وجهة نظر

وسخ الإدارة ونقاوة الموظفين

يقوم الموظف الجماعي بأعمال مثل ترتيب الربائد والأوساخ والأعمال الشاقة التي قد ينتج عنها أمراض منها الأمراض الجلدية الفتاكة والربو والتهاب الورك والمفاصل، ومراعاة لهذا الأمر ارتأت الجماعات الترابية منح مبلغ رمزي جزافي لهؤلاء الموظفين تشجيعا لهم على القيام بهكذا أعمال قد ينفر منها الكثير من الموظفين والعمال.

إلا أن بعض الجماعات ارتأت تعميم هذه المكافأة الرمزية على جميع السلاليم القصيرة، وبعضها حصرت ذلك في موظفين محدودين ممن أسندت لهم المهام السالفة الذكر كالشواش والبوابين وأولائك الذين يتعاطون يوميا مع أعمال ينتج عنها ما لا يحمد عقباه.

إلا أن جماعة وجدة تعاملت مع هذا الملف بشكل مختلف، حيث ألغى الرئيس كل المبالغ المالية المستحقة المتزامنة مع العطل السنوية على اعتبار أنها أشهر لا يشتغل أثناءها الموظفون، وقد طرحت القضية جدلا كبيرا حيث تدخلت بعض النقابات مدافعة عن حق الموظفين المعنيين بتلك المبالغ حتى أثناء عطلهم السنوية.

ومن وجهة نظر مختلفة يرى البعض أن قرار الرئيس يصب في ترشيد النفقات وأنه من غير المعقول صرف مثل تلك المبالغ أثناء العطل لاختلافها عن الراتب الشهري القار الذي هو حق الموظف طيلة السنة ومن ضمنها شهر العطلة السنوية.

وقد ذهب البعض الآخر إلى نقد أطروحة الرئيس على اعتبار أن ترشيد النفاقات يجب ألا يطال هذا الحق المكتسب للموظفين فحسب، بل عليه أن يطال توزيع الهواتف والسيارات والبنزين والعديد من العطايا التي تحصر في بعض المحضوضين لا غير.

بل وقد ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك، حيث شكك حتى في نزاهة عملية وضع لائحة هؤلاء المعنيين بالمكافأة، فاعتبر أن العديد من الموظفين الذين يشتغلون في مكاتب مريحة ومكيفة، وظروف حسنة، هم كذلك يستفيدون من هذه المكافأة عن طريق المحسوبية والزبونية و”باك صاحبي وصاني عليه”.

ومهما كانت هذه الأمور، أي سواء كان ما يقال معبرا عن حقيقة وواقع، أو أنه مجرد تخمينات لا أساس لها من الصحة، فإن ما وجب التنبيه عليه هو أنه من غير اللائق تسمية هذه المكافأة بأسماء تنقص من قدر الموظفين من ذوي السلاليم الدنيا، أو أولائك الذين اختاروا أن يزاولوا مهام شاقة ومضرة وتحيط بها أخطار قد تتسبب في أمراض لا تنفع معها هذه المبالغ الزهيدة الرمزية التي لا تقدم ولا تؤخر.

فإذا كان في اليابان، حتى الذين يزاولون العمل في الأزبال حقيقة، يطلق عليهم اسم “مهندس نظافة” احتراما لكرامتهم ومراعاة وتقديرا للدور الكبير الذي يلعبونه في تطهير البلاد مما قد يتسبب في مرض المواطنين، أو يخلق أوبئة تجلب الطاعون والأمراض الفتاكة، فإن موظفينا لا يقلون قيمة عن هؤلاء اليابانيين، رغم أن موظفي الجماعة بعملهم في الربائد (الأرشيف) فهم يقدمون خدمة للمواطنين لا يعرف حقها إلا هؤلاء المواطنون الذين يعون بأن الحصول على تلك الوثائق قد ينقذ أرواحا، أو يحد من صراعات متأتية عن طريق الإرث، أو يزوج شابا، أو يلحق طفلا بالمدرسة…وهي كلها أعمال داخلة في حقوق المواطن على إدارته التي يفرضها الدستور ومواثيق حقوق الإنسان.

فكل الدول متفقة على تسمية بعض المبالغ المالية التي تعطى لبعض الموظفين مقابل ما يقدمونه من جهد خاص، بالمكافآت، أو التعويض، أو الهدية الرمزية، أو الإكرامية التي تعني كرم الإدارة مقابل كرم الموظف، على اعتبار أن الموظف تكرم هو الآخر بالقيام بمهام ذات قيمة قد لا يقوم بها أي واحد من الموظفين.

وأما إدارتنا الحبيبة فقد ارتأت أن تسمي هذه المكافأة ب “لوسخ” وكأني بها تطالب موظفيها بالقيام بمهام شاقة صعبة وخطيرة، وفي نفس الوقت تسميهم بالمتسخين إذلالا لهم لأنهم قبلوا أن يجعلوا خدمة المواطن واجبة حتى وإن اضطروا إلى تلطيخ أياديهم بالأوحال، وتعريض جلودهم لحشرات الرطوبة والجراثيم الجاثمة فوق ركام الوثائق الرثة القديمة غير آبهين لما قد يتعرضون له من أمراض فتاكة مقابل ثمن بخس لا يقارن مع حجم الهبات والمكافآت التي يحضى بها المحضوضون دون تقديم أي خدمة تذكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *