وجهة نظر

العلمانيون و العسكر .. تحالف ضد الديمقراطية

1 – عاشت الشعوب العربية عقودا من السنين بعد استقلال بلدانها و هي تحلم بتجسيد تجارب سياسية ناجحة ، تفضي في النهاية إلى اجتراح شكل من أشكال الدولة الديمقراطية الحديثة ، مما يجعلها تنتقل من مرحلة الحكم القروسطوي الغارق في التحكم الفردي ، إلى مرحلة النضج السياسي الموسوم بالتعددية و قيم المواطنة ، كل ذلك كان يحدث عبر مسلكيات سياسوية ” ليبرالية و قومية و اشتراكية و حداثية ” ، و لم يسمح للوافد الجديد ” تيار الإسلام السياسي المعتدل ” أن يطأ أرض التدافع السياسي إلا في العقدين الأخيرين و باحتشام بالغ ! مما يعني من جملة ما يعني أن مخرجات الأوضاع العربية الكارثية ؛ عسكريا و ثقافيا و اقتصاديا و اجتماعيا .. هي صناعة ” ليبرالية عربية ” بعموم اللفظ و المعنى .

2 – و بعد أن جرت مياه متدفقة تحت جسر العالم العربي الجريح ، و تيقن الكل أن الأحلام العربية بحياة أفضل أضحت محاصرة في ” عنق الزجاجة ” ، اهتزت الشعوب اهتزازا ، و انفجرت ميادين التحرير انفجارا منذ 2011 ، مطالبة بإسقاط الفساد الذي كان خيارا استراتيجيا للنظام العربي الرسمي ” الليبرالي ” ، و بقية أحداث القصة معروفة : إزاحة زعماء توغلوا في الاستبداد ، و فتح باب ” الإصلاحات ” الدستورية و المؤسساتية ، و تنظيم استحقاقات برلمانية و جماعية و قطاعية شفافة و حرة ، لأول مرة في تاريخ العرب الحديث ، انتهت باكتساح المكون الإسلامي المعتدل للحياة السياسية و المجتمعية ، ليس بفضل قوته ” الأسطورية ” ، و إنما بسبب ترهل الهيئات الحزبية التقليدية و انتهاء مدة صلاحيتها .

3 – بيد أن فلول الأنظمة المتساقطة و جيوب الدولة العميقة المقاومة للتغيير كان لها رأي آخر ، الانقلاب على الثورات الشعبية و الدوس على الاختيارات الحرة للمواطنين ، و الضرب عرض الحائط بكل القيم الديمقراطية المتعارف عليها أمميا ، و لئن كنا ” نتفهم ” انقلاب المؤسسة العسكرية على إرادة الشعوب في تقرير مصيرها ، و انتهاج مسلك الحكامة الرشيدة ! و ندرك الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الإسلاميون في بداية ” ترأس ” حكوماتهم ، و خاصة نهجهم غير التوافقي مع كل الهيئات السياسية دون استثناء ، و قلة تجربتهم في تدبير الشأن العام .. فإننا لا نستسيغ الأسلوب غير الشريف ، و الذي يقترب كثيرا من النزعة الميكيافلية الانتهازية لبعض المسؤولين السياسيين و ” المثقفين ” العرب المحسوبين على الصف الحداثي ، و الذين طالما أقاموا الدنيا و لم يقعدوها ” مدافعين ” عن أولوية استنبات الدولة المدنية الديمقراطية التعددية في كل الأقطار التي شملها الحراك الشعبي ، لا بل إنهم تحالفوا مع الجيش و المؤسسة الأمنية لسحق أي محاولة تنزع نحو الانتقال الديمقراطي ، و نشر كل تجليات القمع ، و الفتك بمنافس اعترفوا بعدم قدرتهم على مواجهته عبر استحقاقات انتخابية سليمة ، و عسكرة الحياة المجتمعية من أجل العودة إلى سنوات القهر و الترهيب !

4 – و عليه ، لسنا من مؤيدي أي تيار سياسي أرتودوكسي حدي ، و لا من دعاة تعصب اليمين أو اليسار ، بل إننا نؤمن بحق الشعوب العربية في العدل و الحرية و الكرامة ، و إقامة نظام سياسي حديث يستند إلى مستلزمات الحداثة بمعناها الطافح بكل ما هو إنساني ، نظام يوفر إمكانيات العمل المشترك ، و الاحتكام إلى قيم المواطنة و حقوق الإنسان و التنافس الحر و النزيه على السلطة ، بين الفرقاء السياسيين بغض النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية ، و الفصل الراجح بين السلطات و استقلال الإعلام و القضاء ، في أفق إقامة دولة مدنية حديثة بحصر المعنى .

* باحث مغربي في قضايا الفكر و السياسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *