن لقمع حرية التعبير، فضلا عن الاعتقالات والمتابعات القضائية للصحفيين المهنيين والمدونين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. وقد كان من أبرز المتابعات التي عرفتها هذه السنة تلك التي لحقت الصحفيين توفيق بوعشرين وحميد المهداوي.

أين الثروة؟؟

أين الثروة؟ هكذا تساءل الملك في أحد خطاباته، وهو السؤال الذي ظل يتردد في الأوساط السياسية والاجتماعية والشعبية بشكل محتشم قبل أن يصبح دارجا حاضرا بقوة في التحليل السياسي والتهكم الشعبي. وقد تَكَشَّفَ بعضٌ من الجواب على هذا السؤالفي تقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول أسعار المحروقات في ماي 2018، فبقدر ما كشفهذا التقرير جشع شركات المحروقات واحتكار هذه المادة وحجم الأرباح الضخمة التي حققتها السنة المنصرمة واستفادة الشركات الكبرى على حساب المواطن، الذي قيل إن تحرير المحروقات ونظام المقايسة جاء لمصلحته،فقد أظهر أيضا الحماية السياسية التي تستفيد منها هذه الشركات والتي بسببها يتم إقبار مثل هذهالتقارير الكاشفة للفسادوالريع الاقتصاديين. ويساهم في ذلك الجمود الذي تعرفه مؤسسات الحكامة مثل مجلس المنافسة والذي لم يتم تعيين رئيس جديد له إلا في نونبر الماضي بعد سنوات طويلة من العطالة. كما أن سؤال الثروة الوطنية يظل مطروحا على مجلس الحسابات الذي تتميز تقاريره بالانتقاء المفضوح في اختيار المؤسسات التي يجري عليهاافتحاصه، حيث لازال يستثني العديدمن المؤسسات التي تدير نسبة هامة من ثروات المغرب مثل المكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الإيداع والتدبير، كما أن تقارير هذا المجلس تظل حبرا بعيدا عن إجراءات المساءلة والمحاسبة، وهو عجز آخر يخفي أجزاء أخرى من الجواب على سؤال: أين الثروة؟

سؤال الثروة المهدورة والسلطوية القائمة ينعكس بشكل مباشر على المواطن في حقوقه الاقتصادية والاجتماعية. فعلى المستوى الاقتصادي، كان العنوان الأبرز لسنة 2018هو فشل النموذج التنموي المغربي في الاستجابة لانتظارات المغاربة. هذا الفشل أكده من جديد خطاب العرش لهذه السنة وأكدته التقارير المتناسلة لمؤسسات الحكامة مثل المجلس الاجتماعي والاقتصادي. وظهر ذلك جليا على مستوى ضعف نجاعة الاستثمار العمومي ومعدلات النمو جد المنخفضة.ومن أهم أسباب هذا الفشل هو أن هذا النموذج التنموي ينطلق من خلفية اقتصادية ريعية تحميها سلطة مستبدة فاسدة تدعم فئة قليلة من الناس لتحقيق أرباح وإنجاز مشاريع، فيما يتم وضع البعدين التنموي والاجتماعي في آخر الاعتبارات.وحسب المنتدى الاقتصادي العالمي فإن سوء بيئة الأعمال في المغرب مرده إلى انتشار الرشوة.

كما أن التجارة الخارجية تكون محكومة في الكثير من الأحيان بقرارات المصلحة السياسية، فقد جدد المغرب والاتحاد الأوروبي اتفاقية الصيد البحري في 20 يوليوز 2018بقيمة سنوية لا تتعدى 52 مليون يورو، وهو رقم ضعيف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأضرار البيئية واستنزاف الثروة السمكية للمغرب، خاصة أن ضعف المراقبة والمتابعة أتاح للأساطيل الأوربية خرق البنود التي تمنع ذلك. ويبدو أن هذه الاتفاقية تحكمها الخلفية السياسية على حساب مصلحة الاقتصاد أو البيئة أو التنمية المستدامة أو حسن تدبير الثروة الوطنية.

ولقد ولّد هذا النموذج تفاوتات مجالية واجتماعية كبرى وفوارق على مستوى توزيع الثروة، كماأفرز ظواهر خطيرة تهدد السلم والاستقرار الاجتماعيين مثل البطالة خاصة في صفوف الشباب، والفقر والهشاشة والجريمة، ولقد شكلت هذه الآفات الأسباب الحقيقية التي أدت إلى فاجعة قتل سائحتين بمنطقة إمليل خلال دجنبر الأخير، والتي أكدت عجز المقاربة الأمنية وفشلها في الحد من تنامي الظواهر الإجرامية. ومع ذلك فإن السلطة ماضية في تنفيذ توصيات المؤسسات المالية الدولية التي أوصت المغرب بإعادة تموقع دور الدولة أساسا في الوظائف التقليدية والتراجع عن دورها في القطاعات الاجتماعية الحيوية كالصحة والتعليم.حيث رفعت الدعم عن المواد الأساسية وحررت قطاع المحروقاتعلى حساب القدرة الشرائية للمواطنين. ما أنتج تلك المشاهد المؤسفة التي تابعها العالم لآلاف من الشباب الذين نزحوا نحو المدن الشمالية خلال شتنبر الماضي بحثا عن فرصة للهجرة نحو أوروبا في قوارب غير مؤهلة، دون أن يكترثوا باحتمالات الموت وسط مياه البحر الجارفة. مشاهد هي أقرب إلى الانتحار الجماعي ولَّدَها خناق اليأس والتهميش والتفقير والتجهيل الذي يحيط برقبة الشباب فلا يترك لهم الكثير من الخيارات لأجل العيش الكريم.

صوت الشارع

انتهى العرض فكشفت الأضواء حجم الآثار وعمق الجراح التي كانت تخفيها الآمال المعلقة على الشعارات والوعود، وعاد الشعب ليرفع صوته فتزايدت الاحتجاجات الشعبية خلال السنتين الماضيتين بشكل كمي ونوعي وإبداعي.من الريف الذي صار أيقونة النضال الشعبي المسؤول، بعد أن قدم نموذجا في النضج والصمود والتضحية، إلى جرادة وزاكورة اللتين عرتا على واقع التهميش والهشاشة التي تنبعث احتجاجا سلميا راقيا يضفي مزيدا من المصداقية على المطالب المشروعة، وغيرها من المناطق والشرائح المجتمعية في التعليم والصحة وسائقي الحافلات والفلاحين والجماعات المحلية و…، والتي جددت التأكيد على أن الشعب المغربي يعرف دينامية حقيقية وحركية متنامية يواجه من خلالها انسداد المشهد الرسمي وانغلاقه على التسلط والاستبداد والاحتكار والريع ومصالح الكبار.

كما عرفت هذه السنة تطورا جديدا في أشكال الاحتجاج من خلال النجاح الكبير الذي عرفته مقاطعة منتوجات من طرف فئات واسعة من المغاربة، همت مجموعات اقتصادية كبرى تنشط في قطاعات المحروقات والصناعات الغذائية؛ وذلك احتجاجاً على ارتفاع أسعار هذه المنتوجات واتساع هوامش ربح تلك الشركات.وأمام هذا الاحتجاج النوعي غير المسبوق، وعوض أن تلجأ السلطة إلى معالجة اقتصادية للظاهرة تراعي الوضع الاجتماعي وتتفهم المطلب الشعبي، لجأ بعض أعضاء الحكومة إلى تأجيج غضب الشارع عبر إطلاق تصريحات غير مسؤولة واصطف بعضهم إلى جانب بعض الشركات المقاطعة.

إن هذه الديناميات المجتمعية، تعدمؤشرا إيجابيا وأملا للبناء، وتضع بين أيدي المعنيين والمهتمين والمتابعين حقيقة التطور النوعي الذي يعرفه الشارع المغربي، من خلال مواقفه الرافضة للسلطوية وما يترتب عليها من فساد اقتصادي وتأزم اجتماعي وحقوقي. هذه الدينامية التي انطلقت منذ سنوات طويلةتُواصل نموها واتساعها وتعاظمها وتُجدد أشكالها وأنماطها وسبلها، لكنها تصر على بناء نموذج قائم على النضج والمسؤولية والقوة، وهو ما تعكسه سلميتها كقيمة بارزة ومشتركة بين مختلف الاحتجاجات، ثم مشروعية وعدالة المطالب التي ترفعها والإبداع في عرضها ما يمنح هذه الاحتجاجات صلابة وتميزا.

إلا أن السلطة لازالت تعيش سكرة الاستعلاء التي تعمي وتصم، فكان تفاعلها مع هذه الاحتجاجات ينم عن استهتار بمستقبل البلاد ولعب بسلامته واستقراره. فهي لمتكتف بالالتفاف على مطالبه وإهمالها لكنها أيضا أمعنت في معاقبة الشعب على جرأته حين خرج يطلب الحرية المأسورة والكرامة المدوسة والعدالة المفقودة. وهكذا فقد كانت من أشد اللحظات التي عاشها الشعب المغربي خلال سنة 2018 تلك التي صدرت فيها أحكام قضائية بالسجن لقرون في حق معتقلي الريف وجرادة الذين تجاوز عددهم 700 معتقلجلهم ينتمون إلى فئة الشباب. وقد سجلت منظمات حقوقية وهيئات دفاعهم أثناء سريان اعتقالهم ومحاكماتهم استعمال القمع الشرس، إلى جانب تعريضهم للتعذيب والعنف ولممارسات حاطة وماسة بالكرامة أثناء إيقافهم والتحقيق معهم، فضلا عن غياب ضمانات وشروط المحاكمة العادلة.

أفق جديد

رغم ما تقدم من مؤشرات دالة على حجم التضييق الذي تمارسه السلطوية على الشعب المغربي، ابتداء بإقصائه من المشاركة الفعلية في صناعة القرارات السياسية ومرورا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يرزح تحته المواطنون وليس انتهاء بآلة القمع والتضييق والاعتقالات والمحاكمات التي تنسج في حق المعارضين لهذه السياسات أو المطالبين بحقوق العيش الكريم، فإن مؤشرات كثيرة تطفو على السطح لتعيد الأمل في مستقبل أفضل.

أهمها هي درجة الوعي الذي بات سمة بارزة لدى فئات عريضة من الشعب المغربي، وعي بالحقوق ومشروعيتها، ووعي بالمسؤولين عن ضياعها، ووعي بالمسؤولية في الدفاع عنها والمطالبة باسترجاعها. من جهة أخرى هناك سعي نحو تنويع وسائل وآليات التعبير والاحتجاج، منها العالم الافتراضي الذي يعرف نقاشا عموميا متزايدا رغم محاولات التضييق على رواده ومحاكمتهم على آرائهم، ومنها أيضا أشكال توظيف الشارع أو المقاطعة الاقتصادية أو غيرهما.

كما أن نسبة هامة من الشباب المغربي لم تقبل سياسة الهامش، فباتت تستجمع قواها وتواكب مسار تجديد الوعي وإعادة الاعتبار للذات، لترسم إنجازات جديدة لواقع شبابي جديد قوامه الوعي بالحق والقيام بواجب الدفاع عن قضايا الشعب المغربي العادلة. فكان للشباب كلمته ومساهمته في قيادة الاحتجاجات الشعبية بوعي ونضج عاليين، كما أن الصورة التي رسمها التلاميذ والتلميذات في احتجاجاتهم على ترسيم الساعة الصيفية تحمل الكثير من الدلالات على وعي الأجيال القادمة. وعلى المستوى العلمي فقد عرفت هذه السنة تتويج عدد هام من الشباب وحتى الأطفال في مسابقات علمية وأدبية وحصولهم على الرتب الأولى دوليا بمجهودات فردية أسرية وبدعم من أساتذتهم المتفانين رغم الصعوبات والإكراهات.فضلا عما تتميز به الكفاءات المغربية في مختلف المجالات وتفانيها في أداء مهامها رغم الصعوبات التي تكابدها في مجال عملها، طاقات في الهندسة والطب والتعليم والتدبير والفلاحة وغيرها، مشهود لها وطنيا ودوليا، ولعل مجهوداتها تلك هي التي تعطي نفسا جديدا وتخفف من أثر التهميش والإقصاء وقساوة العيش الذي يصيب المواطن. وهو ما يكشف عن حجم ما تختزنه بلادنا من الطاقات الكامنة والإمكانيات المهدورة التي تضيع بسبب غياب الإرادة السياسية لإصلاح حقيقي مازال يراوح مكانه.

هنا يطرح السؤال العريض عن مسؤولية النخب والتنظيمات السياسية والحقوقية والمدنية والاجتماعية، ذلك أن هذا التطور النوعي الذي يعرفه المجتمع يستحق تطورا موازيا بل متقدما من طرف النخبة التي تحمل على عاتقها مسؤولية القيادة وصناعة الأفكار واستيعاب اللحظة التاريخية وإكراهاتها بعيدا عن الذاتية الإيديولوجية من أجل ضمان انتقال ديمقراطي بدون أضرار تهدد البلاد وأهلها.

* باحث في علم الاجتماع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *