منتدى العمق

رحلة الصحراء كادت تقودني إلى زواج من نوع خاص

كانت لحظة ماتعة، تلك التي كان يرقص فيها أصدقائي على إيقاعات صحراوية مستمدة من التراث الحساني الأصيل، كان يسهر على تقديمها بطقوس تختلف عما عهدناه في مناسبات مماثلة، صحراويون وصحراويات لم تفارقهم ابتسامة الضيافة وترحاب الكرم.

في اللحظة ذاتها صعدت إلى غرفة الفندق لأخطّ هذه الكلمات، بعيدا عما قيل لنا قبل رحلة الصحراء، بأنه يلزمنا الانتباه إلى “ألسنتنا” ونحن نكتشف منطقة لا تتجزأ ولا ينبغي لها ذلك، عن باقي مناطق المغرب… كان لا بدّ أن أستفز أفكار سائق سيارةٍ رباعية الدفع وهو يجول بنا في فيافي صحراء مدينة الداخلة، كما كان على أصدقائي تحمّل تطفلي عليهم حين أمعنت بإصرار جامح على فتح حوار أثناء رحلة الرمال بدل الاستماع إلى مقاطع موسيقية يمكن تأجيلها إلى وقت لاحق…

بعدها، سألت صديقي السائق ذي النزعة القبلية الواضحة؛ صحراؤكم جميلة للغاية والأجمل ما فيها هو وجود أمثالكم على ثغورها، وإن كنتم تنوبون عنا في الذود عنها من أخطار قد تهددنا جميعا…أجابني وهو ينظر إلي بنظراته الخفية من وراء إطار المرآة الأمامية، كون الصحراء هي بلاد أجداده وهي مستمرة الوجود مادام هناك نبض قائم في قلوب الصحراويين وهو السبب ذاته الذي جعل الصحراويين يعتمدون على أنفسهم في غير حاجة لأحد، بما فيهم الدولة نفسها…نحن لسنا أمثالكم أنتم (الداخليون) فإن كنتم أنتم تتنفسون الأوكسجين فنحن نتنفس حبات الرمال كما لازلنا نحمل أمتعتنا فوق ظهور الإبل، فهي إذن باعث لنا على الصمود وحافز لنا لمزيد من الكرامة…

كلمة “الكرامة” رددها صديقي الصحراوي أكثر من 15 مرة أثناء رحلة استغرقت قرابة 80 كيلومترا ذهابا وإيابا، قبل أن أعمد إلى تحوير النقاش باستفسار عن إمكانية مصاهرة الصحراويين، لكن بمهر ومصاريف زواج لا يجب أن تفوق مبلغ المليون سنتيم، أجابني معقبا على التو بأنه من الأفضل أن أتقدم بهكذا مطلب إلى سكان كوكب آخر وليس من أهالي الصحراء، حيث إن أبسطهم يكلفه زفاف العمر حوالي 15 مليون سنتيم، وقبل أن يسترسل في كلامه أخبرته كوني متزوجا وأني أبسط فقط في حديثي، إلا إذا كان الزواج لديهم بالتقسيط وقتها قد أراجع أفكاري أملا في تقليص مسافة 1500 كيلومتر التي تفصل بين قلوب مواطني البلد الواحد، ولأن النزاع الذي يختلقه الرجال لا تحلّه إلا النساء، فأنا مستعد إذن للمصاهرة.

ضحك صديقي السائق معقبا؛ الزواج هنا له دلالات أخرى قد تغيب عنكم هناك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *