وجهة نظر

إغلاق المساكن في ميزان القانون

المحور الأول: الحماية القانونية للمباني السكنية:

قبل الحديث عن إغلاق البيوت، أو المساكن، أو المنازل وهي مسميات لمسمى واحد، وهو المكان الذي يتخذه الشخص مسكنا للعيش فيه فردا كان أو أسرة، لا بد من التذكير بالمكانة التي يحظى بها هذا الفضاء في التشريع المغربي، والحرمة التي خصه بها الدستور من وجهين،
أولهما باعتباره ملكا خاصا، فقد نص الفصل 35 من دستور 29 يوليو 2011 على انه : “يضمن القانون حق الملكية.
ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون”.
وثانيهما باعتبار وظيفته الاجتماعية حيث نص الفصل 31 من الدستور على انه حق تعمل الدولة على توفيره لكل مواطن : “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
– …
– السكن اللائق؛”
ثم نص الفصل الفصل 24 من الدستور على أن للمسكن حرمة خاصة، جاء فيه “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة.
لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون.
…”
ثم نص الفصل 29 على حرية الاجتماع حيث جاء فيه أن:
“حريات الاجتماع ….. مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات”.
ثم أخيرا من خلال إقرار مسؤولية الدولة عن حماية الأسرة وضمان استقرارها، ولا استقرار للأسرة إلا بتوفر المسكن القار واللائق، حيث جاء في الفصل 32:
“الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.
تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها….”.

ولم يقف الدستور المغربي عند هذا الحد، بل تعداه إلى إقرار مبدأ حماية الحقوق المعترف بها دوليا، من خلال تصدير الدستور أولا، حيث جاء فيه:
“فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي:

حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛

جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.
ثم بشكل أكثر وضوحا وصراحة من خلال الفصل 19 الذي جاء فيه :
“يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها”.
ومن أهم الاتفاقيات الدولية في هذا الباب لا بد من الإشارة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ في 23 مارس 1976 والذي صادق عليه المغرب منذ3 مايو 1979 والذي ينص في المادة 17 منه على انه :
“1- لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته.
2- من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”.
ثم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ من 3 يناير 197 والذي صادق عليه المغرب في 3 مايو 1979 والذي تنص المادة 11 منه على :
“1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر”.
على هذا الأساس يمكن القول بأن الأصل أن السلطات العمومية لا يمكنها اقتحام المنازل ولا إغلاقها، إلا إذا توفرت ظروف خاصة تفتح باب الاستثناء من الأصل، بمقتضى نص صريح من القانون.

المحور الثاني : الإطار القانوني لإغلاق المباني السكنية:

وبالرجوع إلى القوانين التي تجيز إغلاق المساكن أو الأماكن عموما نجد هناك تمييزا مهما بين الإغلاق القضائي والإغلاق الإداري.
أ‌- الإغلاق القضائي:
فالإغلاق القضائي هو الذي يتم على يد القضاء، بحكم صادر عن المحكمة. وهذا النوع من الإغلاق هو ما نص عليه الفصل 62 من القانون الجنائي الذي ورد فيه:
“التدابير الوقائية العينية هي:
1- مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها.
2- إغلاق المحل أو المؤسسة التي استعملت فيها ارتكاب الجريمة”.
وقد فصل المشرع في إجراءات هذا التدبير الوقائي العيني في الفصل 90 من القانون الجنائي حينما نص على أنه:
“يجوز أن يؤمر بإغلاق محل تجاري أو صناعي نهائيا أو مؤقتا، إذا كان قد استعمل لارتكاب جريمة، إما بإساءة استغلال الإذن أو الرخصة المحصل عليها، وإما بعدم مراعاة النظم الإدارية.
وينتج عن الحكم بإغلاق محل تجاري أو صناعي أو أي مؤسسة أخرى في الأحوال التي يجيزها فيها القانون ذلك، منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل، ويشمل المنع أفراد أسرة المحكوم عليه أو غيرهم ممن يكون المحكوم عليه قد باع له المحل أو أكراه أو سلمه إليه كما يسرى المنع في حق الشخص المعنوي أو الهيأة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة.
ومدة الإغلاق المؤقت لا يجوز أن تقل عن عشرة أيام ولا أن تتجاوز ستة أشهر، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.
وجدير بالذكر هنا أن الإغلاق القضائي لا يصدر إلا عن المحكمة بمقتضى حكم قضائي يتوج مسطرة محاكمة جنائية.
وجدير بالذكر أيضا أن هذا الإغلاق لا يمكن الحكم به بمعزل عن متابعة جنائية من أجل الجرائم التي اقترفت في المبنى أو استعمل المبنى في اقترافها.
والحالات التي أجاز فيها المشرع الحكم بإغلاق المحلات السكنية كثيرة، نذكر منها:
1. الجرائم الإرهابية بمقتضى الفصل 5-218
2. الجرائم المتعلقة بالعبادات بمقتضى الفصل 220
3. جرائم الاتجار بالبشر بمقتضى الفصل 6-448
4. الجرائم المتعلقة بإفساد الشباب والبغاء بمقتضى الفصول 501 و2-503
5. الجرائم المتعلقة بتقليد الأعمال الأدبية والفنية بمقتضى الفصل 577
6. الجرائم المتعلقة بالإدمان على المخدرات السامة بمقتضى الظهير بمثابة قانون رقم 1.73.282 بتاريخ 21 مايو 1974 يتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات.
7. الجرائم المتعلقة بالاتجار في المخدرات السامة بمقتضى الظهير الصادر في 2 دجنبر 1922 بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها
8. الجرائم المتعلقة بالاتجار في المشروبات الكحولية بمقتضى قرار للمدير العام للديوان الملكي رقم 3.177.66بتاريخ 17 يوليوز 1967 بتنظيم الاتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول.
9. الجرائم المتعلقة بممارسة مهن الطب والصيدلة والمهن المجاورة بمقتضى الظهير رقم 367-59-1 تنظم بمقتضاه مزاولة مهن الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان والعقاقيريين والقوابل بتاريخ 26 فبراير 1960
وبعض النصوص الخاصة الأخرى.

ب‌- الإغلاق الإداري:
نظرا لخطورة إغلاق المحلات السكنية، فان المشرع المغربي جعل الأمر به من اختصاص القضاء أساسا،ولم يجز للإدارة التصدي مباشرة لهذا الأجراء إلا استثناء، في ظروف خاصة، بمقتضى نصوص خاص.
1- قانون التعمير والقوانين المرتبطة به:
صدر بالجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 17 ذو الحجة 1437 الموافق ل 19 شتنبر 2016 ظهير شريف رقم 1.16.124 صادر في 21 من ذي العقدة 1437 الموافق ل 25 غشت 2016 بتنفيذ القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، والذي جاء بتعديلات جديدة لثلاث نصوص قانونية هي على التوالي:
1- القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير ، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.31 بتاريخ 15 ذي الحجة 1412 ( 17 يونيو 1992).
2- القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.7 بتاريخ15 ذي الحجة 1412 ( 17 يونيو 1992).
3- الظهير الشريف رقم 1.60.063 الصادر في 30 من ذي الحجة 1379 (25 يونيو 1960) بشأن توسيع نطاق العمارات القروية.

وقد تطرق المشرع إلى إغلاق المحلات السكنية في القانون رقم 66.12 في ثلاث مواطن من خلال نسخ وتعويض المادة 67 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، ثم بإضافة المادة 63-3للقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وأخيرا بإضافة الفصل 7-12للظهير الشريف رقم 1.60.063 الصادر في 25 يونيو 1960 بشأن توسيع نطاق العمارات القروية.
ومضمون هذه النصوص الثلاثة يكاد يكون متطابقا تكررت فيه نفس المسطرة ونفس الإجراءات الواردة في المادة 67 من القانون 12.90 كما وقع نسخها وتغييرها جاء فيها : “يتخذ المراقب أو ضابط الشرطة القضائية، مباشرة بعد معاينة المخالفة أمرا بإيقاف الأشغال في الحال، إذا كانت أشغال البناء المكونة للمخالفة، مازالت في طور الإنجاز، ويرفق المحضر المذكور الموجه إلى المخالف بنسخة من محضر المعاينة يبلغ الأمر الفوري بإيقاف الأشغال إلى كل من السلطة الإدارية المحلية ورئيس المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية،إذا لم ينفد المخالف الأمر المبلغ إليه بإيقاف الأشغال في الحال، يمكن للمراقب، حجز المعدات والأدوات ومواد البناء وكذا إغلاق الورش ووضع الأختام عليه، ويحرر محضرا تفصيليا بذلك، يوجهه إلى وكيل الملك.”

والملاحظ من خلال هذه النصوص القانونية أن المشرع لم يجز إغلاق المحل أو بالأحرى الورش ووضع الأختام عليه إلا إذا كانت أشغال بناءه ما تزال جارية، وامتنع صاحبها عن الامتثال للأمر المبلغ إليه بإيقاف الأشغال.
أما بالنسبة للأماكن المعتمرة فان المشرع خط مسطرة واضحة بمقتضى المادة 66 من القانون 12.66 كما وقع تغييرها، جاء فيها “يزاول المراقب مهامه من تلقاء نفسه أو بطلب من السلطة الإدارية المحلية أو من رئيس المجلس الجماعي أو من مدير الوكالة الحضرية، بناء على إبلاغ من الأعوان التابعين لهم المكلفين بهذه المهمة أو بناء على طلب كل شخص تقدم بشكاية،يمكن لضابط الشرطة القضائية أو المراقب، معاينة مخالفة محلات معتمرة،بناء على إذن كتابي للنيابة العامة المختصة وذلك داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أيام”.
ويبدو واضحا أن المشرع هنا لم يجز للسلطة الإدارية إغلاق أو هدم المبنى المستغل للسكن، وجعل دورها يقتصر على معاينة المخالفة وإحالة المسطرة بخصوصها على الجهات القضائية المختصة.
2- القانون المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط:
الظهير رقم 1.16.48 صادر في 27 أبريل 2016 بتنفيذ القانون رقم 94.12 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري.
المادة 9 : “…
يمكن لهذا القرار أن يتضمن المنع المؤقت أو النهائي من الولوج للمبنى المذكور مع تحديد أجل لسريان هذا المنع”.
المادة 17 :
عند وجود خطر حال يهدد سلامة شاغلي مبنى آيل للسقوط أو المارة أو المباني المجاورة له طبقا للتعريف المشار إليه في المادة 2 من هذا القانون، يأمر رئيس مجلس الجماعة، بعد توصله بتقرير من اللجنة الإقليمية المشار إليها في المادة 29 بعده أو من المراقبين المنصوص عليهم في المادة 47 بعده، باتخاذ الإجراءات الاستعجالية اللازمة لدرء الخطر ولا سيما :
– …
– إخلاء ساكني أو مستعملي المبنى أو المنشأة ؛
– المنع المؤقت من استعمال المبنى أو المنشأة ؛
– المنع النهائي من استعمال المبنى أو المنشأة ؛
– المنع الجزئي أو الكلي من استعمال المبنى أو المنشأة ؛
– … “.

3- الظهير المعتبر بمثابة قانون رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي:
فيما يتعلق بالظهير المعتبر بمثابة قانون رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها كما وقع تغييره وتتميمه بالظهير رقم 1.07.56 الصادر في23 مارس 2007 بتنفيذ القانون رقم 29.04، والوارد في ديباجة بعض قرارات الإغلاق، فإنه بدوره يحيل صراحة على الباب الرابع من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، والذي لا يمنح بالتالي السيد العامل صلاحيات أوسع بخصوص المباني المعتمرة.

ت‌- قرارات الإغلاق الصادرة عن العامل:

أ‌- الطبيعة القانونية لقرارات الإغلاق:
بالرجوع إلى قرارات إغلاق بيوت مجموعة أعضاء من جماعة العدل يتضح أنها جميعها صادرة عن العامل.
وأن هذه القرارات، باعتبار الجهة المصدرة لها، قرارات إدارية وليست قضائية.
وأن هذه القرارات، اعتمدت في ديباجتها، كأساس قانوني لها، ثلاثة نصوص قانونية هي على التوالي:
– الظهير رقم 1.58.377 بتاريخ 15/11/1958 بشأن التجمعات العمومية، كما تم تغييره وتتميمه،
– الظهير رقم 1.84.150 بتاريخ 02/10/1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، كما تم تغييره وتتميمه،
– القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير كما تم تغييره وتتميمه.

ب‌- الطبيعة القانونية للمساكن المغلقة:
لابد، قبل تحليل المقتضيات القانونية المعتمدة من طرف العامل، من توضيح الطبيعة القانونية للمساكن موضوع الإغلاق.
فالبيت موضوع الإغلاق، والكائن بحي الحداوية 1 رقم 16-18 شارع فاس، عين الشق، الدار البيضاء، عبارة عن فيلا سكنية مكونة من قبو وطابق أرضي وطابق أول.
وأن الفيلا موضوع قرار الإغلاق، مشيدة منذ أكثر من 30 سنة، ولا تظهر عليها علامات الإصلاح أو الترميم.
وان الفيلا هي ملك خاص، مسجلة في المحافظة العقارية في اسم السيدين عبد الكبير حسيني وصهره إبراهيم دازين، كما توضح ذلك شهادة الملكية المستخرجة حديثا من المحافظة العقارية.
وأن البيت المغلق، تبعا لذلك، بيت خاص، يقع في الملك الخاص للأفراد.

4- الأساس القانوني لقرارات الإغلاق:
لا بد، من أجل تقييم مشروعية قرار الإغلاق الصادر عن العامل، من تحليل الأساس القانوني المعتمد فيه، والذي ارتكز على ثلاث نصوص قانونية، كما سبق الإشارة إلى ذلك، نتولى تحليلها على الشكل الأتي.
أ‌. اعتماد ظهير 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية لأجل تبرير الإغلاق:
بالرجوع إلى الظهير رقم 1.58.377 بتاريخ 15/11/1958 بشأن التجمعات العمومية، كما تم تغييره وتتميمه، يتضح أنه ينظم مجموع الإجراءات المتعلقة بالاجتماعات العمومية والمظاهرات بالطرق العمومية والتجمهر.
وعلاقة بموضوع المقال، فان هذا النص لم ينظم الاجتماعات الخاصة، أي تلك التي تعقد في مكان خاص، بيت مثلا، بين أشخاص معينين، مما يجعل هذه الاجتماعات في إطار المباح الذي لا قيد عليه.
وفضلا عن ذلك فان صفة العمومية منتفية عن الاجتماعات التي تعقدها جماعة العدل والإحسان باعتبارها جمعية مؤسسة بكيفية قانونية وباعتبار اجتماعاتها وأنشطتها معفاة من التصريح عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من ذات القانون.
وبصرف النظر عن ذلك كله، فإن الفصل التاسع الذي يجرم جنحة عقد اجتماعات بدون تصريح يعاقب عليها بغرامة تتراوح بين 2000 و5000 درهم دون أن ينص على إغلاق المحل الذي كان يعقد فيه الاجتماع كأحد التدابير الوقائية العينية المنصوص عليها في الفصلين 62 و90 من القانون الجنائي.
وقد أجمع الفقه الجنائي على مر العصور على تطبيق قاعدة تؤطر حقوق وحريات الأفراد وهي قاعدة لا جريمة وعقوبة إلا بنص، أو كما يحلو لبعض الفقه الجنائي تسميتها بمبدأ الشرعية أو النصية.
وقد أكد المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 3 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.
فمؤدى هذا الفصل أنه لا يمكن محاكمة شخص على فعل إلا إذا جرمه القانون، كما أنه لا يمكن معاقبة شخص إلا بالعقوبات الواردة في نص التجريم وإلا تم العبث بمبدأ الشرعية أو النصية.
وبالتالي يكون ما أقدمت عليه السلطات الإدارية تأسيسا على ظهير 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية من إغلاق للبيوت وتشميعها بدعوى عقد اجتماعات عمومية بدون تصريح، عملا منافيا للمشروعية ويشكل اعتداء ماديا على الملكية الفردية.
وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالناضور بمناسبة محاكمة أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان وهو الأستاذ جمال بوطيبي من أجل عقد اجتماعات عمومية وكسر أختام وذلك في قرارها عدد 271 الصادر بتاريخ 22 فبراير 2007 في الملف رقم 1/2007 الذي جاء فيه:
“بالنسبة لكسر أختام موضوعة بأمر من السلطة العامة.
حيث إن الشرطة القضائية قامت بإغلاق منزل المتهم وتشميع بابه بناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور وأن المتهم قام بفتح المنزل بعد أن قام بكسر الختم.
وحيث إن إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة يعتبر من التدابير الوقائية العينية طبقا للفصل 62 من القانون الجنائي ويجب أن تقضي به المحكمة التي تصدر العقوبة الأصلية والحال أن إغلاق منزل المتهم كان بأمر من الوكيل العام للملك وقبل صدور الحكم من أجل الأفعال المتابع بها المتهم.
وحيث إنه بمراجعة ظهير 15/11/1958 المتعلق بالتجمعات العمومية يتضح أنه لا يتضمن كتدبير وقائي إغلاق المقرات أو المحلات التي تعقد فيها التجمعات العمومية بدون تصريح وعليه يبقى أمر إغلاق منزل المتهم عمل غير مشروع وبغض النظر عن قيام المتهم بكسر الختم الموضوع على منزله أو عدم قيامه بذلك فإن الدخول إلى المنزل بعد كسر الختم من طرف المتهم يبقى مبررا مادام أن وضع الختم بداية كان من جهة غير مخولة قانونا للقيام بهذا التدبير وقبل صدور العقوبة الأصلية.
وحيث إنه استنادا إلى ما ذكر تكون جنحة كسر أختام موضوعة بأمر من السلطة العامة غير ثابتة في حق المتهم وأن الحكم المستأنف عندما قضى بإدانته من أجلها كان مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه في هذا الجانب”.
وقد أبرم قرار محكمة الاستئناف بالناضور بموجب قرار محكمة النقض عدد 2165/5 الصادر بتاريخي 03/12/2008 في الملف الجنحي عدد 10801/6/5/2007.

ب‌. الإغلاق الإداري للمنازل من خلال القانون المنظم للتعمير:
لقد سبق أن استعرضنا بإيجاز ضوابط إغلاق المساكن المعتمرة في إطار القانون 12.90 المنظم للتعمير، ونعود فيما يلي للموضوع بتفصيل أكبر.
إذ نص المشرع على مسطرة الإغلاق، كم سبق الإشارة إلى ذلك، في المادة 67 من القانون 12.90 كما وقع نسخها وتغييرها.

والملاحظ من خلال هذا النص القانوني أن المشرع لم يجز إغلاق المحل أو بالأحرى الورش ووضع الأختام عليه إلا إذا كانت أشغال بناءه ما تزال جارية، وامتنع صاحبها عن الامتثال للأمر المبلغ إليه بإيقاف الأشغال.
أما بالنسبة للأماكن المعتمرة، فان المشرع خط مسطرة مختلفة وواضحة بمقتضى المادة 66 من القانون 12.66 كما وقع تغييرها، حيث إن المشرع هنا لم يجز للسلطة الإدارية إغلاق أو هدم المبنى المستغل للسكن، وجعل دورها يقتصر على معاينة المخالفة وإحالة المسطرة بخصوصها على الجهات القضائية المختصة.

ت‌. الإغلاق الإداري للمنازل من خلال القانون المنظم للأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها:
حيث استند قرار الإغلاق أيضا على الظهير المعتبر بمثابة قانون رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها كما وقع تغييره وتتميمه بالظهير رقم 1.07.56 الصادر في23 مارس 2007 بتنفيذ القانون رقم 29.04،
لكن الملاحظ هو أن هذا النص بدوره لا يسعف الإدارة فيما ذهبت إليه من إغلاق المساكن لاعتبارات ثلاثة:
أولا أن هذا النص يحيل على قانون التعمير وخاصة الباب الرابع منه، وهو ما يعني أن ما استعرضناه بمناسبة تحليل مقتضيات القانون 90-12 المتعلق بالتعمير، يصح أيضا في هذا الباب، والذي يقضي بأن الإغلاق لا يمكن أن يطال مسكنا آهلا ولكن فقط ورش البناء الذي مازالت أشغال البناء جارية به.
ثانيا أن الظهير ينظم مسطرة بناء وتشييد المساجد وأماكن العبادة والتراخيص المرتبطة بها، وليس مسطرة إقامة الشعائر الدينية داخل البيوت السكنية.
ذلك أن الصلاة داخل بيوت المسلمين، فرادى وجماعات، كما ذكر الله وتلاوة القرآن فيها، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه داخلها، لا يخضع للظهير رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها.
ثالثا أن المسجد المعني بالترخيص، حسب مدلول الظهير نفسه، وحسب المفهوم من سائر مقتضياته، هو المكان المفتوح في وجه عموم المسلمين، بصريح نص الفصل 7 الذي ينص على أنه:
“تفتح الأبنية المشار إليها بالفصل الأول أعلاه في وجه عامة المسلمين لإقامة شعائر الدين الإسلامي بها”.
ولذلك، وللتأكيد على طابعها العمومي، فان الفصل 6 من نفس الظهير نص على أنه :
“تعتبر وقفا على عامة المسلمين ولا يمكن أن تكون محل ملكية خاصة جميع الأبنية التي تقام فيها شعائر الدين الإسلامي سواء منها ما هو موجود الآن أو ما سيشيد في المستقبل من مساجد وزوايا وأضرحة ومضافاتها”.
وهو نفس ما أكده قرار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 472.06 صادر في 9 صفر 1427 (10 مارس 2006) في شأن تسمية المساجد وفتحها في وجه المصلين، جاء فيه : “… يخضع فتح المساجد والأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها في وجه عموم المسلمين، أيا كانت الجهة المشرفة على بنائها، لتصريح كتابي مسبق توجهه الجهة الراغبة في ذلك إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وكل تخصيص لأي مكان آخر لإقامة الصلاة من غير الأماكن المشار إليها، يفتح في وجه عامة المسلمين، يخضع لنظام التصريح المشار إليه في الفقرة الأولى أعلاه”.
وكما يتضح من الفقرة الأخيرة للقرار المذكور، فان العبرة بسلوك مسطرة الترخيص هو “فتح المكان في وجه العموم”.
وأن ذلك يجعل المسكن الخاص المملوك لصاحبه، غير المفتوح في وجه العموم، بعيدا عن إطار تطبيق النص المذكور.
وتبعا لهذا التفصيل المقتضب لنصوص القانون المعتمدة من طرف السيد العامل، فإن الواضح أن قرارات إغلاق مساكن معتمرة بدعوى ممارسة شعائر الدين الإسلامي بها، أو بدعوى مخالفة البناء لقانون التعمير، أو بدعوى عقد تجمعات عمومية بها بدون تصريح، هي قرارات تفتقد إلى المشروعية، وتمت ضدا عن النصوص القانونية المنظمة.

خلاصة:
في خاتمة هذا الموضوع، يمكن أن نخلص إلى أن مثل هذه القضايا لا تهم المصالح المباشرة للمتضررين من مثل هذه الأعمال والقرارات الإدارية فقط، ولكنها تهم المجتمع المغربي كاملا، لما تتضمنه من مس باستقلال السلطة القضائية، وتقويض لأسس دولة الحق والقانون.
لذلك وجب على المحامين ورجال القانون والحقوقيين أن يتصدوا لهذا الموضوع، كتابة ودفاعا ومآزرة، كما وجب على القضاء أن يكون في مستوى اللحظة التاريخية. لقد انتزع المجتمع المغربي إقرار مبدأ استقلال السلطة القضائية، من خلال مسار حافل بالمظاهرات والاحتجاجات السلمية، والكتابات والمؤتمرات، ونعتقد أن على القضاء سلطة، والقضاة أقلاما وجمعيات، المحافظة على هذا المكتسب وفرض احترامه على الجميع.
الدار البيضاء، 13/03/2019.

* الحسن السني عضو هيئة دفاع أصحاب البيوت المشمعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *