وجهة نظر

الاستهداف السعودي للمغرب.. إلى أين؟

إثر قرار المغرب نصرة دولة قطر الشقيقة ، و تجميد مشاركته في حرب اليمن ، و رفضه العلني لجريمة اغتيال جمال خاشقجي ، و استقبال محمد بن سلمان ، النظام السعودي يشن هجوما ” جاهليا ” على المملكة المغربية . و المقال الذي أضعه بين يدي القارئ الكريم يعود إلى سنة من صياغته ، مع بعض الإضافات المطلوبة سياقيا !

تميزت العلاقات الدبلوماسية المغربية السعودية منذ عقود، بقدر كبير من الانسجام والتناغم في المواقف السياسية ذات الصلة بمختلف القضايا الإقليمية والدولية، وبمستوى رفيع من الاحترام المتبادل والإصرار على العمل المشترك في كافة المجالات، إلى درجة قد يستحيل معها تصور أي تصدع أو نشاز في الرؤية الهيكلية الرسمية لهذين البلدين العربيين الهامين، وبعد أن جرت مياه متدفقة تحت جسر هذه العلاقة الوطيدة، أخذ المراقبون والمعنيون بالشأن السياسي العربي والدولي يلمحون بوضوح عيوبا تتسلل ببطء لكن بقوة إلى إطار الصورة، التي رسمها ساسة القطريين بقدر غير يسير من الجلد والأريحية، مما ينذر بتحول بالغ الخطورة قد يفضي إلى تبعات نوعية غير ودية.

و من تحصيل الخاص القول إن شخصيات سياسية سعودية وازنة لم تعد تخفي “عدم رضاها” عن القرارات المغربية المستقلة، وتعبر بالواضع عن أن عهد “ المجاملة ” انتهى ؛ وأن القاعدة الجديدة التي أضحت عنوانا لحكام اليوم والغد هي السعودية أولا، والويل لمن يعاديها! كما صرح بذلك رئيس مخابرات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان ! وفي هذا السياق خرج قبل ذلك رئيس هيئة الرياضة ، والمستشار بالديوان الملكي السعودي المثير للجدل السيد تركي آل الشيخ، بتغريدات فائقة العداء والاستفزاز إزاء المملكة المغربية، أقلها إشارته بطريقة غير مباشرة إلى أن المغرب أخطأ البوصلة وهو يبحث عن الدعم العربي والخليجي، بخصوص ملف ترشيح المملكة المغربية لاحتضان مونديال كأس العالم 2026، وأن السعودية ستساند من يخدم مصالحه العليا لأن ” اللون الرمادي لم يعد مقبولا لدينا”!

وفي رأي كاتب هذه السطور، والذي لا ينتمي إلى الطبقة السياسية ولا إلى أي هيئة حزبية مغربية، بقدر انتمائه المعنوي إلى فئة الكتاب العرب المستقلين، المدافعين عن القيم الديمقراطية المتعارف عليها دوليا، فإن هكذا مواقف سياسية سعودية متشنجة، لا تثير أي استغراب أو تحسر، فمن حق حكام آل سعود أن ينهجوا طريقا نحو تجسيد “ مصالحهم الحيوية ”، ومن حقهم أيضا أن يختاروا “ أصدقاء جدد ” ، “ يؤمنون ” مطاراتهم و” يحمون ” المرافق العامة لبلادهم ، ومن حقهم أخيرا وليس آخرا أن يستهجنوا المشترك البشري الراهن، من حكامة رشيدة ومساواة بين الجنسين ورفض لحرية التعبير والمعتقد .. لكن ليس من حقهم أن يحرموا الآخرين من مكتسبات تبلورت نتيجة تضحيات سياسية وأهلية سنين عددا.

لا نكن أي عداء للمملكة العربية السعودية، ونرجو لها كل خير وازدهار، فهي دولة مركزية دينيا وماليا، ويمكن أن تصبح قطرا عربيا بالغ التأثير إقليميا وعالميا، شريطة أن تدرك أن الطفرة المالية وحدها لا تصنع القوة، فهذه الأخيرة هي نتاج استنبات دولة مدنية حديثة تؤمن بالديمقراطية كنظام للحياة الإنسانية الراهنة ، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء ، و حرية التعبير عن الرأي بعيدا عن سياسة تكميم الأفواه و الاغتيال المادي و المعنوي للإعلاميين النزهاء ، والتنافس الحر على السلطة عبر انتخابات شفافة وعادلة، ورؤية علمية عقلانية للإنسان والمجتمع والكون. وغني عن البيان الإشارة إلى أن الهجوم السياسي والإعلامي السعودي الشرس على المغرب ، سببه موقف المملكة المغربية المتوازن والمعتدل من الأزمة الخليجية الأخيرة ، و عدم تأييدها المغامرات السعودية غير محسوبة العواقب ، فالمملكة المغربية لن تتواطأ مع أي كان ضد دولة عربية شقيقة، ولن تتدخل في شؤونها السياسية وتصادر استقلال قراراتها السيادية. صحيح قد تنزع السعودية وأخواتها إلى الانتقام من المغرب، وتعمل على لي ذراعها في موضوع بالغ الحساسية ألا وهو الصحراء المغربية، وقد بدأت في ذلك و عبر ترسانتها الإعلامية البئيسة ، لكن على ” أصحاب القرار ” في السعودية أن يدركوا أن المغرب مصر على استكمال تجربته الديمقراطية الجنينية، و غير مستعد للتخلي عن مبادئ الأخوة وتطلع الشعوب العربية إلى الحرية والعدالة والتضامن والعمل المشترك، فاللون الرمادي لم يكن مقبولا ولن يكون كذلك في المملكة المغربية، فقد ولى زمن الابتزاز والمساومة على مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية المؤطرة للدول المدنية الحديثة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *