هم ومن بعدهم الطوفان!
مهما أبهرتنا تكنولوجيا “النانو” في تدمير وغزو الأجيال القادمة من الڤيروسات، ستظل هناك ڤيروسات لا وحدة النانومتر و لا أعتى المضادات الحيوية قادرة على رصدها أو إبادتها لأنها غير مادّية والعقل البشريّ من ينتجها، فحين تكتشف أن أكثر من 14 قرنا لم تفلح في جعل البعض يستوعب العبرة من الإسلام ستفهم سبب العداء الغريب الذي يختفي خلف من ظنّوا أنهم حجزوا مقعدا مريحا بنادي المتديّنين..
فكثيرا ما يرهقني الخذلان حين أتذكر حديث الرسول “بلغوا عني و لو آية” وأرى بيننا من يرسلون العشرات يوميا لجهنم مرفقين بكمية لا بأس بها من الوعيد، ويلعنون الخارجين عن الدين ويباركون وينبهرون بنفس الأشخاص إن أعلنوا دخولهم الدين وينصبونهم أبطال، ويشبّهون المحجبة وغير المحجبة بحلوى مغطاة وأخرى يحوم حولها الذباب وكأن الغير المحجبة قاذورة وكأن كل المحجبات يشرّفن هذا الدين بالضرورة !
ترى أيّ وسخ وخمج هذا الذي استوطن عقول هؤلاء الجهّل، وكم مترا مكعّبا من البكاء سيكفي من أرسل رحمة للعالمين لو رأى ممن يدّعون التدين هذا المنكر ..
إن ما لا يفهمه العديد من المسلمين اليوم هو أن التديّن ليس لقاحا يؤمن اشتراكا متجدّدا ضد تقلب الأحوال فحتى الرسول ظل يردد إلى آخر يوم في حياته “اللهم ثبت قلبي على دينك”..
كما أن الدين وحده ليس كافيا ليجعل بين أيدينا عصا سيدنا موسى لنفتح بها طريقا في البحر، و على رأي البهيّ مصطفى محمود “إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر فلن ينجو إلا من تعلم السباحة، فالله لا يحابي الجهلاء فالمسلم الجاهل سيغرق والكافر المتعلم سينجو”.
فالدين بالأصل وجد لسلوك سويّ وحياة نبيلة وليس لفكر بهيم أو إدانات وضيعة، أتى لتهذيب النفس البشرية وتشذيبها كما يشذب البستاني النباتات من الشوائب، ولم يسبق لبستانيّ أن استعمل منشارا أو جرافة لذلك وإنما يستعمل يديه تارة و مقصا تارة أخرى، وهذا هو مفهوم الترغيب و الترهيب بديننا ..
فالعبرة من الدين إصلاح ذواتنا ومراقبة أفعالنا لا الانشغال بلعنة الآخرين و إرسالهم للجحيم..
ولو كان الأمر كذلك لكانت لفظة مفتّش أو محقّق أولى من مسلم..
ولو كانت مفاتيح جهنم بيد البعض من البشر، لانتهى الحال بالملايين مشويّة في بركان “مونالو” أو ضائعة ببحر الظلمات أو مجمّدة في “غابات التندرا” الروسية..
فمهما ادّعت هذه العقول خطأ من يرون في أنفسهم شعب الله المختار ومن يؤمنون أن بشرايينهم دماء آريّة، ومهما استعاذت هذه العقول من غطرسة فرعون حين قال “أنا ربّكم الأعلى”، أو أدانت الاستعلاء في قولة لويس الخامس عشر ” أنا ومن بعدي الطوفان” فإنها في العمق لا تختلف كثيرا عن هؤلاء ما دامت مقاربتها للدين والآخر غير سويّة، فزمن التمسّح بجنس الدلالات قد ولّى وما الأخذ إلا بالصائر في المعنى !
و في الختم..، إن أكبر وأرعب سجن في العالم ليس سجن “خاركوف” أو “الدولفين الأسود” إنه منطقنا الأعوج وأفكارنا التي نتنقّل بها في كل مكان..
لقد امتلأنا للأسف بعناصر الدين بما يكفي لنكفّر ونلعن من بيننا عوض أن نكون نورا يهتدي به من حولنا !