وجهة نظر

المتغيرات الدولية ووحدة المغرب الترابية

في حين تستضيف مراكش المؤتمر الوزاري الافريقي بشأن النزاع حول الصحراء، يتجدد الحديث عن هذه القضية من زاوية أبعادٍ اجتماعية وأمنية وسياسية، ليست جديدة لكنها اليوم تزداد تأكيداً، نظير التحولات التي يشهدها العالم، فيما يشبه المخاض الذي يصعب التنبؤ بما يلقي على الأرض (كل أرض) من أثقال وأوزار.

فهاهي التحولات في الجارات القريبات أوروبا (بريكست–كطالونيا- اليمين المتطرف)، والجزائر (المظاهرات)، وموريتانيا بتجربتها الديموقراطية على الطريقة الروسية، والصحراء الكبرى وفظائع الإرهاب في جمهورية مالي، ناهيك عن الشقاق الليبي، وصراع العالم على الشرق العربي القريب تأثيراً على الرغم من بعده الجغرافي، إثر بعث قضية الجولان وفلسطين والقدس مجدداً.

جميع تلك المعطيات تجعل التحدي أمام القارة السمراء أكثر إلحاحاً من ذي قبل، لتنهض بحل مشكلاتها البسيطة إذا ما توفرت حسن النوايا، لتتفرغ لمعضلتها التنموية الكبرى، التي ظلت مشكلة القارة الأزلية، وبدون الانتصار عليها لن تحقق أي منجز ذو قيمة.

ومن جميل الصدف أن أديس أبابا حيث مقر الاتحاد الافريقي، تعيش هذه المرحلة أفضل حالاتها بما أثار إعجاب العالم، بفضل قدرة الاصلاحات التي طبقها نجمها رئيس الوزراء الشاب آبي أحمد على نقل الدولة من تاريخ مر وصراعات وحروب، إلى واقع أكثر أملاً وتصالحاً مع الذات والجوار.

هذه التجربة الاثيوبية في التصالح مع الماضي، يمكن للسادة الأفارقة أن ينطلقوا منها إلى التعاطي إيجابياً مع وحدة المغرب الترابية، التي بقيت أطول نزاع في القارة حتى الآن من دون أن يحسم، على الرغم من توفر فرص لذلك قل أن توجد في عديد النزاعات المستعصية في العالم.

ومن هنا كان التفاعل الايجابي الإفريقي مع قضية الصحراء مهم، بعد أن خطت المرجعية الأممية مساراً واضحاً للملف المزمن، قال عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة “يتجلى من خلال دعم معظم دول القارة السمراء لمسار الأمم المتحدة الذي يضع قضية الصحراء في إطارها المناسب ورفض كل الضبابية حولها،لأن دور الاتحاد الإفريقي ينحصر في دعم الجهود الأممية لا التدخل فيها”، بل صارح زملاءه الأفارقة بأن “تأويل القرار الأممي رقم 93 مرفوض بشكل قطعي، لأن المطلوب هو دعمه وتعزيزه”.

يقال هذا في وقت كان الحل المطروح للحكم الذاتي في الصحراء تحت الإدارة المغربية، واقعاً أثبت جديته على مر السنين الماضية، بما جعله نموذجاً لمناطق في القارة تعاني من صراع بين المراكز والأطراف.

وبحكم أن كاتب هذه السطور قاده عمله الصحافي إلى كل دول شمال وغرب القارة، لمس من واقع الساكنة في تلك البلدان – بما فيها المغرب –  تقبلها الانتماء إلى دولة المركز مع الاحتفاظ بخصوصيتها، بما يحقق لها استقراراً ونمواً تحتاجه أكثر من الاستجابة لهتافات – هذا إن صدقت – لا تلبث أن تتلاشى مع أول تحدٍ على الأرض، تفرضه طلبات الصحة والتعليم والشغل، فضلاً عن الأمن الذي غدا هاجس الدول الأهم في عصر التقنية والجريمة المنظمة.

وكانت نيجيريا الاتحادية واحدة من الدول التي نجحت تجربتها إلى حد ما في الحفاظ على وحدتها الترابية، حين أبقت لكل منطقة خصوصية جعلت سكان الولايات الشمالية مثل كانووسكتو تعيش حالة من الامتلاء الذاتي والانتماء للكيان النيجيري الأكبر في الوقت نفسه، من دون خجل أو غضاضة، ومع أن دعوات هنا وهناك في الدولة بالانفصال لم تنقطع أبداً، إلا أن أحداً لم يستصوب ذلك.

في مقابل ذلك يستميت سكان شمال مالي في إقليم أزواد، للحصول على أقل صيغ الحكم الذاتي تحت إدارة جمهورية مالي في باماكو وهم الذين كانوا يطالبون بالاستقلال عنها كلية، ووقعوا على اتفاقات كان المغرب والجزائر مشجعان عليها، على رغم أنه ما من ضمانة حتى الآن تؤكد أنهم سيحصلون على ربع الامتيازات والخدمات التي يقدمها المغرب لإقليمه الجنوبي.

ولئن ذهبنا نعدد النماذج واحداً تلو الآخر في جيران القارة، لطال المقام ولما وجدنا أحداً من الدول المحيطة يرى وجاهة انفصال أقاليمها التي ترغب ذلك تحت أي عذر أو حجة، وبالتالي فإن تعزيز ضمانات إنجاح النموذج المغربي في الحكم الذاتي ودعم الجهود الأممية في هذا السياق، له تبعات إيجابية ليس على المغرب كجزء من الاتحاد والقارة، ولكن أيضاً كنموذج يمكن الاحتكام إلى نضجه في أمثلة القارة القائمة والآتية.

وفي الحالة الاتصالية العالمية الراهنة، ليس مقبولاً أن ترفض الحكم الذاتي في المغرب وتفرضه في أسبانيا، أو أن تدعو إلى تمزيق المتحد، في وقت تدعو إلى إيجاد الروابط بين المتغايرين، وتتحسر على “البريكسيت”.

وفي تجربة الشمال أفريقية وما يسمى الربيع العربي، تعلمنا الوقائع أن ما جرى في تونس يمكن أن يجد صداه سريعاً في ليبيا والمغرب ومصر وسوريا والعراق، ولم لا الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر وسواها، وهذا يعني أن العكس أيضاً صحيح، وقديما قيل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.

وهذا لا يختلف كثيراً عن منطلق المعاملة بالمثل الذي أصبح ضمن الأعراف الأممية، فلا يقال دفاعاً عن المغرب بل نظرة للمآلات، فالمغرب على أي حال ليس في موقف ضعف، فلديه وسائله المعتبرة محلياً ودولياً، لفرض سيادته على أرضه وخدمة شعبه وأبنائه أينما كانوا. وما يعتري التجربة من قصور أو خلل يعالج بأدواته المكفولة في الدستور والقوانين.

  • كاتب صحافي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    مصطفى الأنصاري، وليس محمد. تحليل عميق. الصحراء خط احمر اليوم وغدا.