منتدى العمق

اعترافات منتخب مزمن

    لأنّه لا شغل يشغلني ، و لأنّ أبي كان كذلك فإنّي سأكتفي بمنصب منتخَب في المجلس المحلّي الذي ورثته عنه ، تقدّمت للانتخابات المحليّة بتزكية من حزب سياسي ليس لأنّه يعرفني أو أعرفه و ليس لأن بيني وبين السيّاسة علاقة، و لكن لأن اللّذين توسّطا لي لأنال التزكيّة أو على الأصحّ توسّطا للحزب لأقبل بها ، يعلمان جيّدا أنّ الصفقة مربحة للأطراف الأربعة ، فالحصول على هذه الدائرة سيكون في المتناول ، و الوسيط المحلّي يعلم أنّ تصويتي له لينال الرئاسة لا غبار عليه كما يعلم الوسيط الجهوي أنّنا سند له لنيل مقعده في إحدى الغرفتين ، و يدرك الحزب جيّدا أنّه الرابح الأكبر في حصيلة كلّ ما نحقّقه نحن الثلاثة .

و لأنّه ليس لي عمل قارّ أتدبّر بواسطته معيشي اليومي و لأنّي لست في مستوى صاحباي فإنّي أكتفي بسؤرهما و بما فضل عنهما ممّا يجنيانه من رحبة الانتخابات ، فيكفيني في كلّ مناسبة يكونون في حاجة لأدلي بصوتي في صندوق زجاجي ، أو يطلبون منّي أن أرفع يدي موافقا أو أرفعها و أرفع معها صوتي معارضا أو أخفضها ممتنعا عن التصويت أو أغيّر لوني جهرا أو سرّا للمناورة أو لأهدم أغلبية كانت قائمة أو أشيّد تحالفا جديدا ، أو يحتاجون حضوري مرفقا بوجهاء دائرتي لمأدبة غداء أو عشاء يحضرها وجهاء من الجهة أو من خارجها ، أو يحتاجون وجودي في اجتماع أو لقاء جالسا دون حركة و دون النبس ببنت شفة ، يكفيني في كلّ واحدة من هذه المناسبات التي أتمّنى أن يكثر عددها ، أن أنال قليلا من الغلّة أو تعويضا عن التنقّل ، أو هدية عينيّة أو غير عينيّة ، أو دعوة إلى وليمة أملأ بها بطني  و ذلك أضعف الإيمان .

و لأنّي منتَخَب ابن منتَخَب أطمح أن أحظى بالوجاهة كما حظي بها أبي ، ولأن الوجاهة من أسباب كسب ثقة المواطنين ، و هاتين الأخيرتين ضروريتين لقضاء حوائج الناس أو إيهامهم أنّ الأمر كذلك . و ليس أدرّ للدّخل من قضاء حوائج المواطنين و التوسّط لهم لدى السلطات الأخرى لينالوا ما لهم و ما لغيرهم ، و لتخليصهم و ذويهم من قبضة القانون إن جمحوا و تخفيفها إن جنحوا ، و ليس أدرّ للدّخل على المنتخَب من اللّعب بين ألوان طيف العشوائيات و التي تراوح بين اللّون الترابي و رمادي الإسمنت و أزرق الماء و الكهرباء .

و لأنّني منتخّب مزمن فلا يغرّنكم الانتقاد الذي تسمعونه من أبناء دائرتي و من الذين يصوّتون لي كلّ مرّة ، و لو بلغ درجة التقريع و التجريح و الاتّهام ، و لا تصدّقوهم إن أقسموا بأغلظ الأيمان أنّهم لن يقترعوا لصالحي في المستقبل ، فكذلك قالوا من قبل و ما أبرّوا ، و تكفيني أيّام معدودات قُبَيل عملية الاقتراع لأقنعهم أنّي الأصلح ، ما أنا بساحر و قد يبدو من الصّعب فعل ذلك ، و لكن ما ظنّكم بمن أصاب ذاكرته ضمور فلم تعد تتّسع لغير أيّام من التاريخ كما لم يعد يستطيع التحليل بأكثر من بعد واحد لما أصاب لبّه من قصور؟

لأنّني منتخَب و من ثمرات الديمقراطية التي قد تكون نضجت أو قطفت قبل نضجها أو سقطت بفعل تعفّنها ، و قد تكون تعفّنت على فرع غصنها ، نعم أنا ابن الديمقراطية المحليّة فلا تلوموني إن ساءكم أمري أو بدا لكم منه العجب و لكن لوموا أنفسكم ، فأنا لم أنزل من السماء و لكن  اختارني ناخبوكم ، ربّما من أجل سواد عيوني أو أحرف إسمي الثلاثي ، أو من أجل وجبة عشاء تافهة في ليلة مظلمة ، لكنّهم و بمحض إرادتهم انتخبوني ، هكذا أنا و كذلك كان أبي و سيكون خلفي إن استمرّ حالكم على حاله ، فانظروا ما أنتم فاعلون معهم و بأنفسكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *