وجهة نظر

قوانين الرواندية في مقهى البرلمان

فهد الباهي – إيطاليا

لا شك وأن غالبية المغاربة يعرفون لعبة الورق أو لعبة الأربعين شيطان…، و خاصة “الرُوندَا”، وسبق لأغلبيتهم أن لعبوا بأوراق “الكارطة” في الصغر، وفريق من أخر إتخذها هذه اللعبة سبيلا وأصبح مدمن عليها في الكبر”الكارطة”، وأخرون يقضون بقية عمر بعد وصول سن التقاعد، وهنا أسطر، وصوله سن التقاعد وليس الحصول على التقاعد، لأن السياسة العرجاء والقوانين التي تشرع في مقهى البرلمان تخذم العاملين في المقهى نفسه وأقصد البرلمانيين (وخذام الدولة)، ذون خجل.

لأن البرلمانيون (وخذام الدولة)، هم من يحصلون على تقاعد حقيقي سمين، تقاعد مريح مقابل النوم على كراسي مريحة خمس سنوات يغنمون فيها الملايير القاهرة والكبيرة، خمس سنوات من ممارسة الحب وإختطاف الزوجات من أزواجهم…، خمس سنوات من التعري ولباس “البيكينيات” والإستتمتاع بأشعة الشمس على شواطئ بحار العالم والأكل والشرب على نفقة الفقراء دافعي الضرائب، في المقابل يصل الشباب الحامل للشواهد العليا سن التقاعد مبكرا وإن صح التعبير يشيخ قبل عمره الحقيقي، دون أن يوفر لهم المستفيذون من سفقات مقهى البرلماني وظيفة، فلا يبقى أمام هذا الشباب حل إلا الجلوس تحت حيطان البنيات التي لازمت أعمارهم منذ الصغر ويجلسوا في جماعات ليقتلوا ما تبقى لهم من أيام العمر “قتلا مبيناً” في لعب “الروندا”.

فإذا أردنا أن نصلح وطننا الغالي علينا جميعا، وجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها، ولا نخجل، ونقول: أصبح البرلمان مجرد مقهى لعقد اللقاءات الصورية… والتخطيط للمشاريع الربحية الشخصية ولا غاية منه ترجى لفائدة المواطن الفقير المغلوب على أمره.

لقد أصبح أطفالنا الرضع مجرد فئران تجارب كما جاء على لسان أحد الحقوقيين إثر فاجعة حقن أطفال رضع جربت فيهم لقاحات لأول مرة، وفي المغرب، حيث تسببت في وفاة طفلين وإعاقة إثنين بمستشفى الليمونة بالعاصمة المغربية الرباط، فأغلب الهيئات الحقوقية والنقابية والسياسية، ووزارة الصحة المعنية رقم واحد، وحتى الحكومة المغربية المحكومة نفسها، دسوا جميعهم رؤوسهم في التراب وإلتزموا الصمت، سياسة “قوي الشعير للحمير الحال سخنْ والنعرةَ جات”، أغلب هذه الهيئات التي ذكرت لها أدوار ومهمات ومسؤوليات داخل قبة البرلمان حسب ما هو مخول في الدستور، ولم تكلف جهة ما نفسها إعطاء توضيح وتبرير للشعب إزاء هذه الجريمة النكراء، جريمة القيام بمثل هذه التجارب على أطفالنا، الذين إعتبروا فئران تجارب.

فماذا فعل الممثلون على الأمة وليسوا ممثلي الأمة ؟

هل وجهوا أسئلة لوزير الصحة أمام الملأ في قبة البرلمان ؟

هل طالبوا بمحاسبة المسؤولين على مقتل وإعاقة هؤلاء الأطفال الرضع الأبرياء ؟

وما بقي أمامنا إلا أن نتسائل إن كان للبيت رب يحميه أم أن رب البيت يعجبه ما يقع لأولاده فيه ؟ .

هل يعجب رب البيت أن تطير الملايير في السماء ولا تتدخل المجالس العليا التي أنشأها وتكلف صندوق الدولة مبالغ مالية مهمة ؟.

هل يعجب رب البيت أن تحرق الملايير والاطنان من البنزين والغازوال في حرث أراضي وضيعات الوزراء والبرلمانيين…المستفيذين من برامج المخطط الأسود (عفوا الأخضر)، والذي كلف جيب الشعب ميزانية ثقيلة جدا، سوف يؤذيها الجيل الحالي والجيل الذي سيأتي بعدنا، بعدما تم رهن وتقييد وتكبيل رقاب ملايين المغاربة بقروض هذا المخطط اللعين والذي إستفاذ منه “بوخنشوش ورباعتو” وشركاتهم التي أنشؤها وفي غضون ساعات تفرخت، وبعد أداء المهمة وتبخرت، والتنيجة أطنان من أجود أنواع الحوامض تم رميها وإتلافها في ضيعات الفلاحين الصغار بجهة سوس، والغريب وليس بالغريب، لم تتذخل وزارة الفلاحة…، حيث تعرت عورتها إتجاه الإتفاقيات والعقود المبرمة حول تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب والتي طالما طبلت وهللت وتبجحت بها، واليوم ظهر الرشد من الغَيْ.

هل يعجب رب البيت حرق الاطنان من البنزين والغازوال في السماء على سيارات الوزراء (وخذام الدولة) والبرلمانيين والكتاب العامون والمدراء في مختلف المؤسسات العمومية، الذين يتناسلون كل يوم كالجراد، وفي الأخير يجد المواطن جهاز “سكانير” معطل بالمستشفى…، ولا يجد طبيب يعالجه، ويجد ثمن الدواء يفوق قدرته الشرائية عشرات المرات، ولا يجد التلميذ مدرسا بالمدرسة، ولا يجد المواطن طريق نظيفة يمشي عليها، وإنما يجد الحفر والمستنقعات والمزابل وخاصة أحياء “البيدونصي” وهي موجودة في مختلف أرجاء المملكة، رغم نهج سياسة الأحزمة الإسمنتية والتسييج التي تقوم بها جهات نافذة اتجاه هذه الأحياء الهامشية والتي خرج من وصفوا بالأرهابيين…، حيث يعملون بمنطق “دير العكر على الخنونة”.

وأي إرهاب أكثر من أن يلهف عامل أو مسؤول رفيع ميزانية إنتشال هاته الطبقة من هذه الأحياء الهامشية، وفي الأخير لا يحاسب، بل يعزل من هنا ويوظف صباح اليوم التالي في وظيفة أسمى منها، زكأن شيئا لم يكن، سياسة “بدل البيادق وعاود الضمسة ” قوانين الرواندية في المقهى”.

إن مظاهر البؤس والفقر تتزايد بنسبة مهولة، وكبيرة جدا، وقد حدث شرخ خطير في السلم المعيشي أو المقياس الأسري والطبقي، خطير، وخطيرا جدا يا أولي الألباب، إن القضاء على الطبقة الوسطى يتزايد بشكل سريع، ووتيرة لا تصدق ذهنيا، رغم الزيادات في رواتب الموظفين بالقطاعات العمومية وأغلبها كانت أمنية، وعسكرية في الاونة الاخيرة (الزيادات).

و لن يتم الوصل بين الطبقتين الغنية والفقيرة أبدا مادام حرق الشحم بين الطبقتين متواصلا، لأن:

إقبار القطاعات الحيوية بشكل علني وصريح متواصل…، والسبب، عدم توفير المناخات السليمة للأسرة التعليمية من أجور ومسكن وجمع الزوجات بأزواجهن، والترقيات إلخ، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المدرس هو العمود الفقري في تقدم الدول أو إنحطاطها.

الأجور الزهيدة لفئة من موظفي الجماعات القروية والحضرية، ورجال المطافئ، والممرضون، والأطباء بالمستشفيات العمومية، وتجاهل الصانع التقليدي، والتجار والباعة المتجولين والفراشة إلى غير ذلك من القاطاعات الحيوية والتي تعتبر “ميكانيزم” أساسي، لا تولى بعناية حقيقية.

لا ننكر أن ملايين البرامج في مطبخ البرلمان تطبخ، لكن، تأكلون ما في الطنجرة وتَلْعَقُونَ أصابعكم، والشعب يشتم رائحة طبخَاتِكم اللذيذة ويرى ذخانها على المنابر الإعلامية الممولة من جيوب دافعي الضرائب، وتمسحون أيديكم وريقكم الذي يتساقط على السجادات الحمراء بعد لحس الطنجرة.. بمناديل من جيوب دافعي الضرائب، وفي الأخيرة توزعون تلك البرامج في ما بينكم على بيروهات مكاتب الدراسة لأبنائكم وعائلاتكم، ولا مشاريع تنفذ على أرض الواقع، والرابح أنتم ومكاتبكم التي تتقاسمون معها الغنائم، والخاسر هو الشعب البئيس دافع الضرائب.

وأركز على قطاع التعليم، الطامة الكبرى إذا مات قطاع التعليم لا قدر الله .

أولا: ستتضاعف نسبة الأمية والجهل بشكل مخيف جدا في صفوف الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وننتج جيلا يملؤه اليأس والحزن، مريض بالشر والتخريب والتدمير، يحقد على كل ما هو مادي وملموس.

ثانيا: إنتاج مجرمين ولصوص في درجات متقدمة من مختلف أنواع الجرائم الخطيرة على المجتمع، وسيتفشى النهب بشكل يضاعف ما هو عليه الأن بأضعاف مضاعفة في كل القطاعات العمومية والخصوصية، وسيسود منطق “خليني ندي عمود لا بغات تريب خليها تريب”.

ثالثا: إحتقان إجتماعي أسري في معظم الأسر، وتقل نسبة الزواج وتتفاقم نسبة الطلاق ويكثر الزنى، وتملأ السجون وتَخِرُ قوى مؤسسات الدولة ويسارع فقهاء مقهى البرلمان إلى بيع مؤسسات عمومية لدول أجبية لستديد عجز خزينة الدولة.

وهنا ستكون بداية عودة الإستعمار بعد نهاية الإستحمار…

لا يفوتني أن أمر مرور الكرام على عن قوانين الرواندية في مقهى البرلمان التي جعلت المبدع والمخرج السنمائي المغربي صاحب المحلمة الكبيرة التي نالت وحصدت إعجاب ملايين المغاربة المتتبعين داخل وخارج أرض الوطن، مسلسل “وجع التراب”، الهرم الكبير “شفيق السحيمي” يقرر مغادرة أرض الوطن بسبب إعتكاف وزراء في مقهى البرلمان على إخراج قانون يفرض غرامة مئة ألف درهم و خمس سنوات سجن نافذة لمن يعارض سياسة الدولة.

ألهذا الحد وصلت الحقارة بكم يامن يفترض فيكم أن تدافعوا عن حرية الرأي والتعبير، تختارون حرمان الشعب من أن يتفوه بكلمة اتجاه سياستكم (العوراء والعرجاء)، جعلتم عظيما شامخا “السحيمي” عبر شريط نشره بمواقع التواصل الإجتماعي شاهده العالم بأسره، وبنبرة حزينة يقول: قبل صدور هذا القانون سأغادر وجع تراب هذا الوطن، أنسيتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( أعظم الجهاد قول كلمة عدل عند سلطان جائر)، وكيف لا وأنتم أشد جورا وظلما للشعب بقوانين مقهاكم الذي يكلفنا الكثير وبدون نتيجة.

من حماقاتي الغبية، أو نصائحي الفضولية، لأصحاب مقهى البرلمان، فقط أحدركم أن أطياف الغاضبين من الشعب في الشوارع تتزايد يوما بعد يوم، حقدهم يكبر، وغضبهم يتجمع وسيتحول إلى كبسولة قاتلة قد تنفجر في وجوهكم هذا إن كانت لكم وجوها أصلا حتى تراعوا بها ظروف الفقراء الذين طحنت عظامهم بالزيادات المتتالية والضرائب المباشرة والغير مباشرة، فقد تجبرتم وطغيتم، أنصحكم أن تطلقوا اللجام قليلا.

وأعود، ما يثير الإنتباه في لعبت ورق (الروندا)، أن ملك هذه اللعبة ورقة تسمى باللص، ولنقربها بعض الشيء لغير اللاعبين والعارفين بخبايا هذه اللعبة القريبة القوانين من الواقع المعاش، والتي ينجو فيها اللص دائما، وبرضاء الجميع.

“الروندا”، فيها أربعون ورقة وهناك من يسميها (أربعون شيطان)، توزع بالتساوي على أربعة لاعبين في ثلاث دورات، فيها قانون إذا توفرت على أربع ورقات مماثلة تكسب خمسة نقط تسمى (حبل)، ووإذا كان الذي بجانبك يتوفر على ورقات أكبر عدد من أوراقك يحصل على عشرة نقط ( أي حبلين)، وإذا كان الثالث بجانبك يتوفر على أربعة ورقات من رقم إثنا عشر تسمى بـ “الراي” وهو كبيرهم (الأرقام) سيكسب خمسة عشرة نقطة أي ثلاثة حبال، والغريب إن كان الرابع يتوفر على أصغر رقم في هذه اللعبة، وهو واحد، والملقب باللص سيحصد عشرين نقطة أمام الورقة الكبيرة “الراي”، أي أربعة حبال، معلوم أن اللص في اللغة العربية هو السارق…

فأنا لا أرى مانع في التشبيه بين قانون هذه اللعبة من أربعين ورقة، أو أربعون شيطانا كما يشتهي البعض أن يسميها، وهي بعدد وزرائنا، فقوانين اللعب باللصوص الورقية في مقهى الشعب الذين يوزعون فيه “البانت والحبال” على بعضهم البعض، هي نفس القوانين التي توزع بها الصفقات في مكاتب الدراسات التي زكمت روائحها أنوف العابرين من جنبات المقهى الذي يلعبون فيه اللعب الحقيقي و الكبير .

أليست غنائم اللص في لعبة “الروندا” شبيهة بطبيعة لعب اللصوص في المشاريع بمقهى البرلمان ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *