وجهة نظر

تأملات 6: التعصب الحركي هلاك للدعوة والداعية

للتعصب الديني والحركي أثر كبير في تشويه صورة الإسلام أمام العالم، ويتنافى هذا السلوك مع المقاصد العامة التي جاء من أجلها الدين، من مثل هداية العباد وتنمية البلاد، ونشر وسطية الدين للعالمين في صفائه وطهارته، فمادام التعصب المذهبي والحركي موجود إلا وإمكانية الاقتتال والصرعات قائمة، ويمكن اختصار أسباب التعصب في النقاط التالية:

1 – الجهل بالمقاصد طريق للمفاسد

وهذا ما يؤدي إلى التغاضي عن روح الإسلام التي تدعو إلى وحدة الأمة ونبذ كل أشكال الفرقة، وتبني الفكر الإقصائي الذي يبعد الآخر المخالف ولا يترك له فرصة للحوار والتواصل، فبعض أفراد الحركة الإسلامية تحكمت فيهم الحماسة والعاطفة في خطاباتهم وفتاويهم، متناسين مقاصد الشريعة فاضطربت مواقفهم، وسادت الارتجالية في الدعوى فسقطوا في الفتن والمحن، فلو نظرنا في المقاصد الكبرى التي جاء من أجلها الدين، لوجدنا أن الفقه الحركي ينبغي أن يكون محوره على المقاصد، فبها تصاغ القوانين التي تكون شخصية المسلم وتهذب سلوكه، وإنني أعتقد أنه بردِّ مناهج الدعوة إلى بيانٍ وتفصيلٍ مقاصدي تتَّضِح معالم الطريق الدعوي و تتضاءل مساحات الخلاف و تتخلَّص الدعوة من بعض شوائبها وسلبياتها.

2 – الفكر الحركي وتقديس أقوال القادة:

يعتبر الكثير من أبناء الحركة الإسلامية أقوال القادة نصوصا قطعية لا تخضع للنقاش، كأن يقول لك بعضهم مثلا قال فلان بمعنى حسم الخلاف وانتهى الكلام، وإذا ما رجعنا إلى كتب التراث وجدنا مثل هذا الفكر التعصبي، جاء في طبقات الحنابلة أن علي بن المديني المتوفى سنة 233 هجرية قال: (ما قام أحد من أمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام به أحمد بن حَنْبَل، فقيل له: ولا أبوبكر، قال ولا أبوبكر، لأن أبابكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حَنْبَل لم يكن له أعوان ولا أصحاب.)

3 – شعبوية الخطاب الحركي:

تتميز بعض الخطابات الحركية بالطابع الشعبوي الشديد، الذي يقوم على دغدغة المشاعر الدينية لدى البسطاء، بتبسيط وتسطيح القضايا والأمور، وتصوير أن ما يتعرض له المسلمون هو نتيجة مؤامرة حيكت لضرب الدين الإسلامي، وأن ما يحدث من تأخر الأمة الإسلامية راجع إلى ابتعاد المسلمين عن دينهم، وعدم تطبيقهم للشريعة الإسلامية، ويقول الدكتور عبدالحميد الأنصاري: (الخطاب الشعبوي، فهو خطاب، وصولي، انتهازي، فوضوي، لاعقلاني، مضلل في شعاراته وطروحاته، يستميل الجماهير، عاطفيا، عبر إثارة غرائزهم الأولية، والتلاعب بمشاعرهم: الوطنية والقومية والدينية والطائفية، وصولا إلى أهداف وغايات نفعية ضيقة، سياسية أو اقتصادية أو نفوذ اجتماعي أو شهرة إعلامية الخ.. الشعبوي لا يقود، بل يقاد، ويركب الموجة الجماهيرية ويتماهى معها ويتملقها، صوابا أو خطأ ولو على حساب مصالحها الحقيقية، الهدف الأسمى للشعبوي، الفوز والنجاح والانتصار ولو داس كل القيم والأعراف)

4 – الاحتكار الفكري:

يدعي الخطاب الحركي احتكار الدين الإسلامي الصحيح، حتى أن بعضهم يرى أن تنظيمه هو الفرقة الناجية من النار وغيرهم إما أنهم كفار أو مضللون مبتدعة، وعادة ما يستند أهل هذا الخطاب في هذا الأمر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» رواه مسلم.

فهذه الأمراض وغيرها تفتح باب التعصب الذي ذمه الله عز وجل فقال: ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) سورة الأَنْعَام 159، وعلى هذا الأساس صارت بعض التنظيمات الحركية وسيلة للتفرقة وأصبحت كل جماعة بما لديها متعصبة، واستحال مع كثرة التنظيمات إمكانية تشكيل الوعي الجمعي للأمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *