وجهة نظر

هل لازال الرئيس بوتفليقة يحقق مطلبا نفسيا للجزائريين؟

قطعت الأحزاب الأربعةل لتحالف الحكومي بالجزائر الشك باليقين حين أعلن قادتها التفافهم وراء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة في خطوة تمهد له لكي يضع ،وهو الذي يحكم البلاد منذ 20 سنة لترشيحه ” بصفة شخصية” قبل موعد 3 مارس ،وترفع الحرج تبعا لذلك عنه أمام الرأي العام والمنتظم الدولي بتصوير ترشيحه هذه المرة ايضا كرغبة وكمطلب شعبي يلح على نفوس الجزائريين.

هذا الإخراج الذي اهتدى له هؤلاء الساسة ،وضع حدا لكل التكهنات التي غذت نقاشات المشهد السياسي في الآونة الأخيرة حول قدرة الرئيس المريض منذ تعرضه لجلطة دماغية سنة 2013 على ممارسة الحكم …و هو الامر الذي سبق وأن تم “بنجاح ” غداة 2014 حين تمكن من كسب العهدة الحالية وقد كان على هاته الحالة العليلة.

انتخابات برهانات إقليمية.

وغني عن القول إن انتخابات الرئاسة بالجزائر ،وإن كانت شأنا داخليا للجزائريين، إلا أن لها بعدا إقليميا ظاهرا نظرا للقيمة الاستراتيجية لبلد المليون ونصف المليون شهيد الذي يتموقع في قلب الوطن العربي و على الضفة الجنوبية للمتوسط غير بعيد عن اوروبا .ينضاف لذلك مساحته الشاسعة التي تجعل منه اكبر بلد عربي وافريقي ومتوسطي بما يربو عن 2 مليون كلم ٢ و بشريط ساحلي طويل يبلغ 1644 كلم وصحراء ممتدة تصل الى 80 في المائة من رقعته الاجمالية ،وحدود مع ست دول هي تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا ومالي و النيجر.تلك الحدود التي يمكن أن تكون هدفا و مرتعا لحركات التطرف والإرهاب .والتي بوسعها ان تعدي كل المنطقة ولم لا الوصول إلى قلب العواصم الغربية نفسها، وخصوصا انها تجعلها جنوبا تتاخم شمال مالي حيث تنشط حركات جهادية متمرسة، و تتصل شرقا كذلك على طول 1000 كلم مع دولة ليبيا الفاشلة التي تسيل لعاب تنظيم داعش بعد اندحاره بالعراق وسوريا.

فغياب الاستقرار بالجزائر لا قدر الله قد يحول المنطقة برمتها إلى برميل بارود قابل للاشتعال والانفجار في وجه الجميع .ومن ثمة يكون أمن الجزائر من أمن هذه المنطقة الحساسة في العالم. ألم يسبق خافيير سولانا ان صرح ان امن اوربا يجري خارجها وخاصة ما يجري بشمال أفريقيا . زد على ذلك ان المخزون الكبير من النفط الذي يرقد في أحشائها والذي يصنفها ثانية في افريقيا وفي المرتبة 16 عالميا يجعل منها دوما عضوا فعالا في منظمة الاوبك و رقما صعبا في معادلة تحديد قيمة هذه الطاقة الحيوية على مستوى العالم .ناهيك عن كونها ايضا تاسع دولة من حيث احتياطي الغاز الطبيعي عالميا الساعة الاستراتيجية الجالبة للأموال وللأطماع.

واذا كان المقيم الفرنسي بالمغرب ليوطي اعتبر أن الحكم في المغرب هو أن تمطر السماء.فان الحكم في الجزائر التي ابتليت بنفس الاستعمار هو أن ترتفع أسعار النفط في السوق العالمية لكي تتمكن من الوفاء بالمتطلبات الاجتماعية لمواطنيها. خصوصا وأن البترول والغاز هما المورد الرئيسي للعملة لديها حيث يمثلان 97 في المائة من مجموع صادراتها. و خصوصا وانها استمرأت هذا النهج الربعي في الاقتصاد دون أن تلجأ كالدول الصاعدة إلى تنويع مصادر الثروة ولونسبيا.

هذا الاقتصاد الريعي هو الذي يتسبب في الهشاشة السياسية للجزائر ،ويجعل الانتخابات لحظة حرجة وحساسة عوض أن تكون إجراءا وتمرينا ديموقراطيا روتينيا.

كل هذه العوامل تجعل الأنظار تتركز على الجزائر في انتخاباتها رغم أنها تبقى إلى الآن دون جديد ودون إثارة . بل وتضع دائما الجميع غربا وعربا في صف واحد إلى جانب استقرارها وعبورها لبر الأمان .لأن استقرار الجزائر في ظل الترابط الإقليمي والنظام العالمي المعولم شرط ضروري لاستقرار المنطقة، واضطرابه لن يكون دون تأثير سلبي على التوازنات الإقليمية والاقتصادية برمتها .

لا تلدغ الجزائر من الربيع مرتين.

ورغم أن البعض يتعجب كيف نجت الجزائر بمشاكلها المزمنة من أتون الربيع العربي الذي ضرب حواليها في دول الجوار .والذي رشحت له بقوة بحكم التركيبة النفسية والاجتماعية للجزائريين، وتعثر الاقتصاد ، واستشراء البطالة بين الشباب وضبابية الآفاق أمام ناظرهم كما هو الحال لدى شباب أغلب الدول العربية ، فإنهم ربما لا ينتبهون الى أن الجزائر كانت اول دولة عربية زارها الربيع العربي سنة 1988 فيما يعرف بأحداث الخامس من اكتوبر الأسود حين كابدته آنذاك لوحدها من دون الدول العربية،لتعرف قبل الجميع صعود نجم الإسلاميين ممثلين في جبهة إنقاذ عباسي مدني وعلي بلحاج إثر اول انتخابات تعددية تمخضت عنها أهوال وويلات من الدم والارهاب والقتلى الذين بلغوا 200 ألفا من الضحايا كلفوا الجزائر ايضا خسائر اقتصادية باهظة و واقتطعوا جزءا من نموها.

لقد عانت الجزائر من مرحلة عسيرة في تاريخها الحديث فشل في تجاوزها عدد من الرؤساء الذين جيئ ببعضهم على عجل لتنفيذ إصلاحات تعيد الاستقرار للبلاد وتخرجها من دوامة العنف الدموي إلى باحة السلم والعيش المشترك إلى أن استلم الامور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يحسب له مناصروه إصداره لقانون الوئام المدني بأغلبية ساحقة من البرلمان في 16 سبتمبر 1999 تلاه بعد ذلك في سنة 2005 كخطوة ثانية إعلان ميثاق السلم والمصالحة الذي ألغى المتابعات القضائية في حق كل افراد الجماعات المتشددة الذين حملوا السلاح في وجه الدولة والمجتمع.

الرئيس الضروري.

يدفع مؤيدو الرئيس بوتفليقة أنه كان الرئيس الذي عرف كيف يعزف على الأوتار الحساسة عند الجزائريين الذين انهكتهم سنوات الفتنة والاقتتال حين رفع شعارات المصالحة ونبذ العنف واستئناف التنمية الاجتماعية والبناء الاقتصادي ،وفتح باب العفو والتوبة والعودة إلى أحضان المجتمع للمتورطين في الإرهاب ،فكان أن توقفت مأساة الجزائر مع الارهاب.

ولذلك لم يعن الربيع العربي شيئا كثيرا للجزائريين بعد أن جربوا جحيم الفوضى والاحتراب، وخصوصا وانهم رأوه يتمخض عن نفس الحصاد الذي سبق لهم مراكمته قبل الجميع، وهو إمساك الإسلاميين بالحكم إما مباشرة كما جرى بمصر او من وراء حجاب كما عرفت تونس ، واتعظوا بالمآلات المخيبة للآمال التي انتهت إليها الثورات العربية.ولذلك يقدم مريدو الرئيس بوتفليقة مرشحهم الخالد بوصفه تلك تلك السلامة التي تقي من الندامة.

ولذلك فبوتفليقة في نظر عرابيه يظل حاجزا في وجه الإسلاميين الذين بغض النظر عن الموقف منهم لايستبشر بهم الجزائريون خيرا مادامت فترتهم قد ارتبطت بالدم والفوضى .وهو ايضا ضمانة ضد ” فتنة “الربيع العربي الذي لا ينبغي ان يغري الجزائريين لانه مجرد “مؤامرة خارجية “لتفكيك الدول العربية. كما أن ملحمة الكفاح ضد الاستعمار لازالت تستدعى لأجل مزيد من إسباغ الشرعية على جبهة التحرير الوطني و على الشخصيات التاريخية خصوصا في ظل الظروف الحالية المتسمة بالتهديدات و الصعوبات.

صحيح أن الرئيس الجزائري شافاه الله ليس بوسعه أن يقوم بحملة انتخابية .وليس له أن يتوجه بالخطاب للناخبين فهو لم يتكلم مع الشعب ولم يستقبل ضيوف الجزائر منذ زمن بعيد . وصحيح ان هناك حلقة ضيقة من المستفيدين تحيط به.

ولكن يبدو أنه في هذه اللحظة الحالية يصور عبد العزيز بوتفليقة بصفته الممكن من المستحيل . فرغم عجزه ، فالمعارضة تبدو اعجز منه .فهو إلى الآن وأن كان لا يستطيع مباشرة المهام الرئيسية فهو يلبي في نظر المتحلقين حوله حاجة الجزائريين إلى الاستقرار.بل و يحقق لهم بمجرد حضوره مطلب الأمن في ظل أوضاع إقليمية متفجرة .

إنها خصوصية الاوضاع والعلاقة المركبة بين الحكام والمحكومين بالجزائر وربما ايضا في دول أخرى من العالم العربي، والتي لها سياقاتها وتجاربها التاريخية و سماتها النفسية والعاطفية الخاصة ،.والتي زادتها نتائج الربيع العربي، وسطوع الإسلام السياسي،وجدية الأخطار الإرهابية، فرادة تستدعي بالضرورة فرادة في التحليل والاستنباط تختلف عن المألوف من التحليلات.

ربما تكون آخر خدمة يؤديها الرئيس الجزائري لبلده محافظته على إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري .وربما يكون هذا في حد ذاته مكسبا للجزائر في ظل وضعها الاقتصادي وندوبها النفسية جراء دوامة العنف التي كانت مسرحا لها.ربما أن بوتفليقة على مرضه هو الرئيس الضروري الآن في الجزائر في انتظار أن تنجب الايام رئيسا يحقق من الانتظارات والآمال مايفوق به الرئيس بوتفليقة المريض.

إن المرء لا يبدل بالتأكيد دواء يراه ناجعا. يقول لسان حال الموالاة المتشبة بالرئيس بوتفليقة. بالترشيح في نظرنا تعبير عن الوفاء و العرفان لشخصية ترى أنها نجحت في أن تعبر بالجزائر أحلك عشرية سوداء . ولكنه وفاء يغلف ايضا بمشاعر الخوف من المجهول والتوجس وايثار السلامة على ركوب المخاطرة، و فيه ايضا تأسي بتجارب الدول المجاورة في انتظار أن تنجب الجزائر شخصية للمرحلة يتوافق وينضوي تحت لوائها الجميع٠ وبلد المليون ونصف المليون شهيدا لن تعجز على ذلك.

كفى من جمود المشهد السياسي.

المؤكد أن هذا كل هذه المبررات الطوباوية تكذبها الاخبار الراشحة من الجزائر.و التي تشير إلى أن ترشيح الرجل في نظر الكثيرين، وان كانت له اسبابه النفسية والسياسية له ايضا آثاره الوخيمة على نفسية الجزائريين الذين اخذوا يجهر ون بكونه أمرا غير أخلاقي ينطوي على عدم احترام ذكاء الشعب الجزائري إذ لا يعقل أن يسير الجزائر رئيس لم يخاطب الشعب منذ ست سنوات خصوصا وانهم يفهمون أن الرئيس ليس متوحدا بالكرسي لانه لا يملك فسيولوجيا إمكانيات ذلك ،وان العطب يكمن في الحلقة المحيطة به التي تستثمر على البلاد التغيير وتداول السلطة بين الأجيال . ولذلك فهو مجرد شماعة للحكم باسمه من طرف فئة نافذة منتفعة ببقائه ممسكا بالسلطة في ظل نظام دستوري رئاسي يعطي صلاحيات جد واسعة لرئيس الجمهورية .

يبدو أن فئات واسعة قد قرفت من استمرار حالة الجمود والانسداد السياسي هاته التي ستنعكس سلبا على نفسية الجزائريين وتقود شبابهم إلى طلب الخلاص عير البحر.

ولذلك فقد حان الوقت في نظر معارضي الولاية الخامسة لكي يترجل بوتفليقة عن سنام الحكم خصوصا وانها لن تزيد في عمر التجربة البوتفليقية التي يعتبرون انها استنفذت اغراضها لكن دون ان ينجحوا في تقديم بديل.

ولذلك ففي ظل هذا الوضع وهذا الشد والجذب تبقى العديد من السيناريوهات محتملة حتى آخر لحظة.

* أستاذ بكلية الطب بالرباط ودكتور في الحقوق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *