منتدى العمق

موت مفجع نتيجة الإهمال الطبي

ودّعتنا إلهام وخلفت وراءها الحزن والأسى لتميط اللثام بذلك عن حقيقة الوضع الصحي بإقليم زاكورة. كلما توفي شخص ما، لا يتوانى المسؤول المغربي عن التصريح بالقول:”مكتوب الله ”

القدر شماعة يعلقون عليها نتائج العجز والإهمال، هكذا كُتب على الشريحة المقهورة من المجتمع أن تُراكم الانكسارات والمآسي. خلف موت الطالبة إلهام فؤاد التي تنحدر من دوار تزكين بإقليم زاكورة استياءً كبيرا وحزنا عميقا في صفوف عائلتها الكبيرة والصغيرة، موت مُفجع أعاد إلى الواجهة أزمة الوضع الصحي بالإقليم.

إقليم يضم نسبة مهمة من السكان تتمركز أساسا في البوادي، إلا أن المُسجّل منذ عقود خلت، غياب مراكز صحية بالجماعات القروية تستطيع الاستجابة لحاجيات المواطنين، فإذا استثنينا ممرضا أو اثنين في كل مركز و بعض المستلزمات الطبية المحدودة جدا، لا تكاد تميزُ المركز عن أي مكان عمومي تجد فيه بعض الحقن و أقراص آلام الرأس كإسعافات أولية لا تحتاج لتدخل طبيب، إذ تكفي استشارة طبية في صيدلية أو قراءة ordonnance لتناولها.

إلهام الطالبة المُجدة غادرتنا بشكل مفاجىء، بعدما عجز الطبيب عن تشخيص المرض في أكثر من مناسبة. الفقيدة ليست الحالة الوحيدة التي تُسجل، بل أصبح الأمر يتكرر باستمرار. بالأمس امرأة حامل، وبعدها مريض يموت بسبب الزائدة الدودية appendicite ، واليوم بعد زيارتين إلى المستشفى الإقليمي بزاكورة الذي يبعدُ عن مسقط رأس الفقيدة بحوالي 35 كيلومترا، الطبيب يطمئن عائلة فؤاد بأن ابنتهم في حالة عادية.
الفريق الطبي يعجز مرتين عن تشخيص المرض المعروف بالمنانجيت، ليتم نقلها إلى وارزازات بمستشفى سيدي حساين، لكن بعد فوات الأوان.

أين يكمن المشكل إذن؟ بعدما كنا نطرح إشكالية غياب الأطر و المراكز الطبية، ها مُشكل أشد خطورة على الساكنة ينضاف إلى لائحة المشاكل التي تحيط بها من كل جانب، من يتحمل المسؤولية إذن؟

إن مؤشرات التنمية في البلدان التي تحترم مواطنيها، تركز على جودة التعليم و مدى جودة قطاع الصحة، من حق المواطن أن يتمتع برعاية صحية جيدة و تعليم يمكنه من الانخراط في تحولات العصر ويضمن كرامته وحقوقه كاملة غير منقوصة.

لكن الملاحظ أن وطننا يجذف عكس التيار . ما يزال المواطن يُصارع من أجل ضمان حقه في الحياة، هذا إن لم يودع الدنيا مُكرها، ليأتي المسؤول الحكومي و يُصرح: “قضاء وقدر”، وهو من ربط بإهماله المواطن في حبل المشنقة.

حين أتذكر المسافة التي كانت تقطعها المرحومة إلهام، من دوار تزكين إلى الإعدادية والثانوية بعد ذلك، من 8 إلى 16 كيلومتر يوميا، مُتحدية كل الصعاب لتنال بجدارة واستحقاق مقعدا في الجامعة، وكلها طموح كباقي أبناء زاكورة في تحقيق ذواتهم، حين أتذكر المسار الذي قطعته وكيف غادرتنا فجأة بسبب الإهمال الطبي، أتحسر و يقتلني الأسى، ولا يمكنني إلا أن أقول: رجاءً لا تعلقوا عجزكم و استهتاركم بصحتنا بالقدر إن القدر براء مما تدعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *