سياسة

دمج الإسلاميين المغاربيين بالنظام السياسي.. هل يحولهم لعلمانيين؟

تُوجه إلى حركات “الإسلام السياسي” المتبنية لخيار الديمقراطية، والمنخرطة في المؤسسات الدستورية والقانونية القائمة في الأنظمة السياسية العربية انتقادات قاسية، تصل إلى درجة اتهامها بالتخلي عن أصولها الإسلامية، والتحول إلى حركات حداثية وعلمانية.

وبحسب باحثين، فإن تلك الحركات تستند في تبنيها لخيار الديمقراطية، وانخراطها في العمل السياسي تحت مظلة الدستور والقانون النافذ في البلاد إلى رؤى واجتهادات، وازنت بين الخيارات المتاحة تحت وقع إكراهات الواقع وضغوطه، فترجح لديها ذلك الخيار.

لكن في ظل ما آلت إليه غالب تلك التجارب، من عدم تحقيقها لنتائج مهمة عبر ذلك المسار السياسي، فإن حدة انتقادات المعارضين ازدادت وتكاثرت، لأنها في نظرهم لا تعدو أن تكون “ديكورا تجميليا لتحسين صورة الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية”.

إسلامية وفق العلمانية والحداثة الغربية

ووفقا للباحث المصري في التاريخ والحضارة الإسلامية، محمد إلهامي، فإن “التجربة (الإسلامية) المغاربية، في تونس، والجزائر، والمغرب، هي النجاح الأمثل للنظرية الاستشراقية الأمنية القائلة إن دمج الإسلاميين في النظام السياسي يحيلهم بالتدريج إلى حداثيين علمانيين”.

ولا يتردد إلهامي في وصف ذلك التحول بأنه “ما كان له أن ينجح إلا لأنه صادف نفوسا ضعيفة.. لا بأس عندها أن تستبدل بدين الله العلمانية والحداثة”، مضيفا في سلسلة تغريدات له على “تويتر”: “هنا تأتي أعمال أجهزة الأمن والاستخبارات في فرز الشخصيات، وانتقاء المداخل النفسية والاجتماعية للتأثير والضغط والإغراء”، على حد وصفه.

وأضاف: “هذا الأمر يصدق في السياسيين كما يصدق في المنتسبين لأهل العلم، فنحن منذ سنوات أمام طوفان غير مسبوق، ولم يكن ليُصَدق من تزوير الدين والكذب فيه تبريرا لاختيارات السياسية، ونجاة من فخاخها”.

وطبقا للباحث المصري إلهامي، فإن “هذا كله ربما كان يُتفهم أو يُحتمل لو أنهم حققوا شيئا ذا أهمية في هذا المسار السياسي، ولكنهم في أحسن الأحوال مجرد زخرف للنظام السياسي العفن المجرم، ثم هم لا يملكون أن يحافظوا لأنفسهم على موقعهم كزخرف، بل هم دائما وفي كل وقت رهن رغبة النظام، وتحت سطوته وسوطه”.

وتابع إلهامي في تغريده أخرى حديثه، بالقول: “ويمكن أن ينتقلوا غدا جميعا من موقع الزخرف إلى موقع المطرود، أو حتى موقع المسجون، ثم هذا كله كان يمكن أن يُتفهم أو يحتمل لو أنهم قالوا وأعلنوا أنهم لا يستطيعون ولا يملكون تمكين الإسلام، وأنهم يتعاملون مع واقع رديء”، وهم بحسبه “ينتجون نسخة من الإسلام على وفق رغبة وهوى العلمانية والحداثة الغربية”.

تجارب إصلاحية.. ولكن

من جهته، رأى الباحث المغربي في الفكر الإسلامي، حفيظ بن أحمد، أن “انخراط الإسلاميين في الإصلاح السياسي ينطلق من قوله تعالى (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)، ويرتكز على التجربة اليوسفية (نسبة إلى نبي الله يوسف عليه السلام)، وعلى تغليب مقاصد الشريعة السمحة في استبصار المصلحة العامة، وتقليل الفساد وليس استئصاله جذريا، فذلك لم يقم به حتى الأنبياء”.

واستدرك بن أحمد، قائلا: “فمشاركة الإسلاميين كانت بناء على تلك الرؤية وغيرها، لكنهم بسبب أخطائهم الذاتية، وعدم قراءتهم للواقع قراءة سياسية عميقة، وترجيح الموازنات الدولية، وكذلك تربص خصومهم الداخليين والخارجيين بهم، وتصنيفهم بتصنيفات الإرهاب وما شابه، فشلت تجربتهم وأجهضت”.

وأضاف في حديثه لـ”عربي21″: “وعلى الرغم من أنهم باشروا حقهم المشروع من خلال القنوات والأوعية السياسية المشروعة، إلا إنهم يطاردون ويتهمون بنياتهم، وتوصف أطروحاتهم وممارساتهم بأنها لون من ألوان المراوغة”.

ودافع بن حفيظ عن تجارب تلك الحركات موجها حديثه لكل من اتهمها بالتحول إلى حركات علمانية وحداثية بأنه “جاهل بطبيعة العمل الإسلامي وإكراهاته، وجاهل أيضا بطبيعة المرحلة”، واصفا غالب من يصفون الحركات بذلك بأنهم يصدرون عن مواقف كارهة للإسلاميين ومعادية لهم.

وتابع: “الحركات الإسلامية التي اختارت الاندماج في النظام السياسي، والعمل من خلال الهوامش المتاحة إنما تجتهد وتقارب في مسارها هذا، في ظل إكراهات الواقع الشديدة التي تواجهها” مستذكرا صلح الحديبية الذي سماه الله بالفتح المبين مع ما فيه من تنازلات، ومعارضة بعض الصحابة له قبل نزول القرآن للتصويب والتسديد، وشعار “خلوا بيني وبين الناس” لو أتيح للإسلاميين لكان الأمر مختلف جدا، إذ المرحلة تتطلب ذلك قدر الإمكان”.

الإسلامي في مواجهة العلماني

بدوره، اعتبر الأكاديمي والكاتب السياسي اليمني، الدكتور رياض الغيلي أن “فكرة تحول الإسلاميين إلى علمانيين وحداثيين بعد اندماجهم في النظام السياسي أنها تتضمن قدرا كبير من المبالغة، ذلك أن مشروع الإسلام السياسي قائم بذاته ويقف في خط المواجهة مع الفكر العلماني والحداثي”.

وقال لـ”عربي21″: “لكن يمكن القول إن الإسلاميين يعيدون ترتيب أولويات المشروع الإسلامي بعد اندماجهم في النظام السياسي، وممارستهم للسياسة من داخل البيت السياسي، وبالتالي يصبحون مجبرين على التماشي (على مضض) مع النظام القائم حفاظا على المكتسب السياسي، وانتظارا للحظة المناسبة للبدء في تطبيق المشروع الإسلامي”.

واستحضر الغيلي “التجربة الأردوغانية كمثال على ذلك، فهي خير شاهد عليه، إذ بدأت بالسماح لبعض القيم الإسلامية التي كانت محظورة في النظام العلماني كالآذان والحجاب وغيرها”.

وتعليقا على تجربة الإسلاميين في المغرب، لفت الغيلي إلى أن “التجربة المغربية تجربة متفردة كونها محكومة بسلطة الملك، ولا تتسم بالديمقراطية الكاملة”. واصفا إياها بـ”التجربة الناجحة في تقديم الإسلام السياسي كطرف قابل للتعايش مع الآخر بعيدا عن قولبته في إطار الإرهاب والتطرف، أما التجربة التونسية فما زال الوقت مبكرا لمحاكمتها بموضوعية”.

وأبدى الغيلي تحفظه على وصف تجربة الإسلاميين في المشاركة السياسية بأنها “لا تعدو أن تكون ديكورا تجميليا للأنظمة السياسية” لأنها في نظره “تجربة جيدة لصقل قدرات الإسلاميين والتعامل مع الواقع السياسي بموضوعية بعيدا عن التنظير، ومن ثم الاستفادة من هذه التجارب في إعادة تطوير برامج الإسلام السياسي وأهدافه وأساليبه، وهو ما سيؤدي إلى مراجعات هامة وثرية”.

* عربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *