وجهة نظر

مغرب 2021

(رجل الدولة يفكر في الأجيال المستقبلية، ورجل السياسة المتحزب يفكر في الانتخابات القادمة) الملك الحسن الثاني

يفكر بعض المتسيسين في 2021 كنتيجة انتخابية، في حين بعض من رجالات الدولة يفكرون في 2021 كعبء مستقبلي وضغط لمحيط دولي على بلادنا، فهناك اليوم أكثر من سؤال حول محطة 2021، كيف سيتعامل معنا المجتمع الدولي؟ وكيف سيتعامل مع تجربتنا السياسية ومكوناتها الحزبية؟ لاسيما بعد تفكيك تحولات 2011 في كثير من الدول، مما جعل البعض ينظر إلينا في كثير من الأحيان على أننا عالة سياسية، ما زلنا نجتر نتائج تلك المرحلة، ومن تم نبدو كأننا نتأخر في الحسم وفي القدرة على اتخاذ القرار، فهم لا يستطيعون أن يستوعبوا أن الحكمة المغربية تكمن في إدارة وضعه السياسي باستقلالية تامة، فليس المهم لديه أن يطرد أو يلغي أو حتى يحجم قوة سياسية معينة، بل المهم هو بناء الدولة، وتعميق الديمقراطية بواسطة جميع قواه الحية.

إن كثير من النشاز في علاقاتنا الدولية، سببه تلك الغيرة على التجربة المغربية المستقلة، مما يفرض اليوم علينا جميعا أن نتحمل مسؤولية ضمان نجاح هذه التجربة إلى الأخير. قد نعيش اختلافات بيننا داخل الوطن، لكن على الخارج فهم أن هذا الاختلاف الداخلي، هو إحدى مقوماتنا الوطنية ونجاح تجربتنا المغربية بما لها وما عليها.

إن الدفاع عن سيادة واستقلالية القرار السياسي الوطني، كان محور الصراع الدولي الذي نعيشه اليوم، تارة مع الأصدقاء، وتارة مع الخصوم، وبكل ما يملكونه دوليا من سطوة القرار، وسلطة المال، وسطوة الذهب الأسود، عليهم إدراك أن تجربتنا الوطنية وغيرتنا على استقلالية قرارنا السيادي، لا يزال يثبت صحته ومصداقيته، ويراكم نجاحاته. ورغم بعض الانزلاقات فلا يجب علينا أن نفرط في هذه التراكمات، أو نقزمها في صراع حول المرتبة الأولى انتخابيا، أو في تفسير ضيق لفصل دستوري يتيم، بل دور الأحزاب الحقيقية والقوى السياسية، هو تقوية جبهتنا الداخلية من خلال تعامل مثمر وإيجابي لحماية مكاسبنا الديمقراطية وتطويرها.

إن الفرق بين رجل الدولة ورجل السياسية، يكمن في نظرة كل واحد للمستقبل، حيث ينشغل الأول بقضايا الأجيال القادمة، في حين يختزل الثاني المستقبل كله في الانتخابات القادمة وفي نتائجها.

إن بلدنا محظوظ بتجربته، مثقل بهمومه الاقتصادية، متردد في مجاله الحقوقي، قوي بعنصره البشري، يعاني من ضغط دولي كبير ناتج عن محيط يعرف تحولات متسارعة، وينبئ بأزمات قادمة، تجعلنا مسؤولين عن جبهتنا الداخلية أكثر من أي وقت مضى.

ومن ثم علينا أن لا نصدر الأحكام، ونبني سياستنا الداخلية على العداوات، أو على بعض من الجزئيات المبنية على نتائج الانتخابات، بل لا بد من التفكير في بلورة علاقات إيجابية بين القوى السياسية لتضفي على تجربتنا الديمقراطية توهجا مستقبليا، وتمنح للشباب فرصة المساهمة في مستقبل جماعي أفضل.

إننا محظوظون لأننا مغاربة، ولأننا كذلك، لا يجوز أن نفرط في استقرارنا ووحدتنا الوطنية، أو نفقد الشجاعة في مواجهة قضايانا الحقوقية، أو نتراجع عن الدفاع على مواقفنا في السياسة الخارجية، فخير لنا أن نتحمل أعباء اقتصادية إضافية، على أن نفقد استقلالية قرارنا السياسي، سواء لحاجتنا المالية، أو لرغبتنا في الحصول على عطاءات أو ترضيات دولية مهما كان مصدرها.

إن المغرب في تاريخه تحمل معاناة أساسية من أجل أن يبقى موحدا ومستقلا، وهذا سبب نجاحه، لذلك من الخطأ التفكير في مغرب 2021 بشكل انتخابي صرف، ومن الحكمة التفكير في مغرب 2021 تحت ثقل متغيرات محيطه الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *