العمق الرياضي، مجتمع

“بيتانك”.. رياضة تجدد روح الشباب والمنافسة في المتقاعدين (فيديو)

بين جدران النادي المراكشي للكرة الحديدية بالحي الحسني بالمدينة الحمراء مراكش، وعلى ملعب يبلغ طوله اثني عشر مترا وعرضه خمسة أمتار، تسطع فكرة “شباب الروح لا يشيخ”.

ففي هذا المكان تجد رجالا كبار في السن يعيشون شغف التحدي والمنافسة في لعبة الكرة الحديدية، ويسعون للظفر بالنقاط الإحدى عشر قصد الانتشاء بلذة الإنتصار.

أغلبهم رجال قد أنهوا وظيفتهم ووصلوا إلى مرحلة التقاعد، وبينهم شباب وموظفون ما زالوا يشتغلون يشاركونهم حب لعبة الـ”بيتانك”.

لعبة بتاريخ عريق

يحكي أحد أعضاء ومؤسسي جمعية النادي المراكشي للكرة الحديدية عبد العزيز البرشاغي، عن تاريخ هذه اللعبة التي ظهرت أولا مع الرومانيين، حيث كانوا يلعبونها آنذاك بكرة مصنوعة من الخشب، حاولوا زيادة وزنها بإدخال مسامير عليها، لكنها أصبحت تكسر بسرعة بعد ارتطامها مع الأرض.

وبعد هذه المرحلة تبنت فرنسا الفكرة وطورتها، إذ أصبحت بعدها تقوم بصنع كرات حديدية فارغة من الداخل، هي التي يتم اللعب بها إلى يومنا هذا، ويبلغ وزنها بين 660 إلى 800 غرام، لكن أغلب اللاعبين يلعبون بوزن 730 غرام، عدا الأطفال والنساء الذين يلعبون بأقل من هذا الوزن بحكم طبيعتهم الجسمانية.

تنافس حارق

يتم اللعب عن طريق فريقين، ويمكن أن تكون المواجهة ثنائية أو رباعية أو سداسية، مع إمكانية اللعب بمشاركة الجنسين في كل فريق، شريطة أن يكون بنفس العدد امرأة ورجلين في كل فريق مثلا.

ويصل عدد الكرات التي يلعب بها الفريق الأحادي أو الزوجي إلى ست كرات لكل فريق، في حين إذا كانت المباراة ثلاثية فيلعب كل لاعب بكرتين، ليكون مجموع الكرات إثنى عشر داخل رقعة الملعب.

تبدأ اللعبة كما يخبرنا البرشاغي في حوار مصور مع “العمق”، عن طريق رسم دائرة لا يتعدى قطرها خمسين سنتيما، حيث لا تدع مجالا للاعب من أجل التمويه والحركة ليبتعد عن الكرات التي أمامه مع تقدم اللعب.

ثم يقف داخل الدائرة لاعب من كل فريق يرمي الكرات بالتناوب بين الفريقين، مع بقاء أرجلهم ثابتة على الأرض، نحو كرة صغيرة تسمى “le bouchon” وتكون بمثابة الهدف الذي يتم التسديد عليه، والتي تبعد عن الدائرة المرسومة بستة أمتار على الأقل دون تجاوز العشرة، وبين خمسة وتسعة أمتار في حالة منافسات الصغار أو النساء، مع ضرورة ترك مسافة بين دائرة التسديد والكرة الصغيرة وحدود الملعب بمتر واحد على الأقل من كل الجوانب.

مباراة بلا حكم

المتحدث لفت انتباهنا إلى أن فضاء اللعب يضم 10 ملاعب للكرة الحديدية ولا يتواجد معهم ولا حكم واحد، حيث أوضح البرشاغي أن هذه اللعبة يمكن أن تجمع أزيد من 900 مباراة بحكم واحد.

وأشار إلى أن كل اللاعبين حكام فيما بينهم، وحين يوجد اختلاف بين الفريقين يتم استدعاء أحد اللاعبين الآخرين للتأكد من مدى قرب الكرة الحديدية للهدف، وقلما يحتاج الفريقين لمجيء الحكم من أجل الفصل في الإختلاف بينهم.

لعبة التركيز والدقة

يؤكد البرشاغي أن هذه اللعبة التي تبدو في شكلها بسيطة تحتاج للكثير من الصبر والتركيز، لذلك تجد اللاعبين صامتين ولا يتكلمون إلا قليلا فيما بينهم.

فعندما تكون المباراة أحادية يجب على اللاعب أن تكون لديه القدرة على الإقتراب من “le bouchon” كما له القدرة على التسديد لإصابة كرة خصمه إن كانت قريبة من الهدف، في حين إذا ما كان الفريق ثنائيا أو ثلاثيا فيتم توزيع الأدوار بين أفراده القدرة ويتميز في طريقة اللعب، مع استشارة بين اللاعبين في أي خطوة يقدمون عليها.

وأضاف أن هذه لعبة تراضي في أصلها، ناهيك عن فضلها في تربيتنا على العمل الجماعي، وطريقة التواصل مع زملائه في الفريق وتفادي الخصومة معهم ومع منافسيه، حسب قوله.

وتابع قوله: “لأننا في لعبة تستمر ساعات طوال دون أن تقع فيها خصومات أو شتائم، دون أن ننسى إتاحتها إمكانية التعرف على ناس آخرين من مدن مختلفة وتوسيع دائرة الأصدقاء وهذا هو كنز الحياة الذي لا يمكن قياسه”.

منفعة لكبار السن

يقال إن هذه اللعبة للمتقاعدين فقط، يحكي المتحدث لـ”العمق”: “لكن نجد أن هناك شباب وأطفال يلعبون معنا”، أما هو فقد بدأها في سن 13، ومن لحظتها وهو معجب بطريقة اللعب الهادئة التي تربي في الإنسان الصبر والتركيز.

وأضاف: “اليوم وصلت لسن 63 وما أزال أجد نفسي أنجذب لها، لأنها تمكنني من المشي حوالي 10 كلم في اليوم دون أن أشعر بالتعب أو الملل، وهذا حال مجموعة من الأشخاص الذين يتوافدون على مقر النادي، فيهم من وصل عقده الثامن وما يزال يلعب ويشارك معنا في بطولات محلية، لأن هذه اللعبة لا تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا، بقدر ما تتطلب التركيز والصبر”.

كسب النقاط

يتم حساب النقاط بعد انتهاء كلا الفريقين من رمي كل كراتهم اتجاه “le bouchon” (الهدف)، أو عندما يتم إخراجه خارج الملعب، في الحالة الأولى يأخذ الفريق الفائز نقطة عن كل كرة له قريبة من الهدف.

أما الحالة الثانية لا يحصل أي فريق على أي نقطة إلا إذا كان خصمه قد نفذت منه الكرات، ويتم حساب كل كرة بقيت بحوزته بنقطة، وتنتهي المباراة بفوز الفريق الحاصل إما على 11 أو 13 أو 15 نقط حسب الإتفاق المسبق قبل بداية اللعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *