منتدى العمق

الإشعاع الصوفي المغربي في روسيا

تمهيد:

ظهر التصوف في بلاد روسيا في زمن مبكر وكان للطرق المغربية تأثير واضح في الاشعاع الروحاني في بلاد روسيا وذالك من خلال تواجد مجموعة من الطرق الصوفية تعود الى اصل مغربي وخصوصا الطريقة الشاذلية والطريقة التجانية وأيضا الوازنية ويتجلى ذالك من خلال مجموعة من الاضرحة المتواجدة في روسيا وأيضا السند الصوفي المتبع داخل الزاوية ، حيث نجد ان هناك مريدين مازلن في مجموعة من المناطق في روسيا يحافظون على نفس السند المتبع عند الشاذلية. هذا إن دل على شيء يدل على الاشعاع الصوفي المغربي في روسيا.

إن تاريخ العلاقات الروسية – المغربية قديم، وكانت بدايته في أواخر سنة 1777 حين عرض سلطان المغرب محمد الثالث بن عبد الله، على يكاترينا الثانية امبراطورة روسيا اقامة علاقات تجارية بين البلدين . وفي نوفمبر عام 1897 تم افتتاح قنصلية عامة للإمبراطورية الروسية في مدينة طنجة. ووصل رئيس البعثة طنجة في مايو 1898 .

وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والمغرب في 1 سبتمبرعام 1958. في 30 ديسمبر 1991 اعترف المغرب بروسيا الاتحادية.ومن الاحداث المهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين – زيارة الملك الحسن الثاني الى موسكو في اكتوبر 1966 وتم خلالها التوقيع على اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والبث الاذاعي والتلفزيوني والاقتصاد و في مجال العلم و التقنية، وايضا تصدير الماكينات و المعدات السوفيتية الى المغرب. وزار ولي العهد المغربي (حاليا ملك المغرب) موسكو على رأس وفد مغربي في عامي 1982 و 198.

ومن جانبه زار المغرب رئيسان لمجلس السوفيت الاعلى (ليونيد بريجنيف في فبرايرعام 1961ونيقولاي پودگورني في ابريل عام 1969) ورئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي ألكسي كوسيگن في اكتوبر اول عام 1971.

وتحتل زيارة الملك محمد السادس الى موسكو في الفترة بين 14 -18 أكتوبر عام 2002. موقعا مهما في تاريخ العلاقات الروسية – المغربية، وخلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تم التوقيع على بيان مشترك حول الشراكة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية والمملكة المغربية. وفي الفترة بين 22 -23 نوفمبرعام 2005 قام وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ اثناء جولته في شمال افريقيا بزيارة المغرب واستقبله الملك محمد السادس. كما التقى رئيس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون. في 7 سبتمبرعام 2006 قام الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين بزيارة رسمية الى المغرب ( مدينة الدار البيضاء) التي اجرى خلالها مباحثات انفرادية وبمشاركة الوفد المرافق مع الملك محمد السادس. في نهاية المباحثات وقعت مجموعة وثائق للتعاون في مجالات مختلفة.وتم في عام 2006 في موسكو لقاء وزيرالخارجية والتعاون محمد بن عيسى ووزير الدولة المغربي الفاسي الفهري مع وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ وسكرتير مجلس الامن الروسي إيگور إيڤانوڤ.في الفترة بين 27 فبراير 1 مارس اذار عام 2007 قام وفد مغربي ضم في عضويته وزير الداخلية شكيب بن موسى ووزير الخارجية والتعاون المغربي الطيب فاسي فهري ووزير الداخلية فؤاد عالي الهمة.وقام ياسين المنصوري المدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات بزيارة عمل الى موسكو حيث أجرى مباحثات مع وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ وسكرتير مجلس الامن إيگور إيڤانوڤ.وتعمل اللجنة الحكومية المختلطة الروسية – المغربية للتعاون في مجال الاقتصاد و في المجال العلمي – التقني و التي عقدت اجتماعها الثالث عام 2008 بمدينة الرباط.

الصوفية والسلفية في روسيا:

بدأت الحركة الصوفية في روسيا بوصفها “حركة مقاومة”، رغم أنها انشغلت في الجوانب الروحية وعلاقة الإنسان بربه؛ لاحقاً هادنت الصوفية السلطة الحاكمة بعدما استقطبتها واستعانت بها لمحاربة التيارات الإسلامية المتشددة، التي وجدت طريقها إلى الاتحاد السوفيتي أواخر ثمانينيات القرن العشرين. ويشير إلى أن الإرهاصات الأولى للصراع الصوفي _ السلفي في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في إطار ما سُمي بظاهرة “الإسلام خارج المساجد”، حينما تشكلت جماعات وصفت بالمتطرفة أطلق عليها معارضوها تسمية الوهابيين. بعد نحو عقدين من الزمن انقسم شمال القوقاز بين مؤيدي ما اصطلح عليه بـ «الإسلام التقليدي» ومعظمهم من الصوفيين، ومؤيدي ما أطلق عليه «الأصولية الإسلامية» ومعظمهم من أتباع السلفية وينتشرون أساساً في داغستان والشيشان وإنجوشيا. وقد اختارت الدولة في روسيا التعامل مع الصوفيين الذين يميلون للاعتراف في سلطة الدولة العلمانية، في الوقت الذي مارست الاعتقال والضغوط على السلفيين.

الحضور الصوفي المغربي في روسيا:

يقول الباحث الروسي “ادريس سولو فيوف “ان الصوفية في روسيا اخدت عن الطرق الصوفية المغربية السند الصوفي ولا سيما الطريقة الشاذلية نسبة للشيخ ابي الحسن الشاذلي ويضيف ان الوقت الحاضر هي خير طريق للنهضة الروحية ومواجهة مخاطر التطرف. وقال هذا بعد اطلاعه على أحزاب الشاذلية وأيضا الصلاة المشيشية. والان موجدة مجموعة من الزوايا الصوفية تابعة للوزنية والشاذلية والتجانية ولكن الهيمنة للطريقة الشاذلية من هنا تكمن العلاقة الروحية بين المغرب وروسيا. وهذا التأثير كان السبب في إيقاظ الهمام الصوفية المعاصرة المتصفة بالتسامح والشفافية. اضافة لذلك تذَكر ممثلو المؤسسات التعليمية الدينية من تتار ستان وداغستان وبشكيريا ومناطق اخرى من روسيا لحظات من تاريخ التصوف في الامبراطورية الروسية. وكانت قراءة القران الكريم من قبل سيدة مسنة من تتار ستان بطريقة خاصة مفاجأة سارة للحضور، حيث قرأت سور الكتاب المقدس بلغة عربية جيدة ولكن بنبرة خاصة بالشعوب الناطقة بالتركية. ولم يكتف هؤلاء بتذكر الماضي: فألبير كرغانوف مفتي موسكو والمنطقة الوسطى، الذي دعا الى هذه الطاولة المستديرة، اقترح عقد مؤتمر دولي يُكرس لانبعاث التقاليد الصوفية في الفضاء السوفيتي السابق مركزا على الاشعاع المغربي في روسيا.ان هذه الفعالية غير الاعتيادية بعض الشيء لروسيا، مثل مناقشة آفاق الصوفية، مكرسة لمرور 180 سنة على ميلاد الناشط الديني زين الله رسولوف. ان هذا الناشط الديني من انصار الافكار الصوفية بالطريقة النقشبندية والشاذلية اسس في مدينة ترويتسك الواقعة جنوب الاورال مدرسة “الرسولية” التي اصبحت فيما بعد من اضخم المدارس الدينية الاسلامية في ذلك الوقت.

وتجدر الاشارة، الى ان الاسلام دخل الى اغلب مناطق الامبراطورية الروسية بشكله الصوفي. وكان النشاط الديني خلال العهد السوفيتي محظورا، وتعرض الصوفيون الى الاضطهاد والملاحقة، مما ادى الى ضياع تقاليد الصوفية في روسيا. ورغم ذالك مازال النفح الصوفي حاظر في روسيا.

بعد انتشار الطرق الصوفية بكلّ أرجاء المغرب الإسلامي؛ بدأت الصوفية تتسرب إلى أصقاع روسيا حيث وصلت «الطريقة الشاذلية والوازنية» الى مختلف المناطق في روسيا وله اثر بارز في التقاليد والأعراف في المنطقة.

بينما ساهم سيدي زين الله رسولوف، في نشر الطريقة النقشبندية والشاذلية

ومن أبرز مدارس التصوّف التي ظهرت وكان لها حضورٌ كبيرٌ وانتشارٌ واسعٌ بروسيا الطريقة الشاذلية التي أصبح لها حضورٌ كبيرٌ خلال القرن 19موعُرفت بميولها العسكرية, وكان لها دورٌ مهمٌّ في مواجهة التغلغل الاستعماري.

ومن ثمّ ارتبط انتشار الإسلام واعتناقه في روسيا في القرون المتأخرة بالطريقتَيْن «الشاذلية » و «الوازنية»، وأضحى «كلّ مسلمٍ يتّبع واحدة من الطريقتَيْن» ومن غير العادي أن «يكون مسلماً غير منتسبٍ لإحدى الطرق الصوفية الكبرى»

كما كان للزاوية التجانية، هي الأخرى، نصيبٌ واضحٌ في الانتشار، ونشر الإسلام بروسيا.

خلاصة:

الاشعاع الصوفي المغربي في روسيا حاظر بقوة وذالك كما يتضح من خلال العرض.

وأصبحت بعض الزوايا في المناطق الروسية تقوم محل الدولة واصبح المتصوفة يطلقون على انفسهم اسم السلطان بكل سهولة.
التصوف المغربي له اشعاع عالمي وذالك يتجلى من خلال الانتشار السريع لطرق الصوفية.

* باحث بجامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *