وجهة نظر

الجيش والبترول

(تعليم جيد يحرس البلاد أفضل من جيش منظم) إدوارد افريت

غريب أمر شعوب الدول العربية التي تعيش حراكا في الآونة الأخيرة (ليبيا، الجزائر، السودان…)، حيث تشابهت وضعياتها على العديد من المستويات، أهمها لعب عنصرين رئيسيين أدوارا هامة في هذا الغليان، وهما الجيش والبترول، حيث انسجما وهيمنا على شعوب هذه الدول، حتى أصبح البترول في خدمة الجيش، وهذا الأخير يغتني من البترول ويحميه في الوقت نفسه.

فإذا كان الكثيرون يعتقدون بأن البترول هو المنفذ إلى الازدهار لما يتيحه من فائض في العملة الصعبة كوسيلة أساسية للاستثمار، فإن ما يقع بهذه الدول مؤخرا أكد العكس، حيث تحول الذهب الأسود إلى نقمة وليس نعمة، بعد أن وظف كوسيلة لشراء السلاح، والسلاح في خدمة الجيش، والجيش بأموال البترول هيمن على السلطة، وحول باقي العائدات إلى حسابات وجيوب الجنرالات.

وهكذا، ألغيت الدولة، وجمدت المؤسسات، وأصبحت هذه البلدان تسير بالجيش وبشركات البترول، و حين وقع الاهتزاز، اكتشف الجميع أن لا وجود للدولة، ولا المؤسسات، ولا الأحزاب، فقط المسدس بجانب رائحة البترول، يواجهان شعوب جائعة في الطعام، وجافة في السياسة، وبالتالي لا أحد اليوم بإمكانه إيجاد جواب للأزمة بعدما قتل البترول الأحزاب، واستمتع الجيش واغتنى بأموال البترول، بعدما قمع المواطن ولم يترك للسياسة مجالا للتحرك.

لقد أصبح الجيش والبترول وحدتان متلازمتان في جزء كبير من وطننا العربي، يحرص الجيش على توفير كل قنوات مرور الغاز والبترول في هذه البلدان، أكثر من سعيه لتوفير قنوات الصرف الصحي للمواطنين، فلا تنمية ولا دخل لهم، كل المداخيل لجيوب الجنرالات، حتى أمسى البترول وبالا على الشعوب العربية، يفقرها ويغني العسكر، يقوي الدكتاتورية ويقتل السياسة والديمقراطية.

أما الشعوب العربية البترولية الأخرى فقد علمها الكسل، وزرع فيها ثقافة استهلاكية مثل الوجبات السريعة، فصدق من سمى هذه الدول بمدن الملح، ما أن يسقط عليها مطر الأزمة وثورات الشعوب حتى تذوب.

ويبدو أنه من حظنا نحن في المغرب، أننا اتجهنا لبناء الدولة بعيدا عن هذا الذهب الأسود، بنينا الدولة “على أعطابها”، وأحدثنا المؤسسات الدستورية، تمثيلية و للحكامة “رغم بعض اختلالاتها”، وأسسنا الأحزاب السياسية “على مشاكلها”، وخلقنا نموذج من ثقافة التسيير الذاتي والبناء والعمل “على نواقصه”، جعلنا المواطن المغربي هو الرأسمال الحقيقي، هو من يدبر شؤون الدولة والمؤسسات والخدمات، عكس بعض الدول البترولية المخملية، حيث تستورد كل الطاقات وكل الخدمات وفي كل المجالات.

لقد أمنا كمغاربة بالتطور وبالإصلاح والتغيير في ظل الاستقرار والاستمرارية، وأصبح مضمون التغيير الجدري هو الحفاظ على المكتسبات وتطوير الديمقراطية إلى الأفضل، ولا بيع للوهم كما يحدث في عدد من الدول العربية، فمثلا حينما قامت الثورة في السودان على يد الإسلاميين بقيادة الراحل حسن الترابي، بعد أن نفد مشروعه المعروف بأسلمة الجيش الذي كان يمثله الرئيس عمر البشير، تبين بعد ذلك أن لا وجود لمشروع تنموي ولا نهضوي، كل ما في الأمر إشغال الناس باندلاع الصراعات، مقابل تهريب الكثير من الأموال نحو الحسابات البنكية بماليزيا وأندونيسيا.

أما في ليبيا، فقد قتلت الثورة الرئيس العسكري القدافي، بعدما مكث في الحكم أربعين سنة، عجز فيها كنظام عن صناعة إدارة صغيرة بالأحرى دولة ومؤسسات، قاد البلاد بمنطق التجويع وثقافة القبيلة وخطابات الثورة المزيفة، ففقر الشعب، وقتل الديمقراطية، وقمع السياسة بكلشيهات ومسرحيات اللجان الشعبية.

أما في جارتنا الجزائر، فشعلة التحرر التي أعقبت الاستقلال والتي كانت تتجه نحو بناء دولة ديمقراطية مدنية مستقلة، سرعان ما انطفأت لحظة تواطؤ الراحل بومدين الهواري مع الجيش لقيادة الانقلاب على السلطة، ومن تلك اللحظة دخل الجيش السلطة ولم يخرج منها، حتى باتت الجزائر تعيش وضعا غريبا، إذ لكل دولة جيشها بينما للجيش الجزائري دولته، بل بواسطة الغاز باتت الجزائر تتصف ببورجوازية الدولة “ممثلة في الجنرالات” والشعب فقير.

لقد انتهينا اليوم إلى ثورات، إلى القتل في السودان وليبيا، والاحتقان في الجزائر، وبات البترول مصدر تدمير هذه الدول، زادها نفاق المجتمع الدولي وحماية مصالحه تدميرا وتعقيدا، ربما لا يدرك أن لهذه الشعوب قدرة غير متوقعة على الإبداع، وعلى المواجهة والصمود، وعلى النهوض من تحت الرماد.

نتمنى للجزائر حلا واستقرارا، ولأصدقائنا السودانيين الطيبين لحظات تعقل وحوار وتبات، ونتمنى لإخواننا الليبيين أن ترفع الأطماع والمصالح الدولية يدها عليهم، وأن تكف مصالح وهدير طائرات البحر الأبيض المتوسط عليهم، حتى يستطيعون تحويل البترول إلى وسيلة للتنمية، لا أداة للقتل والتخريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *