وجهة نظر

التطبيع بين المغرب و الجزائر .. ماذا لو أضحى الحلم حقيقة ؟

راودني  هذا الحلم منذ مدة و مازال يطرق كياني في النوم و اليقظة، و لا أكف عن إطلاع القراء الأعزاء عن محتواه و أبعاده الإنسانية الوارفة، ليقيني أن التكامل شبه الكلي بين المغرب و الجزائر بإمكانه أن يجعل المغرب العربي محورا اقتصاديا وسياسيا استثنائيا ينجو من الاضطرابات العصيبة، وبندفع بخطوات حثيثة نحو النهضة التنموية الشاملة.

 ”علم” من مصادر مطلعة، و قريبة جدا من “أصحاب القرار” في الدولتين المغاربيتين العظميين، أن “لقاء” بالغ الأهمية سيعقد في غضون الأيام القليلة المقبلة بين القائدين الكبيرين؛ العاهل المغربي الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة أو من يقوم مقامه، من أجل تدارس القضايا الثنائية ذات الأولوية، و باقي المواضيع الإقليمية والدولية التي تحظي باهتمام الطرفين. وقد جاء ذلك نتيجة جهود حثيثة من قبل حكماء ورجال الفكر والمعرفة من كلا البلدين، حيث أمضوا فترات مديدة في التأمل والاستقراء العميق واستجلاء الحقائق؛ وكان هاجسهم الأوحد، البحث الجدي عن الحلول الكفيلة بخدمة المصالح الإستراتيجية للقطرين الشقيقين، وتحقيق التقدم والرقى والتنمية، التي طالما كانت حلم المغاربيين جميعهم منذ أن كانوا ينسقون فيما بينهم من أجل دحر الاستعمار الفرنسي وتجسيد عهد الحرية والاستقلال. لقد تيقن أهل الخير والسداد في كلا الثغرين أن سنوات الضياع التي أمضياها في الحروب الباردة، والتنافس غير الشريف حول زعامة مفترضة، والمناكفات البيزنطية.. لم يجنيا منها سوى ضروب من الهوان وألوان من الضعة والضعف! و هدر ملايير الدولارات من مال الشعبين البريئين في اقتناء أسلحة متقادمة وفاقدة للصلاحية، توضع في مخازنها منتظرة مصير التلف والصدأ والتلاشي، والمستفيدون هم تجار الموت و “مبدعو” الحرائق شرقا و غربا.

وأخيرا “سمع” زعيما البلدين الجارين صوت العقل لأول مرة في التاريخ العربي الحديث، و قررا أن يجربا السلام و الوئام و التضامن طريقا نحو النهضة المنشودة، عسى أن تشرق شمسهما في أعلى عليين، بعد عهود من الغيوم الداكنة. و”سيتضمن” جدول أعمال هذا اللقاء المرتقب دوليا وإقليميا حسب مصادرنا “الموثوقة” مواضيع متعددة أبرزها: 1 – مسألة إعادة النظر في رسم الحدود الموروثة عن الاستعمار، و التي تنذر بمواجهات من العيار الثقيل إن لم توضع على طاولة المناقشة الصادقة، بعيدا عن لغة الخشب والأساليب الدبلوماسية المائعة. 2 – فتح الحدود البرية والبحرية والجوية لتنقل الأشخاص والبضائع والمصالح المادية المعطلة، وإلغاء نظام التأشيرة على مواطني البلدين لاستئناف الزيارات الأسرية والعائلية المجمدة عشرات السنين. 3 – تقصي البحث في قضايا الاتجار في المخدرات والسلاح والمواد الغذائية غير المراقبة، وموضوع الهجرة الذي أضحى عنصرا سالبا ومؤثرا على أي إنجاز تنموي راجح. 4 – بعث الاتحاد المغاربي وزرع الحياة فيه مجددا، وضخ الدم في هياكله ومؤسساته المعطلة، لتدارك التأخر الحاصل، وإرضاء المواطنين الذين ينتظرون على أحر من الجمر العدل والكرامة والحرية والسلام .. ! ولئن كانت قضية الصحراء عائقا فعليا في وجه الحلم المغاربي، ووحدة الشعبين، فإنه “تقرر” تجنب الإشارة إليها، وتركها بيد المنتظم الأممي المعني ببؤر الانفجار دوليا. وفي هذا المضمار ارتأى الطرف الجزائري أن يتوقف عن مناصرة الانفصاليين المغاربة، ويمنع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة أن تتدخل  في الشؤون الخاصة بالمملكة المغربية، و قبلت الجزائر أن ترفع يدها نهائيا عن مشكل الصحراء باعتباره مشكلا داخليا بين المملكة المغربية و بين أبنائها من ذوي الميول الانفصالية.

وفي المقابل قبل المغرب أن يتوقف هو بدوره عن التشهير بالجمهورية الجزائرية، و إظهارها بمظهر الشرير الذي لا يتقن سوى فن المؤامرات، ونسج الدسائس وزرع بذور الفتنة والشقاق في البلدان المغاربية، و إيقاف الحملات الإعلامية المغرضة، كما أنه سيبذل كل ما يملك من قوة، لتقديم ما من شأنه أن يدخل السعادة إلى قلب الأشقاء الجزائريين، خاصة وقد أظهرت استطلاعات الرأي الإقليمية والدولية أن العلاقة القائمة بين الشعبين الجارين أقوى من الحديد، رغم أزمنة الجفاء والعداء المفروضين عليهما. هذا وينتظر من “لقاء” زعيمي البلدين أن تشهد المنطقة إنجاز مشاريع عملاقة في شتى الميادين الحيوية: مد الطرق السيارة والسكك الحديدية، وإقامة المعاهد العلمية والتكنولوجية عالية الجودة، وبناء المدارس والسدود والمستشفيات والملاعب الرياضية الرفيعة، واستغلال الطاقة الشمسية والهوائية، والإنجاز الجماعي للمفاعلات النووية ذات المنحى السلمي.. مما سيخلق الآلاف من مناصب الشغل و يطرد شبح البطالة المخيف، و يجعل بلدينا قبلة للسائحين من كل بقاع العالم، بفضل ما يتميزان به من موقع استراتيجي فريد، ومعالم طبيعية غناء وموارد بشرية وطبيعية نوعية. كل ذلك وغيره من أجل تجسيد الغاية الأسمى لمغرب الشعوب؛ مغرب العمل المشترك ورسم ملحمة الوحدة والتقدم والازدهار. وعلى أمل أن تتحقق هذه الأحلام المحلقة في دنيا الخيال، والتي (إلى هذه اللحظة) لا مكان لها تحت شمس الواقع المر، والحقيقة المفجعة، أغتنم هذه الفرصة لأرفع أزكى التحيات و أطيب الأماني لبلد المليون شهيد، و كل عام و الشعبان الشقيقان بخير و محبة و سلام.

 * باحث مغربي قي قضايا الفكر و السياسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *