وجهة نظر

رؤية بنكيران لمستقبل حزب العدالة والتنمية (1)

الجزء اﻷول

لست متفقا معه في كل ما قاله؛ لكنها كلمة وازنة كعادة بنكيران أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية المغربي بالخارج الذين زاروه في بيته يوم 13 يناير 2019، للجواب على مجموعة من اﻷسئلة التي تؤرقهم وتقلقهم بشأن وطنهم وحزبهم والتي أسمعهم من خلالها وأسمع الجميع ما سماه بـ”نوع آخر من دقات ناقوس الخطر”.. كلمة جمع فيها بين الرؤية والفقه، والتربية والشرح المقاصدي لـ”المرجعية اﻻسلامية” للحزب، والموقف من القضايا واﻷحداث السياسية الراهنة.

سأحاول نقل معظم وأهم ما جاء في هذه الكلمة، لعموم القراء عامة وأعضاء حزب العدالة والتنمية خاصة، بأمانة ودون إبداء أرائي الخاصة إﻻ بعض الشروحات الضرورية لبعض المفاهيم واﻹشارات؛ خصوصا وأن الكلمة ألقيت في معظمها بالدارجة ونحاول ترجمتها إلى العربية الفصحى.

تستحق هذه الكلمة أن تكون أرضية للمدارسة والتقييم والنقد أيضا، للوقوف على التحديات والرهانات الحقيقية، التي تفرضها المرحلة التي يمر منها الوطن، والتي يمر منها الحزب؛ خاصة بعد اﻷزمة التي تركته يترنح ويعجز عن الخروج منها بحواراته الداخلية التي بينت اﻷحداث اﻷخيرة والكلمة بذاتها مدى هشاشتها وعدم تأسيسها على أرضية صلبة؛ وخاصة أيضا بعد الجدل الدائر والذي يتجدد حول مرجعيته اﻻسلامية كلما أثيرت ضجة حول السلوك الشخصي لقيادي من قياداته.

بدأ زعيم حزب العدالة والتنمية اﻷستاذ بنكيران كلمته بطرح الإشكال العويص والمستجد في حزبه وهو تفكير كثير من اﻹخوان بجدية في مغادرة الحزب واﻻنسحاب من العمل السياسي بدون أمل في التغيير المطلوب وتحقيق الحزب ﻷهدافه؛ بسب ما يجري على جميع المستويات، كغياب إرادة الإصلاح و”العرقلة والضغوط على الجماعات التي يتولى الحزب تسييرها، نموذج جماعة طنجة”؛ وهو إشكال لم يكن خاصا باﻷعضاء في الخارج، بل لقد جرى تنفيذه بالفعل، وبنسبة كبيرة من اﻷعضاء تتجلى في مؤتمرات الحزب وأنشطته في عدد من الجهات واﻷقاليم؛ باﻹضافة إلى عدد من اﻻشكاﻻت التي تتوالى بسبب سلوكات عدد من قياداته الوطنية والجهوية واﻹقليمية. استغرب بنكيران للامباﻻة “عموم اﻹخوان في الحكومة بهذه الوضعية بينما الجو العام ليس مريحا” وبالفعل ليس مريحا؛ بينما يُسوَّق في عموم التراب الوطني خطاب “العام زين” في الوطن وأن الحزب معافى وعلى خير وبخير!

وأما الجواب الذي قدمه اﻷستاذ بنكيران لهذا اﻻشكال العويص فهو “على افتراض أن اﻷمور ليست جيدة ﻻ قدر الله..الخ، فمن حقكم أن تنسحبوا؛ لكن ليس في هذه الحالة بالضبط، وإنما في حالة إذا رأيتم أن هذا الحزب تواطأ على خلاف مبادئه وقيمه” يقصد في حالة إذا عمت البلوى وكان عليها اتفاق وتوافق.

ومن هنا عرج إلى التذكير بالمبادئ التي اجتمع عليها أعضاء الحزب وهي “مبادئ الحركة اﻻسلامية التي دخلنا إليها منذ بداية عملنا.. والتي لم يثبت بعد في صفوف عموم اﻷعضاء اﻻنحراف عنها باستثناء بعض اﻻشاعات.. وبعض الحاﻻت المنعزلة.. ” مذكرا بأن “الحزب ﻻ يتساهل في التعامل مع أية حالة ضبطت فيها مخالفة لمبادئنا وقيمنا وقوانيننا التي تجمعنا.. وﻻ يمكن أن نتضامن مع صاحبها أيا كان كما تفعل أحزاب أخرى..”وأعطى مثاﻻ بحالة الرشوة في الجماعة الترابية ميدلت وحالة في جماعة عين توجطات..” وهو يقصد اﻻشارة إلى حاﻻت محدودة في تدبير الشأن العام التي ضبطت قضائيا؛ بمعنى قد تكون هناك حاﻻت أخرى لم تضبط وتحوم حولها الشكوك بسبب تصرفات أصحابها.. وكذلك بالنسبة ﻹشكاﻻت في تدبير الشأن الداخلي للحزب التي تهدد حقيقة أكثر من غيرها مستقبل الحزب، والتي يجب أن تعطى لها أهمية استحضار خطاب المرجعية اﻻسلامية؛ حيث “نسمع ببعض اﻻخوان يقومون بالكولسة أو التجسس على بعضهم ..الخ؛ وهذا مرض.. وهنا يجب أن تكون المرجعية؛ ﻷن المرجعية هي كل ما نملك إذا ذهبت ذهب كل شيء.. وليس لنا ثروة ندافع بها عن أنفسنا”؟

وفتح قوسا ليشير فيه إلى أن اﻹخوان في ممارسة السياسة ليس هدفهم اﻻغتناء بها وﻻ الحفاظ على ثرواتهم من خلالها وأعطى مثاﻻ بالتواضع المالي لوزراء الحزب وعموم اعضائه.

واستطرد بخصوص الرد على من يفكر في مغادرة الحزب “من حقكم أن تنسحبوا من هذا الحزب عندما ينتهي إلى وضعية شبيهة بوضع الحزب الذي كان قد ملأ الدنيا حقيقة، وكان أكثر شعبية من شعبية حزبنا، ثم اختفت قياداته الحقيقية ولم يعد لها ظهور يذكر إﻻ لشخصين أو ثﻻثة…ما لم يصل حزبنا إلى هذا المستوى يجب أن تبقوا وأن تصبروا..” ويقصد التحذير مما آل إليه حزب اﻻتحاد اﻻشتراكي بعد ما خرطه الفساد طوﻻ وعرضا، وباع نضاﻻته ومواقفه للوبي الفساد واﻻستبداد.

وﻹقناع اﻷعضاء اليائسين من الوضعية الحالية لحزبه الذي كان أمينه العام في الولايتين السابقتين، ذكّر بتجاربه الشخصية؛ خصوصا حادث “البلوكاج”، أي عرقلة تشكيله للحكومة، وما تلاه من إعفائه وتشكيل حكومة زميله العثماني، وأنه بعد التأمل والترد والتفكير في عمل دعوي آخر بعيدا عن السياسة والحزب، ظهر له أن المرحلة صعبة وخطرة على مستقبل الوطن والحزب معا، وأن اﻷمر يستوجب تحمل المسؤولية وعدم اﻻبتعاد عن مسرح اﻷحداث؛ كما قال: “يجب أﻻَّ نبتعد ونحن ﻻ نعرف ماذا سيقع.. ويجب أن أبقى قريبا ﻷساند بما أستطيع.. ” وأعطى مثاﻻ لصوابية قرار بقائه بتدخله الحاسم في الأزمة التي كادت أن تعصف بالتحالف بين حزب إسلامي وحزب شيوعي في أصوله التاريخية؛ حيث وجه العثماني وأقنعه ب”التوجه رفقة بعض أعضاء اﻷمانة العامة إلى حزب التقدم واﻻشتراكية للاستماع إليهم، فوفقوا للحفاظ على التحالف معه وفاء له على الثمن الذي دفعه غاليا وخصوصا أمينه العام الذي فقد الوزارة وكاد أن يفقد اﻷمانة العامة لحزبه وكان ﻻ يبالي، وهو أمر ليس سهلا.. وأمور أخرى ﻻ يمكن أن تقال حاﻻ”..

كل هذا ليستخلص وجوب بقائه في الحزب ويقول: “أنتم كذلك يجب أن تبقوا إذا كان يهمكم الوطن.. “.ولإيصال رسالة للأعضاء المتعاركين أو المتهافتين على المناصب والمواقع أشار في تحديد معنى البقاء واﻻخلاص فيه إلى أنه “ليس المهم بالنسبة لمن يحمل هم الوطن حقيقة أن يستفيد من موقع يحتله إذا قدر له؛ حيث يمكن أن تكون وزيرا وفي النهاية وبعد سبع سنوات لن تقدر إﻻ على شراء بقعة 300 متر إذا كنت مقتصدا جدا..” وضرب مثلا بنفسه في اﻻلتزام بالمبادئ والقناعة بما يسر الله قائلا: “وأما أنا فقد خرجت من الحكومة وليس لي ما أشتري به 300 وﻻ 700 متر من اﻷرض.. كنت أدبر بما أملك وبما يسر الله… وحتى تقاعد رئاسة الحكومة لستُ بحاجة إلى طلبه.. ذلك هو المبدأ..”؛ هو بالفعل نموذج يسعى إلى ترسيخه في الوقت الذي يسعى فيه السياسيون إلى التمرغ في اﻻمتيازات المشروعة وغير المشروعة وبالقانون وبالتحايل على القانون؛ بينما قد سبق أن أعطى مثاﻻ باستغنائه عن القصر الحكومي واستغنائه عما يستفيد منه “خدام” الدولة وعطاياها؛ وهو الذي قنع وما زال بسكناه البسيط في حي الليمون في ملكية زوجته وليس في ملكيته. لقد أعطى درسا عمليا للعمل السياسي المثالي مبينا أن العمل السياسي الشريف الذي من أجلهأسس الحزب ﻻ يكون ” من أجل اﻻغتناء.. ومن يسعى إلى المال فليس هذا ميدانه وليذهب إلى التجارة أو الصناعة.. وإذا أردتَ المال في السياسة فإن حزب العدالة والتنمية ﻻ يصلح لك؛ فلتذهبْ إلى حزب آخر يوجد فيه التعويض عنالمواقفبالمال..”

وفي هذا اﻻتجاه لم يفت اﻷستاذ بنكيران أن يؤاخذ زميلة العثماني رئيس الحكومة الحالية على موقفين:

اﻷول هو تعامله وتسامحه مع النموذج الصارخ للمتاجرين بمواقفهم السياسية وهو من سماه بـ” الشخص الوضيع الذي يقول بأن العدالة والتنمية يسعى إلى تخريب البلاد.. إنسان وضيع ليست له أية مصداقية..”؛ ما أعابه على سعد الدين العثماني هو أنه في الرد عليه أي الطالبي “لم يطارده إلى النهاية ظانا أنه سيتراجع؛ لكنه أي “الوضيع” لم يتراجع وما زال يقول نفس الكلام..”. وهنا يفتح القوس، لتوضيح موقفه من الطالبي وحزب التجمع الوطني للأحرار بقيادته الحالية، بالقول وبصيغة الجمع: “ﻻ يمكن أن يتراجعوا ﻷن برنامجهم هو تصفية حزب العدالة والتنمية.. وهم سيحاولون كما حاول من سبقهم..”، وتوعدهم بالقول: “سيرون نتيجتهم..”، مذكرا بأسف عميق المحاولة الفاشلة للاتحاد اﻻشتراكي بزعامة اليازغي “في تحميل الحزب المسؤولية المعنوية لأحداث 2003 ودعوته إلى حله.. ولم يستفد اﻻتحاد اﻻشتراكي أي شيء من ذلك بل تراجع وما زال في التراجع إلى اليوم، ومع اﻷسف رجع مرة أخرى إلى نفس اﻻتجاه ..”.

المؤاخذة الثانية، في إطار نماذج المتاجرين في اﻷحزاب بالسياسية، وفي نفس الوقت جوابا على السؤال المؤرق للأعضاء والمتعلق بطريقة تشكيل الحكومة اﻷخيرة؛ خصوصا وأن البعض يحمله، أي بنكيران، المسؤولية عما وقع ويشيع موافقته على طريقة تشكيلها؛ مما أشعره بضرورة الخروج من الصمت في هذه المسألة وتقديم التوضيحات اللازمة؛ فآخذ على العثماني قبوله بـ”التحالف الرباعي الذي يريد الدخول إلى الحكومة بقوة.. وهو أمر مستحيل مع بنكيران (تعبير بنكيران).. وبعد ذلك قرر الحزب شيئا آخر مع أمينه العام الجديد..وليس لي ما أقوله. لم أقبل قط ذلك، وبطبيعة الحال لم أعارض سعد عندما أخبرني بذلك.. لكنني لم أوافق، وقلت له سأحاول لكي ﻻ يقع ذلك فقال لي ﻻ!.. فتركته؛ لأنه أميننا العام، وإن لم يكُنْه آنذاك فإن جلالة الملك عينه وانتهى الكلام.. هذا ما وقع لتكون اﻷمور واضحة..”!

الجزء الثاني في مقال ﻻحق إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *