سياسة، مجتمع

اليحياوي: الشركات الرقمية “حكام جدد” يسوقوننا بمعطياتنا الشخصية

اعتبر الخبير في مجال الإعلام والاتصال والتكنولوجيا يحيى اليحياوي الشركات الرقمية العملاقة بمثابة “حكام جدد بكل ما في الكلمة من معنى”، موضحا أنهم يسوقون المغاربة عبر معطياتهم الشخصية، مقسما المعطيات الشخصية إلى قسمين الأولى يدلي بها المغاربة طواعية عند إنشاء الحسابات على الانترنيت أو الدخول لمواقع الكترونية، والثانية تلتقطها الشركات العملاقة عبر تتبع الآثار المتروكة من مستعملي الانترنيت في البحث بالشبكة.

المواطن سلعة

اليحياوي، خلال المساهمة في تأطير ندوة حول “حماية المعطيات الشخصية”، نظمتها منظمة حريات الإعلام والتعبير -حاتم، ليلة الخميس 30 ماي 2019، بنادي المحامين بالرباط، أكد أن المعطيات الشخصية يتم تخزينها وتحليلها وبيعها للمعلنين حسب المواصفات والتوجهات المرغوب فيها، موضحا أن الوعي بقضية تحديات حماية المعطيات الشخصية يقتضي الوعي بالنموذج الاقتصادي لشركات كبرى تحقق أرقام معاملات بالملايير وتعطي للمستعملين الخدمات بالمجان، مذكرا بالمقولة المشهورة “عندما لا تدفع ثمن سلعة ما فاعلم أنك أنت السلعة”.

وأوضح الأستاذ والأكاديمي أنه في الحقيقة الخدمات المقدمة عبر الأنترنيت ليست بالمجان، لكونها تشتغل وتوظف ملايير المعطيات الشخصية كمادة أولية وكسلعة للتجارة والبيع للمعلين، مشيرا إلى أن المعطيات الشخصية التي تباع هي تلك التي تحتوي على مواصفات وتوجهات ومواصفات أو “المعنى” بالمفهوم السوسيولوجي، قائلا “معطياتنا الشخصية عندها قيمة كبرى ونعطيها للشركات طواعية يربحون من خلالها”، متسائلا كيف سنعرف كيف توظف 154 مليار رسالة متداولة يوميا الكترونية؟

“LIKE” بالدولار

ونبه خبير في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إلى أن الشركات أصبحت تجمع وتخزن ملايير الملايير المعطيات بمراكز المعطيات العملاقة وعبر تطبيقات وخوارزميات معقدة، دون أن تدري الدول ولا الأفراد الغاية من استعمالها النهائي، مشيرا إلى أن الفيسبوك على سبيل المثال لا يقوم بالإشهار في اللوحات بالشارع ولكن يجمع معطيات ويحللها ويبعها للمعلنين، موضحا أن الشركات الكبرى توظيف المعطيات استنادا إلى البحث العلمي في الذكاء الاصطناعي الذي هو مستقبل البشرية.

وأكد اليحياوي أن كل إعجاب “LIKE” يضع المغربي على تدوينة في الفايسبوك يتم تقيمه بالسعر والدولار، وكذلك الأمر بالنسبة لوضع معطيات تتعلق بالسن والحالة العائلية والجنس، علاوة على إشراك صورة في موقع للتواصل الاجتماعي، موضحا أن جمع ملايير الاعجابات والتعاليق والمعطيات يؤدي إلى ربح الشركات العملاقة لمليارات الدولارات، معتبرا المستهلك بمثابة “الحلقة الضعيفة” ولا يتم التشاور معه حول ضوابط الاستغلال.

“صفر” ضرائب

وأشار اليحياوي إلى أن الشركات الرقمية العملاقة تجني أرباحا خيالية دون أداء الضريبية، وذلك عبر التصريح بالضريبية في مناطق الإعفاءات الضريبية، موضحا أن الكبار لا يمكن محاربتهم بالقانون ولكن عبر مناقشتهم في ضوابط الاستعمال، مشددا على ضرورة إفراز نموذج اقتصادي جديد يدمج بين إنتاج شركات المستقبل للثروة وبين احترام المعطيات الشخصية.

وأفاد الأكاديمي أن إمكانية المعرفة الجزئية لطرق استغلال المعطيات الشخصية لا يتأتى إلا بعد فضيحة من الفضائح، موضحا أن السياسيين خارج التغطية، في مقابل معرفة الشركات الكبرى لمعالم المستقبل، موضحا أن موضوع حماية المعطيات الشخصية أساسي يرهن الحاضر والمستقبل، باعتبار أن التكنولوجيا أصبحت تغزو على الناس مضاجعهم.

المغرب يتحدى

واستغرب اليحياوي من مناقشة المغرب لشركة الفيسبوك حول المعطيات الخاصة، متسائلا عن مصدر قوة المملكة للضغط على الفيسبوك، إذا كان الاتحاد الأوروبي أقر بعجزه في الموضوع؟ موضحا أن سوق الإشهار بالمغرب لا يتعدى 300 مليون دولار، 69 في المائة منها تذهب لشركة المحرك العملاق “غوغل” والبقية تتوزع على وسائل الإعلام المختلفة، مشددا على أنه لا توجد علاقة بين ملكية المعطيات وكيفية تحليلها وتدبيرها.

ووصف اليحياوي موضوع حماية المعطيات الشخصية بـ”المعقد والتقني والقانوني”، موضحا أن القليل من المواطنين من يهتمون به ويعونه حق الوعي، منتقدا الثقافة الرقمية التي أصبحت اليوم تزاوج بين الأمية والتكنولوجيا الرقمية، ممثلا لذلك بالأمي في أقاصي الجبال الذي يستعمل التكنولوجيا المتطور عن طريق شبكة الانترنيت رغم أميته المعرفية، متسائلا كيف سيتم محاربة الأمية لدى هذا الشخص وهل يمكن اعتباره أميا أصلا؟

نموذج اقتصادي

ورغم كل انتقادات بين اليحياوي أن هناك في المقابل إيجابيات للتكنولوجيا عبر تمكينها البشرية بالتنبؤ بالأمراض الخطيرة وتطوير الطب عن طريق الذكاء الاصطناعي، وتثمين الفلاحة وغير ذلك من الأمور التي ساهمت في رقي البشرية، موضحا أن التكنولوجيات الجديدة أصبحت تمكن الجميع من التواصل والتفاعل وتلقي الأخبار بسهولة النفاذ إليها، موضحا أن تصوره إزاء هذا الموضوع هو إيجاد نموذج اقتصادي يمكن الشركات من إنتاج الثروة في احترام للمعطيات الشخصية.

يشار إلى أن الندوة شارك في تأطيرها رئيس اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية عمر الشغروشني، والخبير في مجال الإعلام والاتصال والتكنولوجيا يحيى اليحياوي، ورئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير-حاتم محمد العوني، وسيرها الخبير نبيل اسريفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *