وجهة نظر

رؤية بنكيران لمستقبل حزب العدالة والتنمية (3)

في هذا الجزء الثالث والأخير إعلانه العودة لمواجهة التحكم وخصوم الإصلاح، ورؤيته الجديدة في ثقافة الحركة الإسلامية للحرية الفردية في الإسلام وعلاقة الدين بالسياسة وقضايا ستثير الجدل في أوساط الاسلاميين كقوله بالحرية الفردية في الاسلام في نزع الحجاب ولشارب الخمر والزاني والشذوذ الجنسي!

إعلان العودة لمواجهة خصوم الاصلاح

لم تمنعه هدية الملك “المعاش الاستثنائي” التي أُخبِر بها منذ مدة غير يسيرة من أن يعلن العودة إلى معركة الإصلاح السياسي، وعكس ما يتمناه الكثيرون فقد أعلن خريطة إنقاذ الحزب وتثبيته في مواجهة خصومه وخصوم الإصلاح؛ وفي ما يشبه بيانا لرفع مشعل الصمود ومواجهة التحكم قال: “أيها الاخوان وبطبيعة الحال الحزب مستهدف وأنا أرى أشياء كثيرة (قالها بتأفف). كان سي باها رحمة الله عليه يقول: «لو لم يقع لكم ما وقع لشككنا في أنفسنا» … لأن عندنا خصوم شرسون لا يريدون سماع المرجعية الإسلامية ولا سماع الدفاع عن المال العام ولا سماع مواجهة الفساد والاستبداد، فقط يريدون أن يتحكموا في هذه البلاد.. وهم خصوم شرسون لا يريدون كلامكم ولا يسمعون إليكم..”.

بنكيران بتجربته الثاقبة يشرح كيف يستعمل التحكم في حربه القذرة المال العام ويستثمره في تحريض الناس للانقلاب على الإصلاحيين؛ يورد قصة معبرة بأسلوب بسيط ليشرح كيف يفلت المتحكمون وأصحاب الريع الكبار من المحاسبة، وكيف يملكون القدرة على تجييش البسطاء وعموم الناس للمعركة الخطأ: “أذكركم مرة أخرى بالحادثة التي وقعت لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما قال لبني أمية «يجب أن ترجعوا كل الأموال التي تملكونها لأنكم لم تملكوها بمجهود بذلتموه؛ فقام أحدهم وقال والله لا نرد هذا المال ورؤوسنا فوق أكتافنا» بمعنى إذا فعلتها سنعلن عليك الحرب، فقال لهم: «والله لولا أن تستعينوا عليَّ بهذا المال على من أريده لهم لسعَّرتُ خدودكم» بمعنى أريد أن أرده على الفقراء والمساكين ولكن لولا أنكم ستذهبون إليهم وستحركونهم وتجعلون منهم العيّاشة والمرتزقة الخ وستحاربونني وتقضوا علي “لسعرت خدودكم” بمعنى لأهنتكم إهانة شديدة… عندنا خصوم يريدون المال وأن يربحوا المال بالريع..”..

وفي رسالة موجهة لبعض أعضاء حزبه المفتونين بالامتيازات، وموجهة لجميع الأحزاب، تطرق إلى أنواع الريع منها ما يأتي من الرشوة وما يأتي من الامتيازات غير المشروعة وما يأتي من التحايل على القانون للاستفادة من التعويضات والسفريات ويضربون عرض الحائط كل مبادئهم؛ ونوع آخر وهو الأخطر لمجموعة من اليساريين المتطرفين ” منهم من باع “الماتش” واختار أن يذهب إلى حيث يحاول بيع شراسته ونضاليته وتاريخه مقابل أن يهاجمنا.. وهؤلاء هم خطرون وأقول للدولة أنهم خطرون على الجميع بما فيها الدولة.. الفرق بين أصحاب الريع واليسار المتطرف هو أن الأول يأكل ويخاف ولم يألف حراميات المناضلين. والآخرون بشراستهم التي ألفوها واكتسبوها من الفقر “الزلط” ومن النضال يأكلون ويبتزون بها ويهددون ويتآمرون. هؤلاء لم يكونوا من قبلضد الملكية فقط، بل كانوا ضد الله وضد الوطن، وكانوا يعلنون الالحاد ويعتزون به ويأكلون في رمضان علانية وكل الفضائح أمام الملأ، وهم كانوا ضد الوحدة الوطنية والوحدة الترابية معا؛ وأما معاداتهم للملكية فحدث ولا حرج.”

الإسلام والحرية الشخصية: رؤية لعلاقة الدين بالسياسة

بمناسبة الصور والسلوكيات الفردية لقياديين في العدالة والتنمية والمثيرة للجدل حول الحرية الشخصية وعلاقة الدين بالسياسة، تطرق بنكيران إلى مفهوم الحرية في الإسلام ونوع علاقة الدين بالسياسة التي يجب أن تكون في رؤية حزب العدالة والتنمية. وفي قضية أمينة ماء العينين بالضبط رد بنكيران الصاع صاعين لجهتين هما أعداء الحزب الذين روجوا للصور المنسوبة إليها، والجهة الثانية هي أعداؤها الشامتون من داخل الحزب. وضع الإطار المناسب لمعالجة قضيتها بقوله إنها لم تكن مستهدفة إلا لأنها ألمع سياسية مزعجة للاستبداد “يجب على المغاربة أن يعوا بهدف هذه الإشاعات؛ إنه استهداف لشابة لامعة وربما هي ألمع سيدة سياسية في المغرب”.

بين أن السيدة على افتراض صحة صورها بدون حجاب المنسوبة إليها لم ترتكب جريمة لا بالمفهوم الشرعي ولا بالمفهوم القانوني؛ بل إن الذين روجوا الاشاعات عنها هم المجرمون حقيقة بدليل قطعي من الشريعة “هم أناس مغرضون لو طبقت الشريعة الإسلامية لكان البحث عنهم ومعاقبتهم لأنهم تجسسوا والله تعالى يقول {ولا تجسسوا}. يحكى عن سيدنا عمر أنه دخل على أناس من أعلى سطح المنزل متسلقا سورها فوجدهم في جلسة خمر؛ فبدأ ينكر عليهم فقالوا له: يا عمر نحن لم نرتكب إلا خطأ واحدا وهو أننا نشرب الخمر، وأما أنت فقد ارتكبت ثلاثة أخطاء: دخلت علينا دون إذننا ولم تسلم علينا حيث يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلوا على أهلها}؛ ودخلت علينا متسلقا السور؛ والله تعالى يقول {واتوا البيوت من أبوابها} والثالثة تجسست علينا والله تعالى يقول {ولا تجسسوا}؛ فخرج عمر وتركم”… ورد بشدة على بعض الاخوان من الحزب المنزعجين من انتقاداتها ومواقفها السياسة والذين استغلوا القضية للحديث عن المرجعية الإسلامية لتصفية الحسابات معها إلى حد اعتبارهم أنذالا؛ رد عليهم بأسلوب يقدم لهم من خلاله دروسا في الشريعة والسياسة الشرعية: “وإذا قمنا يشيء ضدها بسبب هذا سنكون فعلا قد وقعنا في الفخ… وليسمح لي الاخوان المنزعجين من آمنة إذا كان لهم معها حساب فليس هذا وقت تصفيته معها… يجب أن لا تكونوا أنذالا، وإذا فعلتم فأنتم أنذال؛

تأملوا الحكام المسلمين أثناء الحرب لا يقيمون الحدود على المسلمين الذين يستحقونها. ولهذا فهذه حرب من جهات تريد أن تقضي على حزبكم. هذه نذالة يجب أن لا تكون في الحزب… هناك من له مشاكل مع ماء العينين فليصفوها ولكن ليس الآن، هذا وقت مساندتها في الاستهداف؛ نساندها لأنها استُهدِفت لأفكارها وتصريحاتها وجرأتها؛ وهذا لا يعني أننا متفقون معها في كل ما تقوله وفي كل ما تفعله”.

وبالمناسبة، قدم درسا في مفهوم الحرية في الإسلام،انطلاقا من التمييز بين المخالفات التي يرتب عليها الشرع عقوبات وتلك التي تبقى شأنا بين العبد وربه بدون ترتيب عقوبات شرعية عليها ومن ضمنها الحجاب: “هناك أمور اعتبرها الإسلام مخالفات ولكن لم يرتب عليها مساءلة شرعية ومنها اللباس الشرعي الذي فيه أمر عام في قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وقوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}؛ ولكنه لم يرتب عليها عقوبة كقطع اليد في حالة السارق أو الجلد في حالة الزنى؛ وهي مخالفات يبقى فيها الانسان بينه وبين الله.. لذلك فإن الأمر في حجاب المرأةهو بينها وبين الله. ونحن منذ اليوم الأول عندما أقنعنا أزواجنا والسيدات اللواتي نعرفهن وشرحنا لهن الحجاب، إنما فعلنا ذلك لأننا مقتنعون به وما زلنا مقتنعين به؛ ولكن الأمر يبقى في النهاية حرية شخصية.. فالمرأة إذا التزمت به فهي حرة وقد أخذت الاحتياط لدينها ولنفسها، وإن لم تلتزم به فذلك اجتهادها، كان الله في عونها؛ لأننا نحن لا نعرف ظروفها، ولا دخل لنا في ذلك..”.

وذهب بعيدا إلى الحرية الشخصية بالنسبة للشذوذ الجنسي وغيره من المعاصي بالتمييز بين المنع الذي هو اجتماعي والتحريم الذي هو من عند الله وحده: ” لنا المنع فأما التحريم فمن عند الله وحده، فالمنع اجتماعي… وإذا سألتموني عن رأيي في الشذوذ الجنسي فرأيي الشخصي بكل صراحة أنه لا دخل لي في الأمر (يتحدث عن نفسه كرجل دولة)؛ طبعا أنا أستنكره استنكارا مطلقا لكن ذلك ليس من شأني؛ وكذلك أن تلتقي امرأة برجل الخ.. كل ذلك ليس من شأني … لكن ما ليس مسموحا به هو المجاهرة بالمعصية… إن الإسلام لا يعاقب على المعصية (يقصد العقوبة الشرعية)؛ وإنما يعاقب على المجاهرة بها”. وأعطى مثالا باشتراط أربعة شهود لتنفيذ عقوبة الزنى، مستخلصا “أن الإسلام يحمي الحرية الشخصية حتى في هذا النوع من المعصية؛ ولكن لا يسمح أن يجاهر بها حتى يراها أربعة عدول، بمعنى حتى يكون لها الضرر في المجتمع ويراها الصغير والكبير والطفل والمرأة فتنتشر ونسير في طريق الخراب. لقد دمر الله قوم لوط بسبب إشاعة الشذوذ الجنسي قال تعالى {أتتخذون الرجال شهوة من دون النساء}. هل تريدون بنا أن نسير في طريق الخراب ونتبع الأوروبيين…”.

لابن كيران كما هو معروف في تاريخ حزب العدالة والتنمية والحركة الإسلامية عموما بالمغرب آراء ومواقف مؤثرة في مسيرتها؛ بعضها أو جلها مؤسسة ومؤثرة في تطور الفعل السياسي للحركة خصوصا والمسار الديموقراطي الإصلاحي عموما، ومثيرة لحيوية النقاش العميق والتفاعل السياسيين في أوساط جميع الشرائح المغربية بدون استثناء صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم. إنه حقا باعتراف خصومه قبل محبيه شخصية سياسية نادرة الوجود، ونادر أن يجود بها الوطن؛ فلا يعقل أن يُدفع دفعا للتقاعد؛ حيث ليس من المصلحة الوطنية في شيء، ولا تقاعد في السياسة إلا للمنهزمين والضعفاء عديمي الصبر والحكمة؛ بل من الخيانة الوطنية تحجيم دوره السياسي ليحل محله الأقزام في السياسة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *