منتدى العمق

بين الوطن والمواطن هناك الوطنية

كلنا مواطنون، لكن كل منا بمنظاره الخاص حسب السلم الذي يصعده داخل هرم المجتمع…فمنا من رأى الوطن زحاما خانقا، ومنا من رآه في قهوته الصباحية او في كأس داخل الأقبية، و منا من رآه بقعة جغرافية على الشاطئ او في أعالي الجبال… إلا أنه في النهاية شيئ نحن ننتمي إليه. فهو عصارة نواتج تفاعلات الإنسان مع الزمان و المكان. لذا، فإن كان من شيئ يستحق النضال فهو الوطن. فليس هناك مواطن يكره وطنه ،بل هناك مواطنون يحبونه بعنف.

إن الحديث عن الوطن يستلزم الحديث أيضا عن واجباتنا تجاهه، وأسئلة كثيرة تتبادر للذهن كلما ذكر هدا الموضوع. ماذا قدمنا لوطننا؟ ماذا كتب التاريخ عنا؟ هل سنخبر أسلافنا عن قتال الشوارع والملاعب الذي خضناه أم عن ليالينا السمراء أم الحمراء او لربما السوداء… ينتابني الشعور بالخجل فعلا مما سأرويه لأبنائي عن ما قدمته للوطن.

هناك من يتسائل و يقول: ماذا قدم لنا الوطن؟ ويبرر قوله أن العطاء بالأخذ، وأن الأوساط المجتمعية الاقتصادية هي من تصنع مواطنيين صالحين او فاسدين. إنها أطروحة تشيئ الإنسان و تمهد لترسيخ عقلية القطيع، وتفند فكرة أن الإنسان كائن عاقل وواعي يتأثر و يؤثر. هنا أريد الوقوف كي أؤكد أن بعض السلوكيات الغير مرغوب فيها ليست أكثر من ردة فعل إرادي أو لاإرادي كتعبير عن أزمة تربوية وأخلاقية تعكس صورة للمجتمع الذي أبوا إلا أن يتغير…

أذكر أن هناك بندا سنه ادولف هتلر في دستور دولته كان دافعا وسببا رئيسيا في إخراج ألمانيا من أزمتها انذاك، جاء فيه:《 .. أن الأفراد من يدخلون في خدمة الدولة، وليس العكس》. ضمنيا نجد في خلال استقراء هذا البند أنه يجب على كل فرد يحمل جنسية ألمانية خدمة دولته ووطنه انطلاقا من الفلاح و العامل وصولا لأعلى الوظائف والموظفين.

فلو أن فلاحينا و عمالنا و صناعنا و اطبائنا و مسؤولينا … عملوا بهذا البند لكنا اليوم ننافس الماكينة الألمانية او التقنية اليابانية، لذا فنحن مطالبون أكثر من أي مضى بخلق حوار مجتمعي قوي و عميق ينبني على أساس الثقة والمحاسبة من أجل حياكة نسيج مجتمعي جديد يقينا تقلبات الأجواء المحلية والعالمية، وذلك من خلال ترسيخ المبادئ والقيم الخلاقة التي تهدف لخلق تنمية مستدامة و تغير جدري نحو الأفضل.

إذا كان المحدد الوحيد لقيمة الوطنية فينا هو ما قدمناه للوطن.فلنقدم له شيئا ذا قيمة جمالية و نفعية. من منا لم يرغب أن يسكن بيتا جميلا مثينا له واجهتين تطل على البحر و الأخرى على الرمال،مزود بالمرونة والخدم الكافيين لتلبية حاجيات أهله … إنها لدعوة و نداء للقلوب الحية المشبعة بحب الوطن من أجل الوحدة و التعاون على إصلاح سقف هذا الوطن وتثبيت دعائمه و سد الثغر في جدرانه، إنه لنداء حب و مودة تلاحم نادى به (المجدوب) أهله يومها:
عيطت عيطة حنينة تفيق من كان نايم ناضوا قلوب المحنة او رقدوا قلوب البهايم

وسأجدد النداء لأولئك الذين كرهوا هذا الوطن وساروا يمقتونه ويدمروه واكثرو فيه الفساد، أقول لهم قولة شهيرة علقت في الذهن 《اترك المكان احسن مما كان ،فإن لم يكن بالإمكان فعلى الأقل كما كان》.حتى ينزل الغيت علينا في أوانه ويحل معه الخير والبركة ويعود الماء لمجراه وتنبت الأرض من بطنها ما يؤمن جوعنا و حاجتنا، ولن نعد بحاجة لاستيراد هوية غير هويتنا ومحاولة لبسها على أساس الانفتاح او الحداثة او التقدمية …. كي لا نعيد الكر نفسه الذي وقع فيه الغراب لما أراد تقليد مشية الحمامة.

واختتم كلماتي بسؤال لا زال يتردد على مسامعي طيلة تناولي للموضوع. ماذا قدمت أنا وأنت لهذا الوطن؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *