وجهة نظر

مداخل تكريس الحكامة على مستوى الجماعات الترابية بالمغرب

إن التجربة الجماعية بالمغرب على مستوى تدبير الشأن العام المحلي أفرزت نواقص ومحدوديات ذات بعدين عملي وتنظيمي.ولعل أبرز مظاهر هذه المحدودية هي تلك المرتبطة بضعف الكفاءة لدى المنتخبين والتي تتجلى من خلال تدني المستوى الثقافي والعلمي لدى الهيآت المنتخبة. الأمر الذي يشكل لا محالة عائقا أمام التدبير العمومي المحلي. زد على ذلك هزالة إن لم نقل غياب المراقبة الداخلية في تدبير الشأن الجماعي مما يتطلب تكريس اصلاحات ضرورية بهدف تكريس ألية الحكامة. التي يرى الباحث Margareth Ellan، بأنها ليست مجرد حالة من الشفافية فقط، بل هي أيضا حالة من المشاركة الديمقراطية وبالتالي فهي مناخا مجتمعيا ديمقراطيا تتفاعل فيه كافة الأطراف الاجتماعية المجتمعية ومكوناتها، المؤسسة لتحقيق مستوى معيشي أفضل لكافة أفراد المجتمع على تنوع فئاتهم ومستوياتهم .

إنها بحق مقاربة تشاركية تتميز بالشفافية والمسؤولية والفعالية والعدالة أو هي نظام للتدبير والمراقبة والتخطيط الاستراتيجي الذي يقوم على الرؤية الاستشرافية للمجال.

إذن فتجاوز إشكاليات التدبير وبلوغ مطلب الحكامة يقتضي تكريس مبدأ حرية الإدارة المحلية الذي يعد لازمة لحرية المواطنين في تدبير الشؤون المحلية. وهكذا فإن تحسين الوصاية وتجاوز إشكالية تداخل الاختصاصات ونقل الموارد المالية بالإضافة إلى تكوين العنصر البشري وتفعيل المراقبة الداخلية كلها مدخلات تجد في أعمالها وتبنيها المنطلق الأول لبزوغ التدبير المحلي الفعال.

أولا: المقومات المباشرة لتفعيل الحكامة

إن من بين الإجراءات التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق تدبير فعال هو وضع محددات لمراقبة داخلية من أجل تتبع وتقييم العمل المحلي من حيث معرفة مظاهر القوة لتعزيزها وكذا مظاهر الضعف لتجاوزها.

1- تحسين الوصاية مدخل لتفعيل الحكامة

أ-مؤشرات رصد تحسين الوصاية

وتسمح العديد من المؤشرات برصد مدى انحسار أو امتداد سلطة الوصاية في أي تنظيم لا مركزي، لدا وجب القول أن إعادة النظر في كيفية توزيع الاختصاصات بشكل معقلن وتوزيع الموارد المالية وتأهيل المورد البشري يحدد في الحقيقة مجال تدخل سلطة الإشراف ويحولها من مراقبة قبلية إلى مراقبة بعدية.

-ضرورة تبني التحديد الحصري للاختصاصات:

إن أهم هذه المؤشرات هو الأسلوب المعتمد في توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات المحلية، بحيث أنه كلما توخى المشرع الدقة في التوزيع بأن تكون على سبيل الحصر، فإن مجال تواجد سلطة الوصاية يتضاءل إن لم يطله الإلغاء، في حين يفتح التعميم في هذا التوزيع من خلال ما يعرف بالمبدأ العام في الاختصاص المجال لتكريس حضور سلطة الوصاية التي غالبا ما تتجاوز تدخلاتها الرقابية مجال المشروعية لتنظر في مدى ملاءمة تصرفات الوحدات اللامركزية.

وعلى هذا النحو يبدو من الضروري على المشرع المغربي تبني التوجه الذي سارت فيه التشريعات المقارنة السالفة الذكر، بل ومن الواجب أن تكون لكل مستوى محلي اختصاصاته الواضحة التي لا يجوز لمستوى آخر أن يتدخل فيها .وتسهيل عملية مساءلة وتقويم القيادات المحلية مع القضاء على ضياع وتشتيت المسؤولية والحد من تدخل السلطة المركزية التي يقتصر دورها على الجوانب الفنية، في حين تترك الجوانب الإدارية والتنفيذية للوحدات المحلية .

إن إعادة توزيع الاختصاصات بين الجماعات الترابية يجب أن يقوم كذلك على أساس مبدأ تحديد توجه خاص لكل منها وليس إقرار تخصص لها، وهو ما يعني أن يكون للجهة توجه ودور محددين كالتوجه الاقتصادي وإعداد التراب الوطني وللعمالة أو الإقليم توجه خاص بها يتمثل في تحقيق التضامن والتوازن بين الجماعات

وتبنى هذا التوجه في نظرنا سيفسح المجال للجماعات المحلية للعمل الجاد وتحمل المسؤولية، بل إنه سيكون أكثر مراعاة لمبدأ التكامل والتناسق والانسجام والمداركة.

مما يدفعنا للقول بأنه من اللازم إسنادها اختصاصات خاصة بها تأخذ بعين الاعتبار ظروفها التنموية وإمكانياتها وخاصة الموارد المالية وتركيبتها السياسية، وغير ذلك من الخصوصيات التي تميزها عن الحواضر وذلك جريا على ما هو متبع في كثير من التجارب المقارنة.
وعموما فإن توضيح الاختصاصات يجب أن يطال كذلك اختصاصات المجلس الجماعي واختصاصات رئيس المجلس على اعتبار أن التداخل يطال كذلك هذين الجهازين، مما ينعكس على السير العادي للمجلس ويشكل عائقا أمام كل المبادرات.

وهكذا نرى بأن مجالات تدخل المجلس المرتبطة بالتنمية المحلية والشرطة الإدارية يجب أن تحدد بدقة من خلال مقتضيات واضحة مبسطة وسهلة الاستيعاب وغير قابلة للتأويل عبر استعمال تعابير واضحة ودقيقة لا تترك مجالا لتنازع الاختصاصات بين المجلس الجماعي والسلطة المحلية وجهات أخرى.

– ضرورة إعادة توزيع الموارد المالية بين الجماعاتإن من بين المؤشرات الأخرى الدالة على انحصار مجال الوصاية هو إعادة توزيع الموارد المالية بين الجماعات المحلية بشكل يتناسب وحجم الاختصاصات الموكولة إلى هذه الأخيرة.

ب- ضرورة تأهيل المورد البشري

يشكل العنصر الأداة الرئيسية لتحديث الجهاز الإداري وعصرنته وتقوية كفاءته. لذلك يجب التعامل مع الموارد البشرية المحلية وفق مقاربات جديدة تنظر إلى العنصر البشري كإحدى عناصر الإنتاج والتنمية وكاستثمار مضمون ومنتج لقيمة مضافة، كما يجب التعامل مع الوظيفة العمومية المحلية كبنية شمولية لها أبعاد اقتصادية تنموية .

ويضع جزاءات إدارية على مخالفة القانون. كل هذا يقتضي من المنتخب أن يكون مطلعا على طرق التدبير المحلي مما يحفظ المشروعية ويخدم الصالح العام في آن واحد .فالمهام الجديدة التي أسندت في إطار القانون رقم 17.08 بالإضافة إلى وضع نظام للمنتخب يحدد مسؤولياته

وفي هذا الإطار يمكن القول أن تكوين المستشار الجماعي لا يعني تلقينه دروسا تجعل منه رجلا تقنيا ، بل الأمر يقتضي اكتسابه معارف جديدة تناسب المهام التي يمارسها داخل المجلس الجماعي، واكتساب مؤهلات في الميادين المختلفة التي يكتشفها أثناء الممارسة والتي لم يكن يعرفها من قبل، وذلك بالقدر الذي يسمح للمنتخب بحسن إدراك نتائج الاختيارات الاستراتيجية التي يتخذها وفهم اللغة التقنية المستعملة من طرف الموظفين التقنيين المكلفين بالتنفيذ.

فالتكوين عنصر لا محيد عنه في كل استراتيجية حقيقة للامركزية، لذا يتعين هنا أن يتدخل المشرع لإقرار الحق في التكوين وحق المنتخبين المأجورين في الحصول على رخص التغييب الضرورية أثناء فترة التكوين على أن يكون التكوين شاملا بصفة دورية لكافة أعضاء المجالس ولمدة كافية، ويستحسن أن يكون في بداية الولاية الانتخابية ومطابقا للمهام التي يمارسها المنتخب كعضو في المكتب أو اللجان .

وإذا كانت غاية الحكامة هي بلوغ أسمى مستويات التدبير ونجاعته بل وإشراك الكل في الوصول إلى هذا المبتغى، فإن الأحزاب السياسية بدورها يجب أن تكون مدرسة كفاءات مهتمة بالشأن المحلي متشبعة بالحس الوطني. قادرة على تسيير وتدبير الشأن المحلي، ولن يتأتى لها ذلك إلا عبر تحمل الهيآت السياسية لمسؤوليتها في تأطير مرشحيها وتأهيلهم بشكل جيد لمواكبة التقنيات الجديدة في التدبير والتواصل . سيما وأنها تحصل على تمويل عمومي بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية وهو ما يعبر عن ضرورة تكريس دورها داخل المجتمع تطبيقا لما ينص عليه الدستور بأن الأحزاب تساهم في تأطير وتمثيل المواطنين .

إن تعقيد القرارات الواجب اتخاذها لتدعو كلها إلى تغيير عميق في التكوين والتوظيف بالوسط العمومي صاحب القرار على غرار ما يطبق في عدد من الدول المتقدمة .

إلا أنه وبالرغم من ضرورة التأطير القانوني، فهو ليس المرجع الكافي لتطوير أداء المنتخبين المحليين، بل يجب توفر مجموعة من المؤشرات الأخرى من أهمها:

-أن يكون المنتخب متوفرا على هذا الحد الأدنى من التجربة العملية والإلمام الثقافي والسياسي الكافي لتسيير الشأن العام المحلي.
-أن يتسم بصفة الديمقراطية التي تعد غاية الحكامة ومقصدها، ويجعلها شعاره في كل الجوانب التسييرية لجماعته.
– أن يكون انتخابه نابعا عن إرادة حرة للسكان دون تحريف في الانتخابات حتى تسود نوع من الثقة بين السكان والمنتخب، وبالتالي تحقيق نوع من التكامل لتحقيق التنمية.
– أن يكون المنتخب قادرا على فهم طبيعة دوره داخل الجماعة المحلية، وأن يكون متحمسا لممارستها والتعاطي بكل إيجابية معها حتى يكون في مستوى تطلعات السكان.

فالبحث عن أطر وطنية كفؤة وذات دراية بينة وبعد النظر في العمل المحلي، يجب أن يكون إحدى أولويات السلطات العامة ببلدنا، فمن جهة لا يكفي الوقت لإضاعته في الممارسات السلبية والضيقة.

ومن جهة أخرى يجب الاعتراف على أن تأهيل الجماعة وبلوغها مطلب الحكامة إضافة إلى انخراطها في مسلسل التحولات والتغيرات الداخلية والخارجية يمر ختما عبر البحث عن نخب محلية في المستوى المطلوب

ثانيا: مداخل تحسين الوصاية

-وتبعا لذلك، أضحى دور العامل في مراقبته للميزانية الجماعية يقتصر على مجرد إشارة تدخل المجلس الجهوي للحسابات عندما يقوم بتسجيل عدم التصويت على الميزانية في الأجل المحدد أو كون الميزانية صوت عليها في وضعية غير متوازنة أو نفذت في حالة عجز بحيث يتولى المجلس الجهوي للحسابات عرض اقتراحاته لتسوية الوضع.

وحتى في الحالة التي لا يلتزم فيها ممثل الدولة بتوصيات المجلس، يبقى مطالبا مع ذلك بتبرير قراراته بشكل صريح، بل قد يكون هذا القرار غير قانوني إذا لم يساير في نتائجه توصيات المجلس الجهوي للحسابات.

يبدو أنه أن الأوان ليرتقي المشرع بمستوى اللامركزية الترابية نحو مزيد من الاستقلالية ويجعلها تشتغل في إطار يسوده نوع من حرية المبادرة الخاصة بدل كبح الجماح وتضييق الخناق عليها.

– منح المجالس التداولية إمكانية فتح اعتمادات جديدة أثناء تنفيذ الميزانية وذلك باقتراح رئيس المجلس وطبق مسطرة مبسطة دون رقابة قبلية؛

ب – ويمكن أن نورد هنا نموذج لمجموع مراحل التدقيق:

ب-مزايا التدقيق الداخلي

تتجسد أهم ميزة لوظيفة التدقيق الداخلي بالجماعات المحلية في كونها وسيلة للتقييم الذاتي لنظام المراقبة الداخلية، فهي تقنية حديثة تقدم الكثير من المزايا والإيجابيات في التحكم في عمل الجماعات المحلية، سواء في الجوانب المالية أو المحاسبية أو التنظيمية بشكل دوري وتفادي تبعا لذلك الخروقات القانونية والمالية التي أضحت ملازمة للعمل الجماعي

كما تبرز أهمية هذا الدور التقييمي في اختلافه عن عملية المراقبة والتفتيش التقليدي الذي قد يسفر عن عقوبات أو إنذارات، وهو بذلك يعتبر وسيلة وقائية تهم تصحيح عيوب التدبير، وتدليل الصعوبات أمام متخذي القرارات داخل الجماعات وتدعيم المراقبة الداخلية في علاقته بأجهزة المراقبة الخارجية لاسيما في سياق إحداث المجالس الجهوية للحسابات والرهانات المطروحة عليها في مجال مراقبة تدبير الشأن العام المحلي,

إن المراقبة والتدقيق الداخليين يمكنهما العمل على تفادي ارتكاب مسيري الجماعات المحلية لممارسات غير قانونية ومكلفة أكثر من الناحية السياسية والجنائية، على اعتبار أن العلاقة بين الإدارة المحلية والمتعاملين معها بات من الطبيعي أن تكون مؤسسة على أهداف وغايات تتوازن حول مفهوم المصلحة العامة والنجاعة التدبيرية، أو بتعبير آخر الحفاظ على قدسية المرفق العمومي مع الحفاظ على فعالية التدبير وترشيد المالي العمومي ، ومن هنا تعتبر وظائف المراقبة والتدقيق وسيلة علاجية وتقويمية للحد من اختلالات التسيير المالي والمحاسبي والتنظيمي، والتحكم في المخاطر من خلال تقديم معلومات شفافة وملائمة في الوقت المناسب .

– تقليص أو حذف الوصاية على مجالس المقاطعات لأن المقاطعة تابعة للمجلس الجماعي وتفاديا للوصاية المزدوجة (الوصاية الممارسة من طرف مجلس المدينة أو من طرف الدولة)؛
– يستحسن خلق جهاز غير قضائي للتحكيم على المستوى المركزي للفصل في النزاع الذي قد يقع بين المجالس الجماعية وأجهزة

الوصاية على الصعيد المحلي؛

– إلغاء رقابة وزارة المالية – الوصاية المالية- على المقررات المتعلقة باتفاقيات التعاون والشراكة مع المؤسسات الأجنبية والمنظمات الدولية التي تساهم ماليا وماديا في تمويل مشاريع الجماعة؛

– اعتماد المراقبة التلقائية للمجلس الجهوي للحسابات

خاتمة : إن المراقبة والتدقيق الداخليين يمكنهما العمل على تفادي ارتكاب مسيري الجماعات المحلية لممارسات غير قانونية ومكلفة أكثر من الناحية السياسية والجنائية، على اعتبار أن العلاقة بين الإدارة المحلية والمتعاملين معها بات من الطبيعي أن تكون مؤسسة على أهداف وغايات تتوازن حول مفهوم المصلحة العامة والنجاعة التدبيرية، أو بتعبير آخر الحفاظ على قدسية المرفق العمومي مع الحفاظ على فعالية التدبير وترشيد المالي العمومي ، ومن هنا تعتبر وظائف المراقبة والتدقيق وسيلة علاجية وتقويمية للحد من اختلالات التسيير المالي والمحاسبي والتنظيمي، والتحكم في المخاطر من خلال تقديم معلومات شفافة وملائمة في الوقت المناسب .

* باحث في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *